الخميس 2 مايو 2024| آخر تحديث 10:05 03/26



تحديد الملك الغابوي بأدرار ائتياب إلى حقبة الإستعمار

تحديد الملك الغابوي بأدرار ائتياب إلى حقبة الإستعمار

يعتبر حق الملكية حق مقدس يحرم المساس به و يعتبر القانون هو الحامي الطبيعي لهذا الحق و الذي يستمد بدوره سنده في الدستور  الذي يعتبر أسمى قانون في البلاد ، وفي هذا الإطار اعتبر الفصل 35 من هذا الدستور أن القانون يضمن حق الملكية و لا يمكن الحد من نطاقها و ممارستها إلا بموجب القانون.
غير أن الإشكال القائم فيما يتعلق بهجوم أو غصب أراضي الساكنة “بأدرار ” هو التعامل الحربائي للدولة مع هذا الملف مستغلة في ذلك ضعف الترافع من طرف من يفترض فيهم حماية حقوق الساكنة بالإضافة إلى عدم قيام جمعيات المجتمع المدني بدورها في تحسيس الساكنة بخطورة القوانين الاستعمارية التي اعتمدت عليها “المياه و الغابات” للسطو على أملاك الساكنة و بالتالي جعل هذه الأخيرة تعيش كجالية فوق أراضيها. حيث أن هناك من يعتبر أن الترافع ينحصر فقط في اجتماعات بمقاهي الدارالبيضاء أو حضور اجتماع أو لقاء مع مسؤول حكومي دون توعية الساكنة بخطورة هذه المراسيم الإستعمارية.
و أعتقد دون الجزم بأنه لم يسبق لأي سياسي بالمنطقة أن قام بلقاءات مع الساكنة سواء على شكل ندوات أو مهرجانات خطابية يحاول من خلالها شرح مضامين هذه المراسيم الإستعمارية على غرار المهرجانات التي يقومون بها قصد شرح برامجهم الإنتخابية حيث أن الكل يتذكر بأنه قصد إقناع الساكنة بالتصويت لفائدة فلان على حساب فلان كانت هناك جولات بجميع مناطق أدرار ( أفلا إغير، أنزي،أملن،تافراوت…)، وهذه مجرد إشارة منا للسبب الرئيس وراء عدم وعي الناس بخطورة ما يسمى بالتحديد الإداري للملك الغابوي دون أن نتهم أي كان بوقوفه أو بالأحرى تقديم يد المساعدة لإدارة المياه و الغابات قصد الإستيلاء على أملاك الساكنة لأن أدرار في الوقت الراهن في حاجة إلى رص الصفوف و ليس تبادل الإتهامات. و لعل ما جعل الاستيلاء على أراضي الساكنة بادرار بهذه السهولة هو الخطابات التي يروج لها بعض” السياسيين” اللذين يصورون الأمر للساكنة على انه مجرد إجراء إداري ليس الا.
و الكل يتذكر الهجمة الشرسة التي تعرضت لها الجمعية الوحيدة بتافراوت أثناء محاولتها توعية الساكنة بخطورة” مسطرة التحديد الإداري للملك الغابوي” حيث تم نعتها و اعضائها بالعدميين إلى غير ذلك من النعوت القدحية .
و حيث إن “مسطرة التحديد الإداري للملك الغابوي” هي مجموعة من الإجراءات التي تقوم بها الإدارة ( أو المستعمر الجديد) بهدف ضبط حدود و مساحة عقار معين و إدراجه بشكل نهائي و غير قابل للنزاع في دائرة الأملاك الغابوية و هو إجراء أولي لتحفيظه و تجد هذه المسطرة مرجعيتها التشريعية ضمن ظهيرين الأول ظهير 03 يناير 1916 المتعلق بتحديد الأملاك المخزنية و الذي نص في فصله الأول ” كل عقار فيه شبهة ملك للمخزن الشريف يمكن أن تجري فيه أعمال التحديد حسب الشروط الآتية لأجل استبانة حقيقته و تعين حالته الشرعية و ذلك بطلب من إدارة الغابات و المياه أو إدارة الأملاك.” و السند الثاني يتمثل في ظهير 10 أكتوبر 1917 الذي يضع قرينة على تملك الدولة للأراضي الغابوية كما حدد النطاق الزمني لسريان هذه القرينة و هو تحقيق عمليات التحديد حيث جاء في الفصل الأول منه ” إن الأملاك الغابوية للدولة تحدد حسب الشروط المنصوص عليها في ظهير 1916 و تبقى الأراضي الغابوية خاضعة لقرينة ملكية الدولة مادامت عمليات التحديد لم تتحقق.”
و الغريب في الأمر انه ورغم استقلال المغرب عن الاحتلال الفرنسي منذ سنة 1956 إلا انه بالرجوع إلى ظهير 1916 الذي يعتبر السند القانوني لإدارة المياه و الغابات لاستئناف مخططات الاستعمار الفرنسي نجده مذيل بتوقيع مشير فرنسا المقيم العام ليوطي أي أنه ليس بظهير سيادي صادر عن مؤسسات الدولة التي لها الشرعية بل هو بقايا الإستعمار الغاشم. و هذا ما يؤكد انه رغم المقاومة الشرسة لرموز جيش التحرير بادرار و على رأسهم المقاوم عبد الله زاكور في محاربة الاستعمار الفرنسي و رغم توفقهم في هذا الإطار بالإضافة إلى دورهم الكبير في مقاومة الاستعمار بربوع وطننا الغالي .
إلا انه لم يكونوا يعتقدون بان الدولة التي ناضلوا من اجل قيامها سوف تخونهم يوما و تواجه أحفادهم بقوانين الاحتلال. والكل يعلم أن المشرع الاستعماري قام بتغييرات عديدة في مواقفه و حسب ما تمليه الظروف السياسية آنذاك غير ان مصالح المياه و الغابات أغفلت تلك التعديلات أو أنها تجاهلتها ، و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم اعتماد مضامين و فلسفات النصوص التشريعية الصادرة في عهد الاستقلال و في مقدمتها الدستور المغربي و الشرعية الدولية لحقوق الإنسان .
و للأسف الشديد حتى محكمة النقض التي تعتبر محكمة قانون لازالت تعتمد فيما يتعلق بانتهاك حق الملكية التي يتعرض لها الساكنة في مواجهتها لإدارة المياه و الغابات على قوانين المستعمر الفرنسي رغم أنها غير دستورية و هذا ما يتجلى من خلال القرار الصادر عن محكمة النقض عدد 4 بتاريخ 18/01/2013 في الملف المدني عدد 2012/08/01 1128 :” إذا ثبت أن المدعى فيه تكسوه أشجار طبيعية النبت ، فذلك هو ما يمثل القرينة المقررة لفائدة الدولة ، و المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من الفصل الأول مكرر (ج) من ظهير 10/01/1917 التي بمقتضاها تعتبر غابة مخزنية لأجل تطبيق الافتراض المذكور ، كل قطعة أرضية فيها مجموعة أشجار طبيعية النبت…قيام القرينة المشار إليها يستوجب من المحكمة مقارنة حجج الطرفين… اعتماد القرار على مجرد شراء المطلوبين و حيازتهما للمدعى فيه، و الحال أن مجرد الحيازة لا تأثير لها إذا ثبت الملك للدولة يجعله غير مرتيكز على أساس قانوني. “.
و من خلال حيثيات هذا الحكم يتضح بجلاء أنه يتم استبعاد أهم وسائل التملك المتمثلة في الحيازة أمام قرينة الدولة المتمثلة في تواجد أشجار طبيعية النبت، وهذا يعتبر انتهاك صريح لمقتضيات الدستور المغربي الذي يضمن حق الملكية بالإضافة إلى مجموعة من المواثيق الدولية التي تنص على ضرورة حماية حق الأفراد في الملكية و التي وقع عليها المغرب. و للإشارة فهناك في قضاء الموضوع ( المحاكم الابتدائية و الاستئنافية) من لا يعتبر ما جاء في مراسيم المستعمر الفرنسي ( ظهير 1916 و 1917)، حيث أنه سبق لمحكمة الإستئناف بطنجة أن قضت بأن اعتماد مقتضيات ظهير 1917 غير كاف لإثبات ملكية الدولة وجاء في حيثيات الحكم ” ادارة المياه و الغابات بصفتها متعرضة على مطلب التحفيظ ملزمة بإثبات تملكها للأرض، و أن اعتمادها على مقتضيات الفصل الأول من ظهير 1971 غير كاف لكون الأشجار الغابوية يمكن أن تنبت في أرض الخواص، و أن اعتماد المتعرضة على مجرد تحديد إداري غير مستوف لشروطه يجعل حجتها ناقصة”.
غير أنه للأسف الشديد تم نقض هذا القرار من طرف محكمة النقض التي لا زالت تتشبت بمقتضيات ظهير 1917 حيث جاء في قرارها عدد 2449 بتاريخ 15/05/2012 ملف مدني عدد 2011/8/1/2929 ” لا يكفي لاستبعاد الطابع الغابوي للمدعى فيه مجرد عدم انتهاء مسطرة التحديد. تأكيد الخبرة المنجزة على ذمة القضية أن الأرض موضوع مطلب التحفيظ مكسوة بأشجار طبيعية النبت يشكل قرينة لفائدة الدولة طبقا للفصل الأول من ظهير 1917 الذي يعتبر أرضا غابوية الأرض التي توجد بها أشجار غابوية طبيعية النبت. صدور القرار دون مراعاة ما ذكر يجعله غير مرتكز على أساس قانوني”.
و تأسيسا على ما سبق نعتقد أن نجاح كل سياسة عقارية يجب تنبني على مفهوم العدالة، و التي تفترض تحقيق المساواة في الحقوق كما في الواجبات بين جميع الأطراف المتدخلة.

عبدالجليل كوني

-محام بهيئة المحامين لدى محكمتي الإستئناف بأكادير و العيون.

  • باحث في صف الدكتوراه في قانون الأعمال.






تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.