الخميس 28 مارس 2024| آخر تحديث 8:45 12/31



حقيقة ما جرى بإعدادية سلا

حقيقة ما جرى بإعدادية سلا

إلى كل من صبر على البرد شتاء وعلى الحرارة صيفا في السهول وعلى قمم الجبال،
إلى من قضوا وهم يؤدون واجبهم اتجاه هذا الوطن الجريح،
إلى من يتألمون الفراق طويل الأمد سنين،
إلى كل من حمل بين أنامله صدقا طبشورة وأمامه سبورة سوداء،
إلى المرابطين في الثغور ضد الجهل والأمية،
إلى كل هؤلاء وغيرهم، أتوجه بهذه الكلمات:
   اهتزت الأسرة التعليمية والتربوية لما وقع الأسبوع الماضي بإعدادية “الكتبية” في مدينة “سلا” إثر حادث ذبح أستاذ من الخلف لا كما تُذبح الأضاحي أيام العيد، بل غدرا من خلفه هكذا لا لشيء إلا أنه طلب من تلميذه إزالة القبعة داخل الفصل احتراما له ولباقي إخوانه من التلاميذ، فكان الرد أكثر مما صورته الفضائيات والأقلام، فليس “من عاش كمن سمع”.
   المهم أن الأستاذ الضحية نجا بأعجوبة من موت محقق بقدرة قادر.. عاش ليحكي للعالم أجمع ما جوزي به في آخر حياته المهنية كمربي الأجيال الذي كان ضمن الثلاثة القائل فيهم: “تقوم الأوطان على ثلاثة: فلاح يغذيه، جندي يحميه ومعلم يربيه”.
   إن معلم الناس الخيرَ أحبتي يستحق كل التقدير والاحترام، لأنه هو من يرشد العامة نحو المعنى الحقيقي للحياة، وهو من ينير درب الجاهلين بنور العلم الذي لا يستلزم مصباحا ولا بطارية عن طريق مجابهة أشد الأعداء فتكا بالمجتمعات والأفراد على حد سواء، إنه داء الجهل الذي يعشش في الأذهان ويبيض ليفرخ فيها مع مرور الزمن.
   جلست أشاهد التقارير الإخبارية وأقرأ البعض منها على صفحات الجرائد المكتوبة والمقروءة فإذا هي لم تُشف غليلي في وصف ما جرى: “التلميذ ضحية”، “كاد المعلم أن يكون مذبوحا”، “رئيس الحكومة يوصي خيرا بالأساتذة”، ولْدي مْربي”.. وغيرها من العبارات التي جعلتني آخذ قلما كنت هاجره حيناً لأتناول بدوري هذا الموضوع الذي اجترته الألسن والأقلام غير ما مرة.
   إن ما وقع في إعدادية “الكتبية” بمدينة “سلا” ما هو إلا مظهر من مظاهر التدهور القيمي داخل هذا المجتمع المنكوب. صدقوني إن شئتم أو لا فلدي في ذلك حججي الواقعية التي بَنيت عليها هذه الفكرة سأسرد بعضها منها كما يلي:
–    لنفرض جدلا أن تلميذا خرج من بيته للمدرسة عقب مسلسل أجنبي، طبعا ينطق ممثلوه ذوي الشعر الأشقر بدارجة مغربية أصيلة، صور جريمة قتل أو لنقل مجرد “إهانة” من ابن لأب بلغ من الكبر عتيا لا لشيء إلا أنهما تناقشا في أمر عشيقة أو محبوبة أو.. تتعدد الأسماء والمسمى واحد.
–    تصور معي أيضا مراهقا تناول ما يصطلح عليه ب”حبوب الهلوسة” وتسلح بسيف كذاك الذي نشاهده في الحروب القديمة قبل أن يلج إلى درسه مترصدا متربصا مصرا على إظهار “بطشه” على أستاذه المسكين، وأمام أنظار الأصدقاء والصديقات.
–    فكر مليا في شأن شاب في سن التاسع عشرة من العمر مع أخته ذي الثالثة والعشرين وهي تَحبل منه، كيف تريده أن ينتبه لدرس “الدوال” أو “الأزمة الاقتصادية الكبرى” أو درس “الإرث” في مادة التربية الإسلامية وهو الذي بصدد بناء عش الزوجية بدون علم والدتهما المسكينة؟!!
هذا هو الواقع الذي نحاول أن نتعايش معه صباح مساء..
   إن سياسة هدم القيم المجتمعية عروةً عروةً عن طريق الفضائيات والأفكار التي تناقض الأصل تماما باستنساخ تجارب بما لها وما عليها هو ما أدى إلى قتل الآباء والمربين على يد الأبناء أو طردهم نحو ما يسمى ب”دور العجزة” وإنتاج جيل من “الأمهات العازبات” و”الأطفال المتخلى عنهم” ليكون ما وقع الأسبوع الماضي بمدينة “سلا” مظهرا ونتيجة للتردي القيمي والأخلاقي الذي ساهمت فيه أطراف شتى قصدا أو من غير قصد مما يستدعي بالتالي حلولا جذرية تضع حدا للأسباب وليس مجرد ترقيع للوقوف عند الأمر الواقع. فالمدرس لن يستطيع التعامل مع فاقدي الوعي، ورجل الأمن لن يقضي على ظاهرة الاعتداء على المربين وتحت معاطف التلاميذ سيوف. إن الحال يقتضي تغيير العقليات واجتثاث أصول المشاكل، وصدق من قال “اقتلوا الوحش وهو صغير”.

[email protected]