الجمعة 29 مارس 2024| آخر تحديث 10:31 03/08



مولاي عبد الكبير.. نبتة من ترب الشعر والحب والجمال

مولاي عبد الكبير.. نبتة من ترب الشعر والحب والجمال
“حين تُسأل من أنت ؟ يمكنك أن تقدم وثائقك و هويتك التي توجد فيها كل المعطيات الأساسية .. وإذا ماسُئل شعب من يكون؟ فالشعب يشير إلى العالم، الكاتب، الفنان، المؤلف الموسيقي ، رجل السياسة، القائد الذي أنجبه، ويعد كلاً منهم وثيقة تدل عليه”-رسول حمزتوف- “.
………
ولد مولاي عبد الكبير سنة 1966 بقرية إغيل إيبركاك، قبيلة آيت عبلا. دائرة إغرم، تارودانت. وهذه القبائل ( آيت عبلا، إسافن، إغرم، وعوم قبائل مدينتي تارودانت وطاطا) تنتمي لجغرافيا الشعر الأمازيغي منذ زمن مضى، حيث تشهد مواسمها وأعراسها مساجلات بين كبار الشعراء، تصنع الفرجة، وتنير الجمهور، وتفضح الفساد المستشري في ثنايا المجتمع بلغة الرمز والإيحاء، وتصور الواقع وتنتقده وتساهم في الرقي بطريقة سلسة.
كما أنها موطن الكرم، والبساطة، ومقاومة الاحتلال الفرنسي، فإلى هذه البقعة الطيبة ينتمي “عبد الله زكور”، صاحب الكلمة الخالدة حين ألقي القبض عليه مجردا من سلاحه:
” إتما السلاح إتما ووال” أي: انتهى/ سلب منا السلاح فانتهى الكلام، إشارة منه إلى أن الكلام يكتسب قيمته حين تتعادل القوى، فيترجح حق التعامل بالمثل، أما حين تعلو ثنائية المغلوب والغالب، فلا تملك الأسود – وهو أحدهم- إلا السكوت…
اشتهر المرحوم في ساحة أسايس، أكثر ما اشتهر في الإخراج الغنائي، رغم أن له يد إبداع ومساهمة في مجموعة أرشاش العريقة، وله أشرطة خاصة به، كما شارك مع الفنان المحبوب “مولاي إبراهيم إسكران” في بعض الأعمال الفنية لمجموعة إبركاك التي أنشأها الأخير وسجل فيها بعض أعماله الخاصة به. وهو أحد الأعضاء المؤسسين لمجموعة أرشاش كذلك.
كما شارك مع الفنان المطرب الحسين وخاش – أحد أعضاء أرشاش- في عمل فني لهما.
كما يعتبر شعره امتدادا لشعراء أسايس القدامى، والذي يغلب فيه إحياء القيم وتنميتها..، قيم المال والحب والوفاء والرضى بالقدر، مع عشق الطبيعة والقرية، وقساوة العيش بها، وظاهرة الهجرة للمدينة والاغتراب المادي والمعنوي، القسري والإرادي، مع شعر الدعابة والسجال الرشيق للتنشيط والإثارة..
ومن ذلك، ما قاله في قصيدة “نلا غوزواك..” التي نجتزئ بعض أبياتها:
“darnh anra agit ngawr issas orofih…
imik ntkida ligit ghir wassif…
ifkayass laman nrbi oratnt awin…
lo9t nonzar igign kasol itilin..
nili ghlkhrif kra d i drn ar ntrfofon…
nkrz ardah nssagh ilkhalayi9 alim..
okan inkr bda ginh imal arimal..
ngn rjano ghrbi ornssol or nmot…”
وفكرة القصيدة تصوير أزواك/ الهجرة والاغترابـ ليس هروبا من قتل أو سرقة أو خطر مادي محدق أو شبههما، بل لشظف العيش ومشقة الكسب تحديدا كناية على الارتباط الوثيق بالأرض والهوية والمجال..، وفي المقابل، لا ينسى التعلق بالأمل في الله، والقدرة على المواصلة..
كما تألم في آخر أعماله على حال الأغنية/ الشعر الأمازيغيين، وأشار وإن بشكل غير مباشر في دخولهما عالم الفوضى والرداءة، وفي هذا المضمار يقول:
“ah atalghat igorad yan zmani..
kolmaynan awal safi ighzani.. “
وفي الموضوع ذاته، يعيد ويؤكد:
” manitkit aymlmad simorig..
nta ira idbabnss..
kyi trit tm3..
madifka rbi dofran ola akoz..
mnass nimndi kadyagorn ghssa3..”
وشاعرنا له بصمته الخاصة في الميدان، فليس مجرد نسخة مكررة، بل هو ابن أسرة شاعرة، وذو لمسة جمالية فنية خلاقة – فأبدع في الألحان الخاصة به والتي يصعب أن يجاريه فيها غيره، وأبدع في الألحان والمقامات الصوتية، وتميز في هذا تميزا فريدا، ولهذا بدا فضل جهده وأعماله جلية في منوج مجموعة “أرشاش”، بتلاوينها المختلفة.
كما أبدع في النفس الطويل الذي قل أهله في شعر “أسايس”، وهو المعروف بشعر المقطوعات القصيرة. وهي ميزة صارت له ملكة فيما بعد، بسبب الاشتغال على سبك القصائد ولحنها، سواء فيما اشترك فيه مع شعراء مجموعة “أرشاش”، وأخص بالذكر: “علي شوهاد”، و”ابرهيم اسكران”، أو ما نشره منفردا باسمه ..
وتميز -رحمه الله- بالتواضع، والحب المتبادل مع الجميع، ف”عبد الكبير” يشهد له من عاشره بالتواضع والنبل، ويكفي الإشارة إلى أن التشرذم -الذي نتأسف عليه- إنما ظهر في مجموعة “أرشاش” بعد موته، ما يعني أن له يد صلح ووساطة بين أعضائها الكرام في فترة حياته، وأن كلمته وجاهه مقبول عند الجميع، ولكنه في الآن ذاته لا يتوانى في قول الحق حينما يتطلب المقام كذلك:
– ” ahan ora nzmz iy yan orass ofigh…
mach ornhmil tnz ighrat issalayan”
صرخ شاعرنا محددا مبدأه وتوجهه العام فيما ذهب إليه، وهو السياحة ونظم الشعر، والترفع عن المباهاة والمفاخرة والاستعراض المادي الذي أنهك المجتمع:
“ajatakh dlhawa domarg..
asrs ntdawa tigasnh..
ima ghaydaran midn snkhti ..
ayak ass nso9 n3mrtn..
akoyan mayssagh isntn.. “
والتحق -رحمه الله- بالرفيق الأعلى سنة 2006، وبكته إثرها ليالي “إبركاك” و”إسافن”، وبكته القصائد الموزونة، والقوافي الرنانة، والمعاني الأصيلة، والألحان الشجية، وصار شعر “أسايس” يشكو بعض الهجران..
أملنا أن تكون الكلمات أعلاه صرخة في ذكرى وفاة هذا الشاعر الكبير، تتلقفها أيدي الغيورين على التراث، والقائمين على الإعلام، بهدف التثمين والتوثيق، وتسليط الضوء على ما خفي من ذاكرتنا المشتركة..
وإذ استعرضنا أمامكم بعض ملامح النبوغ في تراثنا الأصيل، نود أن نستغل هذا المنبر لننوه بالعمل الرائع الذي أنجزته القناة الثامنة عن الكبير، فيلسوف النظم: محمد ألبنسير” في ذكرى تأسيسها، ليظل نقطة ضوء تحسب لأصحاب الفكرة والإنتاج بهذه المؤسسة، وفي طليعتهم الإعلامي المتألق “عبد الله بوشطارت”..
بقلم: حسن أهضار وأحمد ادصالح






تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.