السبت 4 مايو 2024| آخر تحديث 1:59 02/06



الإعلام العمومي بين برامج قتل الوقت وإنتاج الرداءة

jamaa

يلعب الإعلام العمومي دورا مهما في نقل المعلومة إلى المواطنين  ودافعي الضرائب الذين يشكلون المعيل الأساسي  لهذا القطب الإعلامي ، إذ لا يمكن الحديث عن التطور التكنولوجي الحاصل في العالم خلال العشرية الأخيرة دون الحديث عن تطور وتقدم الإعلام العمومي بالدول المتقدمة والديمقراطية .

وإذا كانت الدول النامية والتي مازالت لم تحسم بعد في هويتها  الإعلامية فإن الدول الغربية  قد وضعت إستراتجيتها وتصوراتها الإعلامية للمستقبل .ومما لا شك فيه  أن مقاربة البرامج الإعلامية المقدمة للمشاهد في هذه البلدان المتقدمة، تتفاوت بشكل كبير من ناحية ،المضمون ،الجودة والكم عما هو معمول به في الدول المغاربية ، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقنوات القطب العمومي بالمغرب  وما تقدمه من برامج بل ما قدمته طيلة عشر سنوات الأخيرة أقل بكثير  من حيث القيمة والجودة عما قدمته قناة فرانس 24  الفرنسية طيلة سنة واحدة . وربما هذا الوضع  المتسم بالرداءة والبداءة الإعلامية الموجه للمواطن المغربي هو السبب المباشر والدافع الأساسي لهجرته نحو القنوات الفضائية الغربية أوربية كانت أو أمريكية أوأسيوية .

ولقد تتسم المرحلة الراهنة بالتطور التكنولوجي ، وبالولوج الواسع والسريع لوسائل الإتصال بمختلف أنواعها وأشكالها، أضف إلى ذلك كون حق الولوج إلى المعلومة أو بالأحرى تلقي المعلومة، ميزة من مميزات الجيل الثالث لحقوق الإنسان.  كل هذه عوامل جعلت من المعلومة  أهم مقومات الديمقراطية الحديثة، وإذا كان نقل المعلومات وإيصالها للمواطن يتطلب نوعا من السرعة والدقة فالملاحظ أن تعامل القطب العمومي المغربي مع المعلومة يتسم بنوع من الإرتجالية والمزاجية كما يتم نقل المعلومة بشكل بطيء .

إن القطب العمومي المغربي ومن خلال منهجية تعامله مع المعلومة على مستوى تلقيها وكيفية نقلها ومضمونها، يؤخذ عليه أنه مازال بعيدا عن ركب قطار التنمية الإعلامية الذي يقتضي نوعا من الوطنية ونكران الذات خصوصا لما يتعلق الأمر بالمنتوج الإعلامي الذي ينتظر منه مسايرة مستجدات ومتطلبات السياق الوطني و الدولي، والإستجابة لإنتظارات مواطن الغد قصد استكمال بناء مغرب المستقبل.

 إن مضمون البرامج المقدمة من طرف مكونات القطب العمومي يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أنواع :

–         النوع الأول : برامج إخبارية :

 تتسم البرامج الإخبارية في القطب العمومي المغربي بنوع من التكرار الروتيني الذي يجعل المشاهد يمل من متابعتها لكونها تمتد في غالب الأحيان لمدة 48  ساعة ، كما لا يمكن تجاهل الربورتاجات التي تتخلل النشرات الإخبارية والتي تصور دائما في العاصمة الرباط وبالضبط أمام قبة البرلمان كأن مشاكل وأوضاع المغرب تتركز قبالة مجلس النواب أو بالأحرى شارع محمد الخامس .

–         النوع الثاني : البرامج الترفيهية والفنية :

تشغل البرامج الثقافية والترفيهية مساحة كبيرة في منتوج القطب العمومي المغربي وتتأرجح بين الرقص والغناء ( ثقافة الشطيح والرديح) كما لا ننسى الأفلام المدبلجة الوافد الجديد على ثقافة المشاهد المغربي ( مكسكية ، تركية، …) ،والمستفز في  هذه الأفلام المستوردة أنها منتهية الصلاحية لكنها مازالت تتربع على عرش البرامج الثقافية والفنية بالقطب العمومي والسؤال المطروح كيف يمكن أن تساهم الأفلام المدبلجة في تثقيف وتفتق مواهب أبنائنا وناشئتنا  كما نص على ذلك دستور 2011 ؟ علما أن مواضيع هذه الأفلام تدور دائما حو ل صراع حبيب مع أهل حبيبته لينتهي المسلسل ذات 365  حلقة بزواج الحبيب بجدة حبيبته .

إن الحقيقة المرة التي تنكشف وراء هذه البرامج الفنية والترفيهية حسب تسمية القطب العمومي  أننا نبني جيلا ماجنا ومائعا لا يعرف حتى فتح علبة سردين فكيف بتعليبها وتصديرها ونحن نستقبل  المصانع والشركات الأجنبية التي تحتاج إلى شباب متعلم ومبدع وكفء ، وليست الحاجة إلى شباب الإتكالية والميوعة .

النوع الثالث :  البرامج الحوارية والتفاعلية

تلعب هذه البرامج دورا مهما في تنوير الرأي العام خصوصا ببعض القضايا ذات اهتمام ومتابعة المشاهد والمواطن المغربي على غرار المشاهد في الدول الغربية.

فالملاحظ أن هذه البرامج تعتبر بمثابة حلبة الصراع السياسي المباشر، بين مختلف الأحزاب السياسية  وفي أحسن الأحوال ،بمثابة برامج للدعاية السياسية ، فبمقارنة بسيطة بين البرامج التفاعلية في قنوات الدول المتقدمة نجد أنها تحاول خلق نوع من التوازن فيما يخص الضيوف المشاركين في البرامج  النقاشية أو الحوارية  إذ يتم المزج بين أقطاب فكرية وسياسية وقانونية وإعلامية مما يضفي على النقاش نوعا من الندية وخلق تشويقا  وتتبعا لدى المشاهد. بينما القطب العمومي المغربي غالبا ما يتم الجمع بين المتناقضات في البرامج التفاعلية فكيف يا ترى سيكون نقاش المعارضة والأغلبية حول تدبير السياسات العامة في برنامج للنقاش ؟ أضف إلى ذلك انه أحيانا يتم استدعاء من لا يفقه في موضوع البرنامج شيئا بل يكون وجوده من أجل استكمال النصاب ليس إلا ، في الوقت الذي نجد أن هناك شخصيات وطنية وسياسية وازنة يتم تجاهلها على المستوى الإعلامي.

 لقد يكون مفيدا لهذا  الشعب ولهذا الوطن أن يحظيا بإعلام متميز ووطني، فعوض تقديم برامج إعلامية تعلمنا كيف تصبح مجرما خلال برنامج تلفزي ( أخطر المجرمين، مسرح الجريمة،… ) فعلى الأقل أن يتم التفكير في إنتاج برامج ثقافية وطنية وتكوينية موجهة إلى  بناء شخصية المواطن المغربي  لحمل مشعل ” تامغربيت” والمدافع عن المصلحة العليا للوطن في ظل وجود فراغ مهول على مستوى الإحساس بالانتماء لهذا الوطن .

ودائما وفي إطار الحديث عن برامج التفاهة والعبث في القطب العمومي المغربي نجد أن بعض البرامج الموجهة للمشاهد المغربي ليست  سوى المتاجرة بمآسي المواطن  البسيط إذ تقتصر هذه البرامج على تقديم مشاكل ومآسي بعض الأسر المغربية( الخيط الأبيض، قصة الناس…) والغريب في أمر هذه البرامج أنها تستهدف فقط الطبقات الفقيرة والهشة دون الحديث عن مآسي الطبقات الميسورة والبورجوازية كما لو ان المآسي مرتبطة فقط بهذه الفئات الإجتماعية كما أن عبثية هذا النوع من البرامج تتجلى في كون  الحالات المعروضة والموجهة للمشاهد المغربي  لا تحتاج إلى الكاميرا ولا إلى الطاقم التقني قصد حلها وفك معاقدها .

إن المشاهد المغربي في ظل المرحلة الراهنة والتي تتسم بالعديد من التحولات وطنيا ،إقليميا ودوليا، والتي أفرزت دستور 2011 الذي ينص بدوره على الرقي بالمشهد الإعلامي استجابة لطموحات المواطن المغربي كفاعل ومساهم وتواق إلى استكمال بناء صرح مغرب الغد،بروح وطنية عالية تماشيا مع جاء في خطاب جلالة الملك  محمد السادس بمناسبة ثورة الملك والشعب 2004 “… إن الوطنية لا ينبغي أن تختزل في مجرد التوفر على بطاقة وطنية  أو جواز سفر… إذ لا مواطنة بدون وطنية ولا وطنية بدون مواطنة “.

 







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.