الخميس 25 أبريل 2024| آخر تحديث 8:16 02/12



اشتوكة :الواقع الخفي للعاملات بالضيعات الفلاحية …الجنس مقابل العمل

اشتوكة :الواقع الخفي للعاملات بالضيعات الفلاحية …الجنس مقابل العمل

الجنس مقابل الحق في العمل

بنبرة تعبر عن الخوف والحزن وبصوت منخفض يكاد لا يسمع، تروي عزيزة (اسم مستعار) 35 سنة ، مطلقة قادمة من مدينة خريبكة، فضلت في حديثها للمنصة عدم ذكر إسمها، مخافة الفضيحة، وتجنبا لمشاكل مع عائلتها، وفق ما عبرت عنه قبل أن تبدأ في سرد السيناريو الأليم الذي تعيشه يوميًا منذ أن ربطت علاقة غير شرعية مع “الكابران” وهو المسؤول عن توزيع المهام ومراقبة سير العمل؛ تقول عزيزة ” لم أذق طعم السعادة وراحة البال منذ أن تعرفت على الكابران ووثقت به، كنا نلتقي بمنزل بخميس أيت عميرة، كان يعدني بالزواج، لكن بعدما طالت العلاقة هكذا، علمت بأنه متزوج، طلبت منه تنفيذ وعده بالزواج، ففاجأني بصور تجمعني به، وأضحى يهددني إذا لم أرضخ لطلباته”، وأردفت في ارتباك “أنا خايفة منو بزاف، يقول إنه سيرسل الصور لإخوتي، ضحك عليا عقدني فحياتي، لست الضحية الوحيدة، فهناك عاملات يأتين من الموقف يلاقين نفس المصير، استطاع بخبثه أن يحصل على أرقام هواتف أفراد عائلتي، بالنسبة له كل عاملة راقته عليه أن يحصل على رقم هاتفها المتنقل شاءت أم كرهت”.

  جلست فاطمة وهي عاملة بضيعة من ضيعات شركة فلاحية بإقليم شتوكة أيت باها ، فوق كرسي بلاستيكي تطالعني بعينين تحكي قسوة السنوات التي قضتها في حياتها قبل أن ينطق لسانها بحرف، كان لون وجهها يوضح تعرضها للفحات الشمس الحارقة التي تشتغل تحت أشعتها مكرهة، هذه السيدة أفنت أجمل سنين عمرها وهي تعمل بجد لكسب لقمةً شريفةً تعيل بها أطفالها، تقول في تصريحها للمنصة بحرقة و ألم ” لاتؤخذ بعين الاعتبار سنوات الأقدمية في العمل، يتم نقلنا من ضيعة لأخرى حسب احتياجات العمل في كل ضيعة، مثلنا مثل المياومات؛ و الأدهى من ذلك أن ممثلتنا عوض أن تدافع عن حقوقنا أصبحت أول من يبيعها لتبقى الساعد الأيمن للكابران “.

أما حليمة وهي شابة متزوجة تعمل في ضيعة فلاحية أخرى تابعة للجماعة الترابية خميس أيت عميرة، التي تعتبر أكبر الجماعات استقطابا للاستثمارات الفلاحية، لما يفوق تسع سنوات، تقول ” عملية انتقاء العاملات تجرى بمعايير جديدة أهمها الجمال وحسن المظهر، وصغر السن والهيئة هي أهم الصفات المطلوبة في الراغبة بالعمل، ونتعرض يوميا للتحرش، وحينما ذهبت أشتكي للمسؤول عن الضيعة، مخبرة إياه بأن “هاد الكابران بغانا نحطو سراولنا” رد علي بأنه مختل عقليا وخير الجواب عليه هو السكوت” لم أقتنع بردة فعله غير المنصفة، فأضطررت لمواجهة المعني بالأمر شخصيا لإيقافه عند حده، فدخلت معه في نقاش حاد تبادلنا فيه السب والشتم أمام أعين باقي العاملات، الشيء الذي جعله ينتقم مني بتكليفي بأعمال تفوق طاقتي ” .

وبحثا عن شهادات أخرى توثق لمعاناة هذه الشريحة الضعيفة أمام سلطة المال، التقينا سميرة التي قضت 19 سنة من العمل بشركة فلاحية في المنطقة ذاتها، وروت لنا معاناتها بصوت يمزج بين الحزن والغضب ”  تحملنا خطورة المبيدات الكيماوية بدون لوازم وقائية.. صعدنا على أكثر من صندوق لجني الطماطم، اضطررنا ركوب الجرار للوصول إلى الضيعات وقبول مبالغ مالية زهيدة من أجل لقمة العيش، لأن دافعنا واحد هو الفقر والحاجة، لكن تبقى كرامتنا فوق كل اعتبار، تدخلت صديقتها حليمة  التي تعمل منذ  1996 بهذا القطاع حيث التحقت للعمل بهذه الشركة في سنة 2003 ” أثناء العمل يقوم الكابران بالتقاط  صور لنا ونحن في وضعيات مختلفة مثلا حينما ننحني لحمل الصناديق. في يوم من الأيام ثارت غرائزه وشهواته لممارسة الجنس ولم يعد يدرك أنه بفضاء العمل، فوجدته صدفة في وضعية مخلة للآداب رفقة عاملة استقدمها من الموقف، فأسرع بتغطية نفسه بسترته”.

 ثم انهينا مقابلاتنا التي أجريناها بصعوبة، بـ”ثورية” التي تعمل بضيعة تابعة لشركة فلاحية لما يزيد عن 4 سنوات، وتحكي في هذا السياق عن هذه الظاهرة التي تعيشها يوميا قائلة ” موضوع التحرش الجنسي متفشي كثيرا بالضيعات الفلاحية، فأغلبية “الشيفان” يتحرشون جنسيا بالعاملات خاصة المياومات منهن، واللائي يكن محل مساومة يصعب عليهن الاستمرار في العمل من دون الرضوخ لهذا الابتزاز، و في حالة رفضها تتهم بالسرقة وتطرد و إن أرادت أن تشتكي لرب العمل تمنع بدعوى أن هذا الأخير مشغول بأمور أهم” .

مواطنات من الدرجة الثانية …

يقول محمد أروين الكاتب العام للمكتب النقابي للكونفدرالية الديموقراطية للشغل ببيوكرى، وعامل بإحدى الشركات الفلاحية بإقليم شتوكة آيت باها المنتمي لجهة سوس ماسة غير بعيد عن مدينة أكادير ” الوضعية التي تعيشها العاملات بجهة سوس ماسة متردية منذ 2003، وتتجلى  في سوء ظروف نقل العمال والعاملات التي يذهب ضحيتها عدد كبير منهم سنويا، بالإضافة إلى أضرار استعمال المبيدات الكيماوية داخل البيوت المغطاة (لاصير)، في غياب وسائل الوقاية والسلامة وعدم توفر المرافق الصحية و الماء الصالح للشرب… والأخطر من هذا وذاك الاستغلال والتحرش الجنسي الذي تتعرض له العاملات”.

وأضاف في التصريح ذاته أن “حالات مليكة وعزيزة وسميرة وغيرهن من العاملات هي من بين عشرات إن لم نقل مئات الحالات التي تتعرض للاستغلال الجنسي والابتزاز ومنهن من مرضن نفسانيا، وقدمنا شكايات بإسم العاملات لأرباب الشركات لكن لم نصل للحلول إلى اليوم “.

وتابع محمد آروين حديثه قائلا هذا السلوك له تفسير واحد هو أن أرباب العمل يريدون التخلص من العاملات الرسميات بأي ثمن، لأنهن يثقلن كاهل الشركات الفلاحية بمبالغ طائلة تدفع لصندوق الضمان الاجتماعي، وهذا ما يفسر علمهم بما يقع بالضيعات من تعسفات ومعاكسات وتحرش وعدم تحركهم لردع المتحرش “؛ واستمر قائلا “نعيش مع العاملات هذا الواقع المرير، لا نستثني شركة فلاحية دون أخرى أو ضيعة دون أخرى، بل كل العاملات الفلاحيات المياومات خاصة اللواتي يتم اختيارهن من الموقف يعانين من التحرش الجنسي، حيث يتم انتقاؤهن من الموقف حسب معايير يحددها الكابران – زوينة كيعزلها تخدم – نحن نقابيون ونتجرع من نفس الكأس فما بالك بالقطاعات غير المهيكلة”.

وتابع موضحا “منذ أن أسسنا النقابة و نحن نعيش تعسفات كثيرة… دعيني أقول إننا ننتزع حقوقنا ولا نشتريها – احنا عايشين بشوية د الكرامة – فقد ضقنا ذرعا و لم نعد نخشى فالأسوء نعيشه ولأننا لا نقول إلا الحق ولا نشهد إلا بالواقع “؛ واستطرد وقد تغيرت تقاسيم وجهه غاضبا ” يتم نقلنا بواسطة الجرار لمسافة تزيد عن 15 كلم رجالا ونساء، حيث تلتصق الأجساد ببعضها البعض،  الازدحام يكاد يخنق الأنفاس ولا وجود لشيء إسمه الحياء أو حشومة أثناء الكلام، فيديوهات إباحية ومكالمات تخل بالحياء  صادرة عن المسؤول عينته الشركة و أوكلت له مهمة مراقبة سير العمل وهو نفسه من يعرقل هذا العمل “.

في الإطار ذاته قال إبراهيم ويعزان مندوب العمال بالمنطقة في حديثه للمنصة ” في حالة وجود شكاية شفوية من إحدى العاملات بخصوص التحرش،  فإننا نجلس إلى طاولة الحوار مع ممثلي الشركة لإيجاد الحل، هذا موضوع شائك لا يمكن حله بسهولة، بحيث يحتاج توعية وتحسيس العاملات، فالمشكل يكمن في صعوبة تحديد وسائل الإثباب، و بالنسبة للشركة التي نعمل بها يبقى التحرش أمرا مشكوكا فيه، وإن حصل الأمر فسيأخذ على محمل الجد، وممكن أن نتحدث عن وجوده بالضيعات الفلاحية الصغرى غير المهيكلة”.

  وبحسب العديد من التصريحات التي استقيناها بمقر مكتب الكونفدرالية الديموقراطية للشغل ببويكرى، فإن الحصول على العمل والاستمرار فيه ، يستوجب قبول العاملات بالسلوكات غير الأخلاقية للكابران ورب العمل، منتهزين الغياب التام لزيارات مفتش الشغل، بحيث إن المشرفين في هذه الضيعات كثيرا ما يجبرون الفتيات إما للانصياع لرغباتهم الجنسية أو الطرد، أو تلفيق تهم كالسرقة، يختارون الفتيات الجميلات كي يقمن بدور العاملة الجنسية بدل الفلاحية.

عندما تضعف سلطة القانون و يكون المجتمع ذكوريا …تستمر المعاناة

 ظاهرة  التحرش الجنسي، وحسب إفادات العاملات بالضيعات ، تتلون مظاهرها بين التحرش الشفهي من إطلاق النكات والتعليقات المشينة، والتلميحات الجسدية ، والإلحاح في طلب لقاء، وطرح أسئلة جنسية، و نظرات موحية إلى ذلك، ثم تتصاعد حتى تصل إلى تحرش جسدي باللمس والتحسس والقرص. وهذا يشكل نوعا صارخا من إهانة المرأة وإذلالها .

 وحول الأسباب التي تجعل  ظاهرة التحرش الجنسي ضد النساء تتفاقم في المغرب، تقول فلكي خديجة، ناشطة حقوقية و فاعلة جمعوية مهتمة بقضايا المرأة ” قبل الخوض في الظاهرة ، سأعطيك تعريفا بسيطا و مبسطا عن التحرش الجنسي، هو  كل الأفعال و الأقوال و الإشارات ذات طبيعة جنسية تحرض أو تطلب الجنس داخل فضاءات العمل  أو الفضاءات العامة ، هو عنف يسلط على المرأة ، يكثر في صفوف الأميات وذوات المستويات الدنيا من التعليم ، مثلا النساء  بالمعامل و بالضيعات الفلاحية …حدث و لا حرج “.

تردف فلكي موضحة ” إن ظاهرة التحرش الجنسي قضية “مسكوت عنها” في مجتمعاتنا الذكورية نظرا لحساسية هذه القضية خاصة بجهة سوس ماسة التي تختلف من حيث الأعراف والتقاليد والثقافة السائدة بها. لقد تعرضنا في مسارنا كجمعويين و حقوقيين إلى ضغوطات كثيرة من لوبيات شرسة حينما كنا نتبنى قضية الأمهات العازبات ، ومنعنا غير ما مرة من الوصول إلى العاملات المتضررات وتوعيتهن… إن كان هناك غول سيلتهم البلاد يجب أن يحارب، هذا دور الحقوقيين والنقابات والإعلاميين و المؤسسات التشريعية و غيرها  “.

وزادت الحقوقية موضحة ” إذا كانت  لغة الإحصائيات ، والأرقام هي المؤثرة في قناعة معظم الناس، فاليوم نحن أمام أرقام مخيفة توضح مدى استفحال هذه الظاهرة، وعلى سبيل المثال الدراسة التي أنجزتها المندوبية السامية للتخطيط “، فحسب النتائج الأولية للبحث الوطني الثاني، الذي قامت به المندوبية حول انتشار العنف ضد النساء على صعيد جميع جهات المملكة خلال الفترة الممتدة بين فبراير ويوليوز 2019، كشف عن معدل انتشار العنف ضد المرأة بنسبة 58% في الوسط الحضري (5,1 مليون امرأة) و55% في الوسط القروي (2,5 مليون امرأة).

  و تتابع حديثها ” في عملنا داخل منظمة المرأة الاستقلالية ،  نقوم بحملات توعوية و تحسيسية للنساء ، لأن قلة الوعي بالحقوق و الواجبات في ارتباطها  بالظروف الاجتماعية الهشة و ارتفاع مستويات الأمية ولد مجموعة من المشاكل أخطرها الأمراض المنقولة جنسيا كالسيدا و الولادات غير الشرعية و التحرش الجنسي بالرضا أو بدونه . نافل القول أن المشكل  مجتمعي و مؤسساتي و أخلاقي بامتياز و مادام مجتمعنا ذكوريا ، فنظرته للمرأة ستبقى دونية و تشيئية و الدين برئ من ذلك . بالتالي يجب إعادة النظر في المنظومة التربوية و في المقررات الدراسية و التربية على المناصفة و حقوق الإنسان و تكافؤ الفرص. يلزمنا الوعي بالأساس لأن  المرأة الواعية ستربي ابنها على تقدير و احترام كيان المرأة داخل البيت ، بالعمل و بالشارع “.

تعتبر التحرشات والاستغلال الجنسي من قِبل أرباب العمل والمسؤولين عنه في أماكن معزولة داخل الضيعات الفلاحية، من الأمور التي يصعب فيها إثبات واقعة التحرش، في ظلّ فراغ قانوني، فقد نص القانون الجديد على عقوبات تتراوح من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2000 إلى 10 آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أمعن في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية أو غيرها، بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية. لكن بالرغم من العقوبات التي نص عليها القانون الجديد، يبقى في نظر الأستاذة فلكي خديجة لا يكفي لحماية المرأة المتحرش بها فهي حينما تقرر كسر حاجز الصمت و تقدم شكوى أمام القضاء تتحول من مظلومة إلا متهمة بالفساد ، لأنها لا تجد وسائل الإثبات للأسف الشديد. فإشكالية الإثبات هنا تبقى عائقا كبيرا أمام الكثير من الضحايا ، فمعرفة الشخص المتحرش وإثبات الواقعة بحجج ملموسة هي مساطر يجب على المرأة المرور بها، مما يجعل إمكانية الإثبات معقدة أو مستحيلة . وإذا أضفنا نظرة مجتمعنا للتحرش الجنسي بأنه شيء عادي ومسلم من المسلمات ، و أن المرأة هي من يسعى لفعل التحرش ، فستبقى مسألة تفعيله عسيرة .

   وإذا كان اعتبار الكشف عن الواقع الخفي هو أول الخطوات الإيجابية نحو تغييره، فالمفروض في قطاع كقطاع الفلاحة ، الذي لا يخضع لنظام ضريبي، أن يعيد النظر في التدابير والآليات التي يتعامل بها مع فئة العاملات، عليه أن يأخذ بعين الاعتبار ضرورة حفظ كرامتهن كمواطنات مغربيات، وتوفير الحماية القانونية والاجتماعية لهن لكي لا يتحولن الى أداة للمتعة الجنسية بيد أرباب العمل بالنهار وعاهرات بالليل.

عن جريدة المنصة

حنان قريشي







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.