الجمعة 19 أبريل 2024| آخر تحديث 1:48 07/04



المغرب : من وحي كأس القارات 2013

المغرب : من وحي كأس القارات 2013

BRAZIL MAROC

     من الصعب أن تمر تظاهرة من حجم كأس القارات دون أن تخلف لدى المتتبع أيا كان انطباعات شتى، أو درسا يخرج من رحمها ، ومما يجمع عليه الكثير من متتبعي ومحبي الكرة المستديرة مدى المستوى الراقي الذي تميزت به هذه البطولة مقارنة مع الدورات السابقة لنفس التظاهرة أو تظاهرات أخرى ولو كانت من حجم كأس العالم، و الذي افتقدنا فيه الكرة الجميلة ولدورات عديدة. ولكن ما أثارني شخصيا ـ وقد يشاطرني الكثير رأيي ـ هي مجموعة من الأمور التي لا علاقة لها بالعشب الأخضر وسأحاول عرضها في النقط التالية :

1 ـ  مشروع أمة وحلم قارة :

      لا يمكن الحديث عن كرة القدم دون أن نتحدث عن البرازيل، فهي التي أحرزت كأس القارات أربع مرات، وكأس العالم خمس مرات، ولأن كرة القدم جزء من حضارة هذا البلد، فكلمة برازيل تحيلنا لزاما على شيئين اثنين القهوة و كرة القدم، كما أن هاته الأخيرة تساهم بنحو 5 % من إجمالي الدخل الأمر الذي مكن البرازيل من تخطي كوريا الجنوبية  اقتصاديا وتأخذ لها مكان ضمن قائمة العشر دول الأقوى اقتصادياً على مستوى العالم، غير أن هذا لم يحل دون اندلاع احتجاجات على استضافة البرازيل لكاس العالم لكرة القدم العام المقبل، وعلى النفقات الباهظة التي تكبدها اقتصاد البلاد جراء ذلك، وجراء إقامة بطولة كأس العالم للقارات مؤخرا تمهيدا للمونديال، معتبرين هذا التنظيم إهدارا للمال العام، في وقت كانت فيه هذه المبالغ كفيلة بتوفير البنيات التحتية وخلق مناصب للشغل بلادهم في حاجة ماسة إليها،هذه الاحتجاجات كانت بالحجم الذي دفع إلى  حد اعتذار رئيسة البرازيل  ديلما روسيف عن حضور مباراة نهائي بطولة كأس القارات التي تنظمها البرازيل بين منتخبي البرازيل واسبانيا، وهي العارفة بقيمة تواجدها في مثل هاته التظاهرات. في الوقت الذي قبلنا فيه يدي جوزيف بلاتر ظاهرها و باطنها من أجل تنظيم تظاهرة فاشلة استشهارا و إعلاميا بحجم كأس العالم للأندية ، تلك البطولة التي أكد العديدون مدى الخسارة التي سيجنيها المغرب من وراء تنظيمها ولنسختين متتاليتين، فهي ستكلف المغرب ما مجموعه 80 مليون دولار (70 مليار سنتيم)، في الوقت الذي يصل فيه  الدعم الحكومي للنسخة الواحدة 8 ملايير سنتيم.

فتصوروا معي أن حال كرة القدم في البرازيل مشابه لواقع كرة القدم في المغرب، كيف سيكون رد فعل الغاضبين إزاء ما تلتهمه هذه الرياضة من أموال دافعي الضرائب، إنه درس بليغ لمن شاء أن يستوعب أن كرة القدم مهما علا شانها فهي تبقى مجرد مجال للترفيه، ولا ترقى أن تكون لها الأولوية على حساب أرزاق و مستقبل المواطنين البسطاء، ومهما حاولنا من خلالها إلهاء الناس أو تأجيل تذمرهم، فإن الشمس لا تحجبها شباك المرمى.

2ـ جمهورية الفيفا :

      لقد تأكد بالملموس ودون أي شك أن أقوى دولة في العالم ليست أمريكا و لا روسيا و لا الصين ولا … بل إمبراطورية الفيفا و التي يرأسها السويسري جوزيف بلاتر الديكتاتور الذي له علاقات عامة من الطراز الأول ، فهو يقود قوة اقتصادية بأرباح لا متناهية، يدير شؤون كرة القدم كساحر في سيرك، وهو بالعديد من الوجوه يحسن تركيبها متى و حيثما شاء، بدون أعداء يقنع كل دولة أنه مؤيد لها ومعجب بمستوى كرة القدم فيها ، فيفعل الشيء نفسه مع الكل ، يستقبل كالملوك ، يوزع تنظيم بطولات الفيفا حسب هواه و مزاجه رغم تمثيلية الصناديق التي يمارسها بإتقان ، كما انه يتحكم في الشؤون الداخلية الكروية لأكثر من 200 دولة في العالم ، فيمنع  حكومة أي دولة من التدخل في شؤون الكرة داخلها والتي تنفق عليها ، وحتى لو ارتكبت جامعتها  تجاوزات أو مخالفات واضحة تسيء إلى القانون أو سمعة هذا البلد ، وهو ما لا تملكه الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، لقد تحولت سيطرة الفيفا على كرة القدم إلى سيطرة على الكرة الأرضية. فبعد كل المظاهرات التي شهدتها البرازيل بلاتر يقول : “أشكر كل الذين ساعدوا في إنجاح الدورة رغم الاحتجاجات والمظاهرات.”

3 ـ الوطنية…هي أن تعمل على أن تكون بلدك هي أفضل بلاد العالم :

     حقيقة لايمكن ان نقيس المواطنة بلعبة ككرة القدم، ولكن مشاهدة مباريات المنتخبات العالمية المشاركة في كاس القارات الأخيرة ،نجد اللاعبين ومنذ قراءة النشيد الوطني و تفاعلهم مع نتائج المباريات، وكذا الإصرار والعزيمة والروح القتالية والعمل الجماعي التي برهنوا عليها فوق العشب الأخضر ، فيظهرون ككومندو بفدائية عالية وقتالية كبيرة،هذا الأمر لاتخطئه العين لا بالنسبة للاعبي  البرازيل أو إسبانيا أو إيطاليا… ولا حتى تاهيتي المغمورة، فنجومية لاعبي هاته المنتخبات لم تحجب عنهم ماذا يمثل ان تلعب بقميص بلدك، ولم تدفعهم إلى رفض قرارات مدربيهم، مقابل لاعبينا الذين يلبون دعوات الناخب الوطني بالكثير من الغنج ، وإن حضروا حضروا أجسادا بلا روح وإن قارنت مستوياتهم في أنديتهم مع ما يقدمونه مع منتخب بلادهم دهلت ، فينهون مبارياتهم دون تعرق و لا حاجة للاستحمام.

       لقد أصبح لزاما علينا أن نعترف أننا نجحنا فعلا في إنتاج أناس منسوب المواطنة لديهم في اضمحلال مستمر، مقابل تنامي قيم الفردانية و الأنانية، إنه وضع أضحى لزاما علينا تقبله و محاولة التغلب عليه، فلا معنى لدولة أو كيان بدون مواطنين يعملون على أن يكون بلدهم أفضل من كل البلدان.

    إنه بعض مما لا تخطئه عين كل متتبع  لهذه التظاهرة الكروية العالمية وهناك غيره كثير، يفرض علينا الوقوف وقفة تأمل لحقيقة ما وصل إليها الكثيرون في شتى المجالات ومقارنته بالحد الذي وقفنا عنده ولأجيال. كما يفرض علينا أن نعلم علم اليقين أنه لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نفصل بين مستوياتنا الاقتصادية ،السياسية  ، الاجتماعية و التعليمية ووضع كرة القدم في بلادنا .

  أحمد إدناصر







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.