السبت 27 أبريل 2024| آخر تحديث 4:44 09/12



جواد غسال: نيني لم يخرج من السجن

جواد غسال: نيني لم يخرج من السجن

jawad_ghasalالزميل رشيد نيني… سأحدثك ببساطة لم تعهدها في الردود على القصف الذي تحولت أعمدتك إلى منصة له، نيابة أو بالوكالة، نكاية أوبداية لأشياء قد تليها، فأنا الذي كنت أومن بعدالة قضية قلمك حتى آخر رمق، وأنت خلف القضبان في ملف تدري كما يدري الكثيرون من هم حولك أن خيوطه لم تتكشف بعد، وأن لا علاقة لها بالمظلمة، لكنه الحق في حرية التعبير والرأي، جعلتني أكتب وأدون وأدافع، حتى يبقى قلم الشعب حرا طليقا، يستطيع أن يدافع عن الشعب ويحدث بألسنة الناس…
وحتى حينما تحول رشيد نيني إلى قلم “يؤكل بفمه الثوم”، كان الأمل في أن تعود الأمور إلى نصابها حاضرا، وأن الأقلام التي نشأت وتطبَّعت على مداحضة الفساد والاستبداد، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتحول، حتى تحت طائلة القهر، إلى صفوفه، واضعة يدها بيد الجهات نفسها التي ظل يحاربها…
وإني أكتب مستغربا طريقة إقحامي في سياق الحديث عن “الحيطان والسراديب” التي ذكرتها، فقط حتى تنسج تلك الصورة التي يبحث عنها البعض، في أن الأمر يتعلق بتنظيم مكتمل الأركان، برموز دعوية وسياسية وإعلامية، تريد “الإساءة للملك”، أو هكذا يستشف من مضامين مقالك…
فكوني مقربا من حزب العدالة والتنمية أو أحد خريجي الجناح الطلابي لحركة التوحيد والإصلاح، ممثلا في منظمة التجديد الطلابي، شرف لا أخفيه، كما يخفي البعض اشتغالهم لحساب جهات غير مشرفة، ودعمي للتجربة الحكومية أمر أبديه، لكن ليس إلى درجة اعتباري شخصا ضمن السرب الذي ذكرت، فلا أتحمل عواقب مواقفهم، ولا أن يتحملوا مسؤولية مواقفي، باعتبار الاستقلالية التامة التي أشتغل بها في ميدان الصحافة الإلكترونية…
والمثير للاستغراب، أن ينخرط نفس القلم، الذي آمنا بقضيته، في حملة إعلامية مشبوهة، تبدأ بتوحيد التوصيف، على شاكلة الحملة المصرية التي وحدت قواميس النعت واستعملت كلمة “خرفان” في مواجهة طيف سياسي، وانتقلت إلى حملة للتخوين والتجريم، قبل تصنيفه وعزله سياسيا وإعلاميا وإقصائه من الحياة السياسية والمشهد الوطني، استعدادا لتصفيته…
والعجيب في الأمر، أن لونا سياسيا في المغرب، مع حفظ الفارق، ظلت نفس الجهات تحاربه بشتى الأدوات والآليات، وحين لم تجد في أدبياته ومواقفه وخطابه ما يدينه، لجأت إلى محاسبته على النوايا، عن طريق فك شفرات الخطاب وتأويلها يمينا ويسارا، وإلا فهو اللون السياسي الوحيد الذي يتلقى الضربات من الجهتين، فيعتبره مناوئو النظام مخزنيا، ويعتبره الباحثون عن أدوات لتحصين مكتسباتهم في الفساد والاستبداد مناوئا للملكية، ويبطن ما لا يبدي…
والحال أنه يعتبر الملكية من صميم مرجعياته وأدبياته، لكن لا يخاف في الله لومة لائم في أن يعلن رفضه للحواريين وكيفية تدبيرهم للشأن العام، ووضعهم للملك في مآزق المساءلة في كل مرة وحين، وما يميزهم، وقد عرفتهم عن قرب، أنهم لا يشكلون عقول المنتمين على شاكلة مستنسخة، فلا رقابة ولا قيود، فظل الشعار مترددا حتى تحول إلى مبدأ، الرأي حر والقرار ملزم.

لقد خسرت قوى كثيرة في عدم موازنتها بين ربح علاقتها بالشعب وربح علاقتها بالملك، فكان ميل ميزانها إلى أحد العنصرين أساسيا في ما أدى إلى إفلاسها، وهو ما استطاعت هاته المدرسة التي لا أنكر تأثري بها موازنته، فاستطاعت أن تشكل تيارا شعبيا بمصداقيتها، وأن تزرع الثقة في علاقتها بالملك كركيزة تلقى إجماعا واسعا، حتى انكسرت الجدران والحيطان النفسية التي صنعتها العديد من الجهات والأدوات الإعلامية، وهو ما يحاول البعض صناعته مجددا اقتياتا على فتات الأحداث… ولن أستفيض في مناقشة من انتقدتهم لأنهم لا يحتاجون لمن يخوض عنهم معارك إعلامية بالوكالة…
لقد ساءني أن يأتي الطعن منك لا من غيرك، وأن تتحول إلى بوق يجتر ما يحيكه من قاموا برميك في السجن الذي لم تخرج منه، بل بقيت سجينا لهم يوجهون كتاباتك كما يشاؤون، وأن تصبح متخصصا في تقنية “المونطاج” والقص واللصق، لتخرج العبارات عن سياقاتها وتبحث عن أشدها وطأة، حتى تجعل صاحبها مكشوفا أمام ضربة قادمة…
وهي الضربة والضريبة التي لا تهم إن أديناها فداء لما نؤمن به، من ضرورة أن يتحول هذا الوطن إلى بلد تعمه قيم الديمقراطية الحقة، والحرية والكرامة، ويصبح فيها للملكية مكانة موقرة، بعيدا عن السلطات التنفيذية التي تضعها في واجهة المساءلة، ويترك الشأن العام في عمومه لمن يستطيع الشعب محاسبتهم عبر صناديق الاقتراع، أن يصبح المواطن مواطنا، ولصوته وزنا لا تهزه رياح متى شاءت فقط لأنه خالف توجها بعينه. ولست ممن ينقلب على عقبيه، لو أدى هذه الضريبة.
سيد رشيد، حتى ولو تحول قلمي إلى قلم مقصوف، أو تعرض للاغتيال كما اغتيلت أقلام كثيرة، وحتى ولو اختار يوما طأطأة رأسه خوفا على المحيط الذي يعيش فيه الكثير من البؤساء المتطلعين لكرامة العيش، وحتى لو اغتالته المادة التي قاموا باحصائها والغير موجودة أصلا، وإن كنت أعتقدني من الشباب الذين تضمنهم الخطاب الذي تحول إلى مادة لتصفية الحسابات فيما بعد، فكن على يقين، أن صوت الضمير الحي الذي يعبر عنه لن يراوح مكانه، فهو ليس مجرد قلم، كما عبر عنه أحد الأصدقاء، هو نفس وخط عام لا يقبل الردة لشريحة عريضة من شباب، أصبح يفهم جيدا ما يقع ويدور، ولم يعد بالإمكان التدليس عليه.







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.