الإثنين 13 مايو 2024| آخر تحديث 6:56 08/11



ساركوزي و المخزن و أُمْ السْوَالَفْ !

 

Rachid Cherriet

“لا نريد الإسلام بفرنسا، و لكن نريد إسلاما فرنسيا” ! العبارة و بالحرف لازمة رددها ساركوزي المنتهية ولايته، اللاهث بلا كلل و لا ملل نحو ولاية ثانية؟ قبل بضعة أيام أون لاين في برنامج على للقناة الثانية الفرنسية الثانية. فلا يوجد رئيس فرنسي نال و ضيق و أبلى البلاء السيئ في التضييق على الإسلام و المسلمين و الجالية المغاربية تحديدا؛ مثل ما فعله سالف الذكر. لدرجة أنه لم يترك مساحة واسعة لابنة لوبن لكي تبرهن على أريحيتها و حبها الشديد للمهاجرين! فهل يستطيع ساركوزي أن يقف على قدم المساواة ويقول لا نريد يهودية أو نصرانية أو وثنية بفرنسا، و لكن نريد يهودية فرنسية؛ و نصرانية فرنسية؛ و بوذية فرنسا؛ وثنية فرنسية؟طبعا أنه لن يستطيع و أنى له! فلماذا هذا التحامل الشديد على الإسلام دون باقي المعتقدات طالما الدولة الفرنسية ترفع شعار اللائكية؟ و لماذا التركيز على المواطنين الفرنسيين من أصول مغاربية دون غيرهم من الأصول؟ علما أن مصائب فرنسا مع مهاجري أوروبا الشرقية تفوق و بكثير متاعبها مع الجالية المغاربية مجتمعة!

حب مُوسْيُو ساركوزي للإسلام و للمسلمين عبر القارات؛ و أظنه سباحة على البطن! ليحل عندنا هنا بالمغرب، فمثلا و منذ تقريبا بداية سنة 2012 خرجت السفارة الفرنسية بقرار غريب و رهيب و مستفز للإسلام و المسلمين، يطلب من طالبات التأشيرة و اللاتي في غالبيتهن أمهات و أزواج المهاجرين المغاربة بأن يقدم صورا ليس فيها رائحة للحجاب؟ يعني الحجاب و الفيزا لا يلتقيان و بينهما برزخ لا يبغيان؟ و إلا مَا بْغَاشْ عَنُّو مَا خَذْهَا! يحدث  هذا في أرضنا؟1 ما جعل بعض الحاذقين و “القَافِزينَ” من المصورين يقدمون خدمة سنطلق عليها :خدمة تَصْوِيرَة فِيزَا حلال! حيث عمدوا إلى تعليق فتوى تبيح استعمال الباروكة أو البيريك توضع فوق الحجاب، و هكذا تصبح الحاجة الباتول و خالتي طامو، بالسَّالَفْ و السْوَالَفْ و تقول عليهم غير نُونْجَة مُولاَتْ السَّوَالَفْ؟ و لا أعرف هل هناك فتوى فوتوشوب حلال؟

و بالواضح فالتخلي عن الحجاب و بتلك الطريقة المذلة هو أحد شروط البيعة الساركوزية! فلم يسبق لرئيس فرنسي من اليمين أو اليسار أن تفتقت عبقريته العابرة للقارات في إذلال طالبي التأشيرة من المغاربة مثلما تلذذ بها سالف الذكر؟ أما عن التجمع العائلي و الأسري فلا تسأل عن العراقيل المعرقلة؟ و هنا، أستفتي فضيلة الدكتور السيد وزيرة الخارجية سعد الدين العثماني خريج دار الحديث الحسنية، و سليل العائلة السوسية المختارية العريقة في العلم؛ و الحامل لعدد من الإجازات في العلوم الشرعية: ما حكم طالبة الفيزا إذا فرض عليها السفور و نزع الحجاب الذي هو شرع الله؟ فهل هذا الفعل مباح تفرضه الضرورات الساركوزية أم غير مباح؟ و هل يقع الإثم على المواطنة المسملة المغربية فقط؟ أم تتحمل دولتها المسلمة و أركز على المسلمة مشاركتها في الإثم ؟و جزاكم الله خيرا. أما من الناحية الدبلوماسية و السيادية فماذا تقول الدولة المغربية في إذلال مواطنات ذنبهن الوحيد أنهم يحملون قطعة قماش فوق رؤوسهن؟ ألا تعد هذه الإجراءات إهانة للمواطنات المغاربة و مسا بكرامتهن الآدمية و نيلا من دينهم نيلا مباشرا؟

و لنفرض مثلا مثلا بأن الدولة المغرب عاملت فرنسا أو أي دولة أخرى معاملة سيادية، و هو ما يعرف بالمعاملة بالمثل، فإذا فرضت عليك دولة تأشيرة تفرضها عليها ردا على تصرفها الكريم؛ و لا تهم التأشيرة بقدر ما تهم كرامة الدولة نفسها, و لعل الجميع يعلم بأن دولة حبيبة و شقيقة مثل مصر “المُلَخْبَطَة ” تعتمد اعتمادا يكاد يكون مطلقا على القطاع السياحي، و مع ذلك تطبق هذا المبدأ في عمومه، ولم يحدث أن تضررت سياحتها! صحيح أن الحصول على تأشيرة دخول الأراضي المصرية يعد عمل بيروقراطي، و نزهة إدارية لا تكلف الواحد إلا بضع دقائق، على رأسها دفع الرسوم بحيث أن كل الوافدين على مصر يحصلون عليها بنسبة 100% ما يجعلها مجرد تأشيرة على الورق لا غير،و مسألة أسهل من عملية حجز غرفة بأحد الفنادق المطلة على النيل.و مع ذلك تبقى رمزية التأشيرة كرمز للسيادة و من حق أي دولة أن تعلنها، “مَاشِي غِيرْ ادْخَلْ أمْبَارَكْ بَحْمَارِكْ”.

أما إذا أردنا أن نضرب المثل على الأنفة الوطنية و العنترية و  “النْفَاخَة الخَاوْيَة” فلا شك أن الشقيقة الجزائر أفضل مثال على هذا، لدرجة أنها تفرض التأشيرة على العم سام نفسه؟

بل إن الصين قد أصرت بجلالة قدرها على الدولة الجزائرية السنة الماضية بغية الرفع من حصتها في التأشيرات الممنوحة للمواطنين الصينيين! سيما بعد الغزو الصيني أو غزو يأجوج و مأجوج  إلى الجزائر و إفريقيا عموما. و منذ أزيد من عقد من الزمن تدخلت السلطات الجزائرية بقوة من أجل حماية كرامة مواطنيها من عنجهية سفارة مُوسْيُو سُوكَانْ مول العنزة الشهيرة، بحيث كان يتكدس المئات من الجزائريين طالبي التأشيرة على أبواب القنصليات الفرنسية بالجزائر في طوابير طويلة ؟ما اعتبرته الدولة الجزائرية إهانة للمواطنين، ففرضت على القنصليات أن توسع من قاعات الانتظار و بأن يتكدس المواطنون بالداخل عوض الخارج! مع توفير الشروط الدنيا للمعاملة الإنسانية, الشيء الذي فعلته السفارة الفرنسية. لأنها تعلم جيدا بأن” الخَاوَة غَضْبَتُهُمْ وَاعْرَة و 10 في اعْقَل” ! أضف مع العلم  أن كرم مُوسْيُو سُوكَانْ في منح التأشيرة للجزائريين يفوق مئات أو حتى ألاف المرات كرمهم اتجاه المغرب الشقيق؟

فما ذا سيحدث لو مثلا ألزمنا_ مثلما ألزموننا_ على الفرنسيات شيء مماثل قبل دخولهن المغرب من قبيل لباس محتشم ؟ علما أنه و منذ أيام فرضت إحدى المقاطعات الإيطاليات الشقراء على المواطنات الالتزام بلباس الحشمة؛ بل و فرض غرامات قدرها 75 أورو!  طبعا لو حدث عندنا مثل هذا لكانت الدنيا ستقام و لا تقعد! و كنا سننعت بأقصى النعوت؟ ياسلام تفسيخ و تعرية أمهاتنا و أخواتنا و زوجاتنا حلال عليهم، و لا يعد مس بالحرية الشخصية و المعتقد؛ و مَا شِي مُشْكِلْ ! بينما ستر عورات الأخوات الفرنجيات الفرنسيات و المعاملة بالمثل تخلف ؟ و لا نذهب بعيدا؛ فماذا يحدث لو مثلا علقنا يافطة على بعض الشواطئ المغربية التي يرتدنها السائحات الفاتنات الفرنسيات و يزلن كل ملابسهن الداخلية قبل الخارجية من أجل حمام شمس طبيعي “و على عِينِيكْ أبَنْ عَدِّي”، و يكتب على اليافطة يمنع التعري المطلق، أما التعري الطبيعي 2بييس و البيكيني فالحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه فبعض مواطناتنا الصالحات الحافظات لما يجب أن لا يحفظ لا يتورعن في ذلك، و يوفرن اكتفاء ذاتي للمغرب يجعلنا في غنى عن الاستيراد من الخارج، ما يجعل اليافطة لا تُضَيِّق أصلا على “البيكيني” بل بما هو أقل من البكيني يعني فئة مُتَبَحِّرَة “لابسة من غير هدوم”. طبعا كانت ستقام ضجة و رجة و مناحة و مندبة عظمى، و كنا سنتهم بطَلْبَنَةْ المغرب! و تهريب السياح و معهم العملة الصعبة لا بارك الله فيها إذا كانت على حساب كرامتنا! فما العمل يا تُرى؟ هل نرضي الله تعالى، و نصون كرامتنا أم نرضي مُوسْيُو سُوكَانْ؟

عندما تقارن ساركوزي بمن سبقه من الرؤساء الفرنسيين على المستوى الفرنسي تجد أن هناك انحدارا رهيبا تعرفه فرنسا! و بشهادة أهلها، بل إن عددا من المحللين الفرنجة يعتبرون فرنسا في عهد ساركوزي مملكة مقنعة ! لدرجة أنهم يتندرون على أن فرنسا بأنها أمست الجمهورية الملكية عكس بريطانيا المملكة الجمهورية! و للعلم فهذا ليس رأي خصوم ساركوزي السياسيين بل رأي المحللين و المتابعين من الفرنجة غير الفرنسيين، لأن “ساركوزي” قام بعملية شبه تأميم للإعلام و احتكار له غير مسبوقة؟2

فلا وجه للمقارنة بين رئيس سابق مثل فرنسوا ميتيران الرئيس المثقف؛ و رجل الدولة المحنك و السياسي المناضل و القامة الشامخة، و بين خلفه! أو بين جاك شيراك الذي هو أقل مستوى و ثقافة و كاريزمية من ميتران، و لكن يبقى نموذج لرئيس الدولة المتزن. لقد ذهب جان لوك ميلونشون في برنامجه الانتخابي إلى المطالبة بالجمهورية السادسة !لأن الخامسة قد احتضرت على يدي ساركوزي الذي حولها إلى سياسة شؤون العائلة، فالشؤون الشخصية و العائلية للرئيس طفت بشكل غير مسبوق! بدءا من طلاقه من سيسيليا؛ و علاقته بعارضة الأزياء كارلا، ثم زواجه منها، و محاولة تنصيب ابنه البالغ من العمر 23 سنة المتعثر دراسيا على رأس أكبر تجمع اقتصادي في أوروبا لأنه فقط ابن الرئيس؟ هذا المنحى أخذ حيزا ضخما من الحياة السياسية الفرنسية سيما و أن سالف الذكر مهووس بالظهور الإعلامي، فلا يترك شاردة و لا واردة إلا و اغتنمها فرصة للإدلاء بتصريح.

ناهيك عن تصرفاته التي تتنافى مع موقعه كرئيس لدولة متقدمة، و يكفي أن تعلق المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل التي لا يتورع سالف الذكر في تقبيلها قبلات حارة لا علاقة لها بالبروتوكول السياسي!  بأنها وجدت صعوبة في التأقلم مع تصرفاته لدرجة أن مستشاريها نصحوها في الأول بأنه أقرب نموذج لشخصية سالف الذكر هو الممثل الكوميدي الفرنسي الرائد لوي دو فينيس، ناصحين إياها بضرورة مشاهدة أفلامه، مع حفظ الفارق! و هذه حقيقة و ليست مجرد سخرية أو مجاز إعلامي، بل معطيات رسمية كشفها عنها وثائقي أنتجته القناة الفرنسية_ ألمانية أ ر تي 3 ؛ جمعت فيها آراء 18 من ألمع الصحفيين و المحللين المتخصصين في الشأن الفرنسي من الصحفيين المراسلين الأجانب المقيمين بفرنسا، بعنوان نيكولا ساركوزي بورتري لمجهول؟

و إذا كانت تطلعات المواطنات المغربيات المحجبات في واد، فإن مخاوف المخزن في واد آخر، إذ بالنسبة له سالف الذكر و على علته أفضل من المرشح فرنسوا هولاند! على اعتبار أنه و منذ عهد العهد القديم و دخول العهد الجديد و فرنسا يحكمها اليمين القريب تاريخيا من المخزن. عكس اليسار الذي مهما قيل فإن المخزن لا يجد راحته كثيرا مع رئيس فرنسي من اليسار! على الرغم من أن السياسة العامة الفرنسية لن تتغير بوصول رئيس من اليمين أو اليسار. و لكن بعضا من قومنا عندما يكون الرئيس من اليمين يشعرون و هم يتجولون بباريس الساحرة بأنهم: ” ابْحَالْ فِي دَارْهُم” 4.

“إِيوِا الله يْدِيمْ الخَاوَة بيِنَاتْهُمْ، غِيرْ يْخَلِيوْ علينا الحجاب اتْرُونْكِيلْ،  فكل ما يهمنا نحن المغاربة أن لا تهان ما تبقى من كرامة المواطنات المغربيات و على أرض المغرب، و أن يعاملن معاملة بشرية إنسانية و لا يطلب منهن نزع حجابهن حتى ينلن تأشيرة الدخول للأراضي الفرنسية. و نحن لا نطالب ب: وامعتصماه!و بل فقط واعورتاه! وا حجباه!و كرمتاه!و صورتاه!

فهل من مجيب؟ اللهم قد بلغت.

اللهم أذل من أذل المغاربة