الأحد 5 مايو 2024| آخر تحديث 9:00 01/04



إلى المقرئ: يكفيك فخرا أنك عنوان أمة

د. فؤاد بوعلي

تتناسل رسائل التضامن والمؤازرة والاستنكار من كل جهات المملكة وكل البلاد العربية والإسلامية ضد التهديدات التي يتعرض لها الدكتور المقرئ أبوزيد وعائلته من قبل بعض الجهات المحسوبة على الحركة الأمازيغية. وكل هذا المسار التضامني من أجل عنوانين مركزيين: قيمة الرجل ورساليته.فهل يحتاج المقرئ ابو زيد إلى كل هذا التضامنالشعبي؟ أم نحن في حاجة إلى صيغ مجتمعية وقانونية للحماية من ثقافة الكراهية التي يعمد الاستئصاليون إلى بثها ونشرها حتى غدت الآراء والمواقف تواجه بالتهديد والوعيد والاغتيال؟

قليلة هي اللقاءات التي جمعتني بالدكتور المقرئ، لكن الاشتراكفي القناعة القوية باللغة العربية، إضافة إلى التخصص، جعلنا نلتقي في المنافحة كل من موقعه عن الانتماء الإسلامي والعربي، وعن عمق هذا الوطن، فخبرت فيه رجلا صادقا مناظرا بالحجة ومؤمنا حتى النخاع بأمته، وعرفتهرجلا في رحلة دائمة، زاده الكتاب والقضية، متأففا عن المناصب والولاءات إلا ولاءه لهوية الأمة وقضيتها، بين محطات كثيرة يبشر بنصر آت لفلسطين الأمة، وفي ثنايا النقاش السياسي تراه متصدرا لمشهد الدفاع عن لغة الضاد.

سئل أحد الحكماء بأي شيء يعرف الرجال فقال: الرجل أمة حين يسكت الناس. لذا كان المقرئ عنوان قضية.

ثلاثة أحداث أساسية ومفصلية عرفتها الساحة الوطنية وكنا على يقين أن الجواب سيأتي سريعاولو بإخراج مجتزأ لشريط متهالك للدكتور المقرئ بعد أن نضبت خزينة دعاة التجزئ:

  1. النجاح التاريخي للمؤتمر الوطني الأول للغة العربية الذي أعاد النقاش حول المسألة اللغوية إلى مساره الطبيعي وفرض العربية محور كل مقترحات السياسة اللغوية بحضور وازن سياسيا وأكاديميا ومدنيا في جو من التوافق بين مكونات المشهد الثقافي المغربي.
  2. فشل حملة التلهيج التي انخرطت فيها العديد من الأطراف المدافعة عن الفرنكفونية والأمازيغية بعد الهبة القوية للمنافحين عن العربية من شخصيات سياسية وأكاديمية وجمعوية. لذا فصمت أصحاب المشروع لم يكن نهاية الطريق بل له ما بعده، خاصة بعد أن انحنى كبيرهم للعاصفة وترك المريدين أيتاما.
  3. لأول مرة في تاريخ المغرب الحديث يوضع مشروع قانون تجريم التطبيع في البرلمان المغربي والمعد من قبل المرصد المغربي لمناهضة التطبيع ومازال ينتظر المصادقة عليه. ومجرد وضعه دليل على حيوية المجتمع وقوته وعدم تفريطه في قضية فلسطين بالرغم من محاولات تقزيم الانتماء وخوصصته.

عناوين ثلاثة أزعجت كثيرين خاصة أن للمقرئ فيها دورا أساسيا: فهو رمز من رموز الدفاع عن العربية وخرجاته وبياناته في البرلمان خير النماذج تحرج الخصوم والأصدقاء،وموقفه القوي والعلمي من طرح التلهيج انتشر بسرعة انتشار النار في الهشيم، ومواقفه من الصهيونية واضحة وله جولات وصولات في مسار مواجهة التطبيع في كل بقاع العالم. عناوين ثلاثة شكل فيها المقرئ العنوان الجامع. لذا فالرد كان من دعاة التدريج والتجزئ والتطبيع، هي عناوين متعددة لكنها فصل واحد منقضية واحدة.

سيتصاعد التضامن مع الدكتور المقرئ، وسيجد المساندون له في دفاعه القديم/ الجديد عن علماء ناطقين بالأمازيغية كالمختار السوسي وفي انتماء عائلته الصغيرة سندهم النظري والمسلكي، لكن الواقعأن الرسالة لا يقصد بها الأمازيغية إلا من حيث التوظيف، ولا يقصد بها شخص أبي زيد يل يقصدالمقرئ عنوان الأمة وعنوان كل المنافحين عن الوطن ووحدة المجتمع المغربي.إذ يخطئ من يبحث في ثنايا النص عن مقاصد قول أبي زيد وعلاقته بالأمازيغيةلأن المقصد أكبر من مجرد نكتة ذكرت سهوا أو قصدا، بل جوهر الأمر رسالة ترسم معالم المستقبل المراد إرغامنا على القبول به، مستقبل الهويات المتنافرة والمتصارعة وجدانيا وإقليميا، وهي رسالة تريد لنا القبول بمنطق التجزئ والتخوين في مغارب متعدد ومشرذم بدل مغربواحد. هي رسالة تريد فرض اجندة الهلال السامي الخصيب والتقسيم الآتي بدل التوافق المرسوم.هي رسالة تتدثر بالأمازيغية للقضاء على كل مفردات الوطن والانتماء والمشترك الجمعي، تتصيد عناوين المظلومية لتقتات منها، فوجودها رهين بالتوتر. واختيار الأمازيغية دون عناوين مناهضة التطبيع والتلهيج والدفاع عن العربية مؤسس على حساسية الموضوع والصورة النمطية التي يراد لنا الإيمانبها بل والخوف من المساس بها. فالأمازيغية ملكنا جميعا ولاحق لأحد في احتكار الحديث عنها.

إن ما وصلنا إليه الآن هو نتيجة طبيعية سجلناها أيام النقاش الدستوري وقلنا إن القانون لا يحل الإشكال مادامت الورقة الأمازيغية تستغل تارة من قبل المطبعين مع الكيان الصهيوني وأخرى من قبل دعاة القيم البديلة.بل هو تتويج لفكرة الإقصاء والمظلومية التي حاول منظرو البحث في الأمازيغية، عن قصد أو بغير قصد، ترسيخها في أذهان الأتباع بشكل انتقل معه النقاش العلمي إلى دفاع محموم عن ظلم تاريخي موهومتعطاه الآن ابعاد سياسية وحقوقية. وما الإخراج السريع لمسرحية الشريط وتوالي التهديدات التي وصلت حد القتل إلا نتيجة طبيعية لهذا المسار الطويل من التجاذب الهوياتي واستغلال الورقة الأمازيغية لنشر الفتنة بين “إثنيات” موهومة، كما أنها تأكيد آخر على أن مسار التوافق الذي اختطه المنافحون عن الهوية الوطنية برسم معالم الوحدة وتثبيت التراكمات المجتمعية، أزعج الكثيرين من دعاة الأزمة والتأزيم.

إن رسائل التهديد هي خطاب موجه لعموم المجتمع بكل تشكيلاته، وينبغي الانتقال نحو مواجهة خطاب الكراهيةوالتهديد.فالعنف لغة الاستثناء، وما داموا استثناء فينبغي الانتقال نحو حصرهم.

  • فعلى الدولة تحريك المسطرة القضائية ضد هؤلاء الذين طغوا في البلاد والفضاء الالكتروني وبدأوا يهددون كل مخالفيهم ويرصدون لذلك الأموال،
  • وعلى السياسيين عدم استغلال الحدث في تصفية الحسابات الحزبية لأن الأمر أخطر من حرب مواقع بل هو تهديد لوجود الوطن،
  • وعلى المجتمع المدني الذي استفاق ضد التجزئة والتشظي الهوياتي وأثمر مؤتمرا تاريخيا أن يكون مستعدا لكل الاحتمالات، كما ابان عن يقظته ضد دعاوى التلهيج. فالمعركة معركة أمة.

ايها المقرئ، مذ عرفناك لم تكن أبدا عنوان ذاتك بل كنت عنوان قضية وأمة,قضيت جل حياتك متنقلا للدفاع عنها. ولذلك اختاروك عنوانا للمواجهة. والأمة التي جاهدت وقاومت من أجلها لن تخذلك.وللحديث فعل آت.

 

د.فؤاد بوعلي







تعليقات

  • مما لا شك فيه أن هذا العنوان يضعه كل أنسان أحادي التفكير، أناني ، ومن باإقصاء الآخر ولا يعترف إلا بنفسه ، ويضرب بالمقاربات الحقوقية، الأستاذ ربما مازال لم يستوعب التحولات والإلتزامات التي التزم بها المغرب في جانب حقوق الإنسان ولم ينهج حتى روح ديننا الحنيف الذي عارض مثل مواقف المقرئ وكذا الذي سار على دربه ودافع عنه …وهذا سر معاناة أحزاب الأغلبية الحكومية الأولى والثانية، وكدا المواطنين من هذه المواقف، والأحادية في التفكير والعمل، ونرجو من الله أن يوفق الجميع لما فيه خير الناس كافة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.