تمثل هذه المدارس بمثابة الجامعات الحديثة، فهي تزود المغرب والدول الشقيقة بمختلف الأطر التي يحتاج إليها في مجال تدريس القرآن وعلومه والأمة والفقهاء. وقد تخرج من هذه المدرسة الأفواج تلو الأفواج من العلماء والأئمة والمؤلفين في مختلف العلوم، الأمر الذي اوجب لسوس حقا أن تلقب بسوس العالمة.
وهكذا زودت مدرسة الكريمة مجموعة من الدول العربية بثلة من الفقهاء والخطباء والمدرسين لعلوم القرآن والسنة النبوية، فبعضهم اعتلى كرسي الخطابة بمصر وبالإمارات العربية المتحدة وبسوريا وبالمملكة العربية السعودية، وآخرون كثر أصبحوا خطباء وفقهاء ببعض مساجد الدار البيضاء ومراكش والناظور وطانطان وكلميم وأكادير، إضافة إلى مساجد بسوس.
شخصيات زارت مدرسة الكريمة
حسب شهادات بعض شيوخ منطقة الكريمة والساحل، فإن بعض العلماء المشهورين زاروا المدرسة وأعطوا فيها دروسا للطلبة والمصلين، وعلى رأسهم الأستاذ الفقيه محمد العثماني المشهور وسط السوسيين ببرنامجه الإذاعي الشهير “أسقسيتن ندين” على أمواج الإذاعة الوطنية والذي قام بزيارتها بتاريخ 12 يناير 1974، وكان حينئذ بالمدرسة 12 طالبا فقط، وبتاريخ 9 غشت 1985 زارها العلامة الشيخ الحاج عمر الساحلي. كما أكد العلامة الحاج الحسين وكاك، رئيس المجلس العلمي لتيزنيت أنه درس بمدرسة الكريمة ألفية بن مالك ونفس الشيء بالنسبة لأخيه الأستاذ الحسن وكاك، عميد كلية الشريعة بمراكش. من جهة أخرى أوضح فقيه المسجد أن وزير التربية الوطنية في حكومة التناوب الأستاذ مصطفى العلوي خص المدرسة بزيارة تفقدية. ويذكر أن قناة السادسة المغربية أنجزت ربورتاجا فريدا عن تاريخ المدرسة وأسلوب التدريس بها ومختلف العلوم المدرسة بها.
الوقت الثالث عند الطلبة
من حين لآخر، يحدد الفقيه موضوعا معينا للطلبة للبحث فيه والمنافسة في الصياغة في مجالات مختلفة كالأدب والشعر والتعبير، حيث يعرض كل طالب مساهمته على زملائه بحضور الفقيه من أجل التقييم، بعد ذلك تختار بعض المساهمات لنشرها في المجلة الحائطية للمدرسة، بالإضافة إلى تنظيم مسابقة في تجويد القرآن الكريم. كما استفاد الطلبة من بعض الدروس في تعلم اللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية يلقنها بعض الأساتذة المتطوعين. يذكر أن نظام المدرسة متكامل مع شخصية الإنسان، حيث يستفيد الطالب من عطل عيد الأضحى وعيد الفطر وذكرى المولد النبوي، إضافة إلى العطلة الأسبوعية ليومي الخميس والجمعة من كل أسبوع. كما ينظمون مسابقات في كرة القدم صباح كل يوم الخميس ومساء يوم الأربعاء.
يذكر أن باحة المدرسة تشهد سنويا احتفالين كبيرين تقرأ فيهما الأمداح النبوية وإعطاء الدروس والمواعظ، تستقبل المدرسة خلالهما جمعا غفيرا من الفقهاء والطلبة والمواطنين من كل المناطق القريبة، المناسبة الأولى للاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف والثانية ليلة القدر حيث يخصص المحسنون بإخربان والكريمة سنويا ميزانية خاصة لهذه الاحتفالات من شراح مجموعة من الذبائح والفواكه، إضافة إلى توزيع الصدقات على كل من حضر من الطلبة.
المدارس العلمية العتيقة في ضوء الميثاق الوطني للتربية والتكوين
ينص الميثاق الوطني للتربية والتكوين في مادته 88 من المجال الثاني المتعلق بالتنظيم البيداغوجي على أنه يجب جعل التعليم العتيق أو التعليم الأصيل أكثر انفتاحا وتحديثا بالمناهج الجديدة وعصرنته بالعلوم الحديثة مع ربطه بمسالك التعليم العمومي.
وفي هذا الإطار قررت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الاهتمام بالمدارس العتيقة وتنظيمها قانونيا، حيث أصدرت ظهيرا شريفا في ثمانية أبواب وست وعشرين مادة قانونية مصدرة بالمؤشرات التالية: ظهير شريف رقم 1. 02. 09 صادر في 15 ذي القعدة 1422 (29 يناير2002) بتنفيذ القانون رقم 13. 01 في شأن التعليم العتيق. والهدف من هذا الظهير هو التحكم في المدارس العتيقة قانونيا وتدبير شؤونها بطريقة عقلانية منظمة وممنهجة تحت إشراف الدولة. ومن ثم، فوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية هي التي تحدد برامج التعليم العتيق ومناهجه بتنسيق مع وزارة التربية الوطنية، وهي التي تسهر على رخص هذه المدارس وأنظمتها الإدارية والتعليمية وشهاداتها ومواردها المالية وتخرج متعلميها وتأمين نفقات مدرسيها إلى جانب الموارد الأخرى التي تأتي عن طريق المحسنين والمؤسسات الراعية. وتحدد المادة الرابعة من الظهير الشريف الفضاءات التعليمية لهذا النوع من التعليم التقليدي، وطبيعة المناهج والبرامج الدراسية التي ينبغي للمدارس العتيقة الأخذ بها. ويقول القانون المنظم:”يجب أن تتضمن البرامج الدراسية المطبقة بمؤسسات التعليم العتيق حصصا إلزامية من المواد المقررة بمؤسسات التعليم العمومي في حدود الثلثين من الحصص المخصصة لهذه المواد بما في ذلك مادتي اللغات والرياضيات والرياضة البدنية كلما أمكن ذلك.
وتتوج الدراسة بطور التعليم الابتدائي بشهادة التعليم الابتدائي العتيق، وبطور التعليم الإعدادي بشهادة التعليم الإعدادي العتيق، وبطور التعليم الثانوي بشهادة الباكالوريا التعليم الثانوي العتيق، وبطور التعليم النهائي بشهادة العالمية في التعليم العتيق”.
ويقسم الظهير الشريف المدارس العتيقة إلى قسمين: مدارس عتيقة عمومية ومدارس عتيقة خصوصية، حتى أصبح التعليم العتيق بهذا المنظور لا يختلف في جوهره عن التعليم الأصيل العمومي. ويخضع التعليم العتيق العمومي لتنظيم وتسيير السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف والشؤون الإسلامية والتي يشار إليها بالإدارة في مواد هذا القانون. ومن خلال هذه المواد القانونية، يتبين أن نظام المدارس العتيقة كان يتغير من فترة إلى أخرى ومن عهد إلى آخر حسب مستجدات الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للدولة، على الرغم من وجود مجموعة من الثوابت المشتركة أو الأعراف السائدة مازالت تتحكم في تسيير هذه المدارس العتيقة وتدبيرها إداريا وتعليميا وتربويا من أقدم فترة تاريخية إلى عهدنا هذا. الكاتب: إبراهيم أكنفار ([email protected])
تعليقات