الجمعة 26 أبريل 2024| آخر تحديث 4:04 01/26



الجريمة “البوليسية”

الجريمة “البوليسية”

الجريمة ظاهرة عالمية تشترك فيها المجتمعات البشرية كنتيجة تطورية للبنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية سواء بالسلب او الايجاب ,كما تختلف طبائع الاجرام حسب الدوافع منها ماهو سيكولوجي وما هو بنيوي اجتماعي صرف متراكم في الذهنيات ومترابط تكاد عقده لا تنفرط .
الجريمة شيئ منبوذ تكرهه الطبيعة البشرية عموما ,ففي المجتمعات  القديمة كانت الجرائم ترتكب باسم الدفاع والعدوانية ,وبالمقابل كانت وسائل الردع والمكافحة قاسية مما تتسم به من انتقام وثأر بدل الاصلاح حيث تشمل العقوبة أفراد الجاني وقبيلته… (بدل القانون وشخصية العقوبة ) , في جو مشحون بالضغائن وغياب للعدالة وميزانها الضابط للفاعل والمفعول .
ففي خضم هذا المعطى, ونحن نتتبع السياق العام لتطورات ملف ما يعرف ب “شبكةالنصب والابتزاز ”  لوحظ اننا نعيش تحديثا على مستوى البنيات وبعيدين عن الحداثة في كل ابعادها , ففي الوقت الذي يلوح فيه الجميع بالهدوئ و”المحافظة” كوسام وسمات تتربع على عرش المدينة منذ ردح من الزمن , يظهر اننا نعيش سياق التطورات لاول وهلة نظرا لردود الافعال وردود الاقوال والتحمس الى “الانتقام”  في “مجرمين بحكم القانون”  .
فعلا  القانون هو المحدد لطبيعة الجريمة وعقوبتها ومسطرة تنفيذها , ولا علاقة له بالمحددات الانفعالية.وهيجان” الجمهور” المتضرر والمتضامن  للاخذ بالثأر والانتقام ,بلا لجوء وتحكيم يبين حكمة العدالة وترسيخ لمواطنة قادرة  على بناء ثقافة دفع الضرر والاحتجاج القانوني .
طبعا كلنا ندين ما ارتكب في حق اي” مواطن” وفي حق الوطن ولا نبغي أن تستغل” السلطة” من أجل مأرب منبوذة قانونا ومتعارضة و الصالح العمومي , لان فيه الاساءة الى كلا الطرفين ,وضرب في المصداقية,الا أن لسؤال المطروح ,لماذا توحد الرأي في هذه القضية دون غيرها.؟ ربما سأحاول ان اجد الخيط الرابط في علاقة “المواطنين”بالسلطة (الاجهزة الامنية) وعلاقتهم بالمحافظة.
علاقة “المواطن ” التزنيتي بالسلطة والمغربي عموما  هي علاقة قائمة علئ السيادة المطلقة وهي جزء من الكل ,هو صراع تاريخي صراع كله عقد تنتفي فيه روح المواطنة هي روح عدائية لما يجسده من قوة وجبروت في المخيال الجمعي , وهذا تصور جزئي ليس بمنأئ عن التصور الكلي حيث الاشكالات تعالج بالمقاربة الامنية بدل المقاربة الشمولية التنموية ,لذلك يرى “المواطن ” أن السلطة هو ما يجب خشيته ولو كان باطلا وهذا ليس حكما في  عموميته فمنهم المخلصون الساهرون ومنهم ما دون ذلك ,حيث أن المنطقي هو قوة العلاقة القائمة على الحق والقانون ,العلاقة المبنية على المواطنة ,على خدمة المواطن والسهر على راحته وزوجه وماله …
ما أحدث قطيعة عن التصورات المحمولة أن يجد” المواطن” “رجالا صدقوا”يبتزونه ويستغفلونه ويستبلدونه ,فيمن كانوا حاميه هو وأهله وماله…مما يعيد طرح مسألة الثقة وفي الان ذاته واجبات وحقوق المواطنين ومسألة الجرأة في كسر حاجز الخوف من انتزاع الحق بالقانون لابالثأر ,مما يزيد العلاقة تأزما في وضع تحتاج فيه الى الترويض واعادة بناء علائق متينة .
ولعل الذهنيات السائدة فيمن تخدم المحافظة مصالحهم كمعطى يتداخل فيه العديد من الانساق: التقاليد بالديني والثقاقة والعادات وهو أمر محمود ولكنه لا يستجيب الى التطلعات للتدرع به واستغفال العوام من الناس من أجل الركود والجمود والاستبخاس ,وما كره القطيعة مع الماضي الا من تجليات اعادة وترسيخ العقليات المحبة للاستسلام والدروشة بمعناه البليد.
هنا المحافظة بالشكل الواعي المنتج والمتطور في علائق منسجمة مع طبيعة “المواطن التزنتي “خصوصا والمغربي عموما  واعيا مدركا لواجبه وحقه , أما أن يكون محافظا وكفى بلا ثقافة احتجاجية , فما عليه الا أن ينتظر أن الذين يحرسون معبده قد يسرقونه في يوم ما ويلوثونه,ولا يشير اليهم بأصابع الاتهام خشية سطوتهم وعنادهم ..
فلا غرو أن الانسان يخطئ ويصيب وتلك فلسفة الحياة فذاك منطق مقبول ,يعالج بروية وحكمة ,أما أن يكون الخطأ استغباءا بدافع الجشع وبنفسية المجرم المتقن في زي رسمي يتقاضى عليه أموالا من جيوب الذين يحرسهم صباحا ويبتزهم مساء ,فهو جرم ومس في كرامة المواطنين .

ان ما حدث ويحدث لكفيل باعادة الاعتبار لمفهوم المواطن الذي بقي موقوف التنفيذ منذ زمان , ولكفيل لنفض الغبار عن عقليات مازالت تفكر بمنطق البلادة وتستغل مناصبها لتعيث في الارض فسادا .
لقد أسدل الستار على مسرحية(المهزلة) كان أبطالها يعيشون زمنا غير زمننا ,كانت حديث الصغير والكبير شيبهم وشبابهم , هي” جرائم عادية “لو ارتكبت من الذين يحترفون السرقة من أجل لقمة أو لقمتين ,لو كانوا لالتمسنا والتمست لهم النيابة الاف الاعذار ,يا ليتها كانت كذلك , ولكن أن تكون من المفروض عليهم  حماية الوطن والمواطنين (الجهاز الامني ) حقا هي  جريمة وخيانة تنذر باستفحال أزمةالثقة تلوح في الأفق .ان لم يتم معالجتها وفق مقاربة قانونية واجتماعية تأخذ بعين الاعتبار شمولية الاصلاح.
وفي كل الاحوال يبقى مسلسل الانتقال الى دولة الحق والقانون رهينا بالمحاسبة والعقوبة ,بدل التأليب والانتقام ,كما يبقى المواطن مساهما ومشاركا في عملية الدمقرطة من خلال اشراكه في كل القرارات بدل ابعاده على الهامش مكتفيا بالأعباء الضريبية .
على “المواطن” ان يكون على علم بما له وما عليه, ان يكون في رصيده ثقافة “الاحتجاج” ولا يبقى أسير خوفه , مما يضيع وتضيع معه حقوقه .فكل هذا كان ومازال نتيجة ترابط وتراكمات تتداخل فيها عناصر تؤزم العلاقات بين الاتي في المستقبل, ناهيك عن السياق الذي يشهده البلد عموما نحو انتقال ديمقراطي يكون الانسان محوره ,هذا ان امكن , بتجاوزنا للمارسات والعقليات البالية , حيث لا يجوز فصل الجزء عن الكل ,فالكل مطالب بتحمل المسؤولية (الكل)جراء ما يقع(ممن يريدون أن تحطم كرامة المواطن) لممارسات هي وصمة عار,ومسا بالكرامة الغالية ,ولكي لا يعيد التاريخ نفسه ولكي لا تتكرر الجريمة التي…