الإثنين 6 مايو 2024| آخر تحديث 7:49 11/16



وحوش أيت الرخاء

وحوش أيت الرخاء

bh (1)

ثارت ثائرة الجميع ذات يوم، وعوض أن تستيقظ الساكنة المحلية في منطقة أيت الرخاء على وقع قعقعة المحارث ونهيق الحمير في كل حقل، استيقظت على وقع خبر وحش غريب، ظهر صدفة بمنطقة أيت كرمون إمجاض ليحط رحاله على أرض الجارة الغربية بعدما قتل امرأة هناك وطارد شخصا آخر، وفلت من قبضته آخر، وشاهدته أخرى وسمع صوته الغريب رجل مسن.

طال أمد النهار، وطالت معه التخمينات والتأويلات والحلول الناجعة للإفلات من قبضة الوحش، فرسم له السكان صورا بين يقول إنه دب ضخم، يقف على رجليه الخلفيتين، وقائل بأنه يشبه الكلب لكن قدماه الأماميتان أطول بقليل، وآخرون اعتبروا وجهه في السماء وخطاه تهز الأرض، أما الأطفال فمن كثرة سماعهم بالواقعة حتى تساءلوا وفكروا مليا، لينسجوا أمامهم وحشا على شاكلة الدراكولا والبوكيمونات وحوش  سمبا.

أسدل الليل الستار على نهار شاق، كان فيه التأمل سيد الموقف، فأعلن سواد الليل نفسه على المنطقة بجبالها الداكنة وسهولها المنبسطة، وعلى دواوير شبه خالية كتمكرط إخسان ودوكادير وأخبريش، أما الدواوير التي مازالت تضم بعض الأسر فخوفها لن يكون كخوف الأولى.

لف ضباب كثيف المنطقة كالعادة، مصحوبا برياح شمالية شبه قوية، فتأزمت الوضعية النفسية للكثيرين، سيما أن المنطقة حسب روايات الأجداد ثم بعدهم الآباء تقول بأن ” الضبع” يحل بالمنطق عند بداية كل موسم حرث، نظرية غريبة نوعا ما، لأنني أفكر في هذا الضبع المسكين أين يختفي في الفصول الأخرى، حتى إنني جعلته في مخيلتي كالحلزون، يظهر بسقوط المطر لكن من أين أتى، فذاك هو السؤال المحير، وقد يكون الضبع من فصيلة الحلزون والله أعلم.

مجرد حركة خفيفة لقارورات وبقايا أزبال فوق السطوح تستنفر الجميع، بصوت خافت يهمس الكل ” إنه الوحش الغريب، وها قد حان دورنا”، لينخرط الجميع في موجة من النقاشات المصحوبة بعبارات تأسف شديدة يختمها الأطفال الصغار ببكاء شديد، وسرعان ما يكتشف الجميع أنها الرياح المعهودة، ليتنفسوا الصعداء.

بحلول الصباح، تعود الأحاديث حول الوحش الغريب، الذي تناقلته المواقع الإلكترونية، ومواقع التواصل الإجتماعي، ليصل صداه إلى أبعد نقطة، ويكتشف المغاربة في الشمال والجنوب أن وحشا يهاجم الساكنة.

على كل حال ستبقى الحكاية المفتعلة ” إرثا ” تاريخيا سنعيد حكيه لأبنائنا، وقد يعيدوه لأبنائهم وهكذا دواليك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فأنا أتذكر جيدا كيف كان آباؤنا يزرعون فينا الخوف ونحن صبية صغار، فالذين عاشوا في منطقة أيت الرخاء يعرفون جيدا ” أحمد الكايلا ” هذا الرجل الأسطوري الذي قيل لنا بأنه يتجول تحت الشمس ويفترس كل الأطفال الذين سولت لهم أنفسهم تجاوز عتبة المنزل، كم تمنيت وأنا أكبر أن أتعرف على ” أحمد” قد يكون طيبا، ومهما كانت شراسته وعنفه، فلن يكون كأحمد زماننا اليوم و”الفاهم يفهم”، جميعكم يتذكر أيضا وحشا غريبا كانت أمهاتنا تصوره لنا على شكل تنين واسمه ” واردم” يلتصق بجدران الضفائر ” المطفيات ” من داخلها، وأي حركة بسيطة للإقتراب من بابها أو استراق نظرة من أحد منافذها قد تكلفك غاليا، لأن ” واردم” يبتلع الصغار من بعيد.

 أما حقيقة الحكاية اليوم، أن الساكنة المحلية بمنطقة أيت الرخاء نسيت الوحوش التي تقتات على ظهرها كل يوم واتهمت حيوانا بريئا لن يكون إلا كلبا أو ثعلبا أو خنزيرا بريا على أقل تقدير.

الوحوش التي هاجمت أيت الرخاء لم تنتظر سنة 2013 لتعلن الأمر، بل فعلت ذلك منذ عقود طويلة من الزمن وما زالت إلى اليوم تتلاعب بمصالح المواطنين هناك بأبشع الطرق، بدءا بعزلهم عن العالم الخارجي، ومنعهم من أبسط شروط العيش الكريم، والتلاعب بدقيقهم وشعيرهم، وفوق هذا عقد اجتماعات سرية مكشوفة تجمع كل الأعيان للإلتحام من جديد حول مقاعد الإنتخابات القادمة، دون مراعاة مشاعر الرخاويين في معرفة ما يجري ويدور.

إذا كنا نخاف فالخوف من هؤلاء، وليس من الوحوش “المصطنعة”، والرسالة للشباب بمنطقة أيت الرخاء، الذين روجوا أيضا لهذه الأسطورة، وجعلوها محط نقاش وجدل، وكان الأجدى بهم وهم الذين يقودون أزيد من أربعين جمعية محلية وإطارات سياسية و طلبة، أن يقفوا أمام الشائعة، ويفندوها، ولم لا ينظموا وقفة تحسيسية أو لقاءا في السوق الأسبوعي من خلاله يتم إشعار المواطنين بتفاهة المسألة؟

اليوم كنا نأمل أن نصل بمنطقة أيت الرخاء إلى ما لم تصل إليه في عهود مضت، صحيح أنها سارت ذات يوم واسبوع وسنة في الطريق الصحيح بفضل شبابها، لكن اليوم أعلنت من جديد لقاءا مع أزمنة الجهل الخالية، بمباركة من الجميع.

لنقم إذن من سباتنا العميق، فالوحش الخرافي لن يؤذيك بقدرما ستؤذيك الوحوش الآدمية.

   محمد بحرانـي







تعليقات

  • اشكرك اخي الفاضل على هده المعلومات الخاصة بالساكنة البسيطة و الفقيرة ايت الرخاء عموما .
    من خلال قراتي لموطوعك يتبين لي ان معظم ما جاء فيه عبارة عن اشاعات و بهتان لكن الحقيقة تتجلى في عدم مرعات السلطات المحلية لمطالب السكان و بدءا بعزلهم عن العالم الخارجي، ومنعهم من أبسط شروط العيش الكريم، والتلاعب بدقيقهم وشعيرهم وعدم الاهتمام بهم ومن هدا المنبر اودو ان اقول ان على سكان ايت الرخاء ان يجتمعوا و يتحدو كرجل واحد ضد هده العصبة من المحتلة وشكرا

  • انها عين الحقيقة ايها الاخ الكريم .اشكرك على التوضيح والتبيان.لان الوحش طبعا ليس الا ادميا يقتات ويستغني على حساب سكان ايت الرخا البواسل الكرماء الشجعان .

  • أحيي الأخ على هذا العرض البسيط وأتمنى ان يوضح أكثر لقراء الجرائد الإلكتونية فالوحوش التي تبتلع سكان هذه الجبال المنسية هي الظلم والتهميش والفقر ووووووووو……والسؤال الذي أود ان يجيب عليه مبدع وفنان هذه الأسطورة هو من يكون ومن هو ابوه أمه بل بلدته اين توجد ’ ادا كان ابن المنطقة فلينظر الى حوله فالطرق الوعرة والبيوت الكوخية بل شبه كهوف[ ستبصق عليه وتنعله ] اياكم واياكم يا شباب هذه الجبال أن تجدبكم العصابات التي تهدر حقوقكموتغتصب طيبوبتكم

  • كاملة بطبيعة الحال انتحال الوضع سيبقى على حاله ولكن هيهات الرخويين رجال ربما أناس لهم مصالح كل عام ياتون باسم جديد تغزنت ا فيس ……إلى متى سينتهيهدا الرعب. شكرًا لك أخي على الموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.