السبت 27 أبريل 2024| آخر تحديث 10:46 09/07



يوميات تيفاوين:3- في زواجهم فكرة ومنهاج

يوميات تيفاوين:3- في زواجهم فكرة ومنهاج

idsalh

كان ذلك يوم السبت مساء وأنا سائر مع بعض الإعلاميين الذين حجوا لتغطية التظاهرة، وبينما نحن كذلك نتجادل ونتحاور في قضية “الجزيرة” المعروفة بين مؤيد لها ومعارض نتيجة الإيديولوجيات التي أعمت عقولا كثيرة فأفقدتها حس التركيز على المفاهيم الإنسانية. بعض (المثقفين) رفض متابعة أحداث مصر بإحدى الفنادق هنا ب(تافراوت) على قناة (الجزيرة) القطرية بداعي انسياقها وراء رفض الانقلاب تيمنا بصحافيها أحمد منصور صاحب برنامج (شاهد على العصر) ففضل مشاهدة الأخبار على قناة (العربية) التي تسمن يوما بعد يوم كما يسمن أهل الخليج الذين ألفوا ريع البيترودولار. في حين أصرت فئات أخرى الإبقاء على الأصل دونما تغيير أو تبديل.

   مررنا على فرجات مسائية كالمعتاد: هنا رقصة قلعة مكونة، وذاك أحواش إمي نتانوت،.. فجأة، قفزت من هول الصدمة، لم يخبروني قط حتى أستعد قبل أن ينطلق “البارود” مدويا إيذانا بانطلاق عروض الفروسية التي ستواكب حفل الزفاف الجماعي. كانت فكرة رائعة أن تنظم مثل هذه المبادرات تشجيعا للشباب على الزواج في زمن كاد فيه أن يكون الأخير مستحيلا !

   الزواج وما أدراك ما الزواج؟! هو عند فئة من الناس حلم كبير يحتاج للنوم على الخد الأيمن ولو ساعة بارتياح، وعند البعض حدثا بسيطا كباقي الأحداث التي تمر على الإنسان في هذه الحياة، كما أن هنالك من ترتعد فرائصه خوفا منه نتيجة إدمانه على زيارة قسم قضاء الأسرة وحضور جلسات المحاكمة.

   الزواج حياة به يُحفظ النسل البشري من الضياع والاندثار.. الزواج “عقد ترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام غايته الإحصان والعفاف وتكوين أسرة مستقرة” حسب مدونة الأسرة المغربية التي يهابها العديد من الرجال لمجرد سماع اسمها.

   هذه المبادرة التي رعتها اليوم جمعية “تيفاوين” كانت من بين أهم ما سيذكره التاريخ بين أحضان تلك الجبال الشاهقة لا غير، مبادرة تحتاج لتطوير وتعميم على مستوى جميع ربوع الوطن، كيف لا ونحن اليوم في خضم التنمية البشرية مؤمنون أخيرا أنها أولوية من أولوياتنا، فالزواج مشروع قائم بذاته يحتاج لتخطيط، لإعداد، لإنجاز، ثم لتتبع وتقييم بموارد ومؤهلات أكبر بكثير مما استنفذته المباني الفارغة من خزينة الدولة.

   زواج “تيفاوين” يكتفي بالإنجاز الضيق دون تخطيط مسبق ودونما مراعاة لعناصر دورة المشاريع. إنها الحقيقة.. عشرة آلاف درهم نقدا أو شيكا لا تعني لجيل اليوم شيئا، إنها مساهمة في التربية على حب الريع وممارسة الشحاذة تحت يافطة المساعدة. اليوم ليس المال هو المشكل. إنما التدبير والحكامة الجيدة مربط الفرس. وهذا ما يفسر مغادرة كثير من المنظمات الأجنبية غير الحكومية بلدنا هذا نحو بلاد الصومال والسودان وأفغانستان وغيرها من البلدان التي أنهكتها الحروب فصار غالبية مواطنيها يكتفون بالأرض سريرا والسماء بطانية مجانية صالحة لكل زمان ومكان، ولسان حالهم يقول:” المشكلة يا مغاربة في عقلياتكم التي أساءت تدبير مواردكم!!“.

   على أهل “تيفاوين” أن ينقصوا من لافتات الإشهار ويتفرغوا لتكوين الناس مدة ليست بالقصيرة في مجال البناء الأسري اعتمادا على مدربين دوليين، وتمويل أهل الشركات الكبرى التي ينتمي مديروها لهذه المنطقة إن لم يذهب في هذا الاتجاه فغيره ضرب من جشع الرأسمالية المتوحشة التي لا تراعي قدرا للجماعة، تليها فترة الإنجاز وفق تقاليد المنطقة وأعرافها العريقة المعهودة على شكل زواج جماعي أوسع نطاقا، ثم تتبع لفترة سنة على الأقل يليها تقييم للتجربة لتبدأ فصول المشروع الناجح من جديد. خلاصة القول: لتتكلم جمعية “تيفاوين” لغة المشروع في تعاملها مع فقرة الزواج الجماعي.

   جميعها أفكار وردت علي تباعا لما وقفت في تلك الساحة أتوسط الجموع الغفيرة حين يقدمون الأزواج تحت الأضواء الساطعة ولافتات كبريات الشركات الوطنية تلمع مع انعكاس الأضواء عليها. أحسست برعب أفقدني توازني برهة من الزمن، إنه رعب الجشع الذي يحول الإنسان في بعض الأحيان وحشا يفتك بفرائس من بني جلدته المساكين، كم من الأرامل بيع مسكنها غصبا حين ولجت المحاكم من أضيق أبوابه لتتحاكم مع أصحاب النفوذ؟!، كم من اليتامى بكوا دما لأن شركة لم تراعي قدرا لإنسانيتهم فسلبتهم ممتلكاتهم ولم تمهلهم ليذوقوا طعم الحياة رغم مرارته؟!. لا نريد شركات وحوش، نريد إنسانية في كل مشاريع الإنسان حتى لا يتكرر كثيرا ما حدث ل(جان فالجان) لما سرق رغيفا ليطعم اليتامى في رواية “البؤساء” لصاحبها (فيكتور هيجو)…

   هنا في هذه الساحة الرحبة اختلط الجميع في زحام لا يطاق، الأجانب بالمقيمين، الذكور بالإناث، الكبار بالصغار.. الحابل بالنابل على حد التعبير العربي الفصيح بلا أدنى مبالاة لهذه المنطقة المحافظة بتقاليدها العريقة ورجالاتها الذين غادروا الحياة في صمت. لم يكلف المنظمون أنفسهم عناء تنظيم الجماهير وتوجيهها، لم يخصصوا مكانا للإناث وآخر للذكور، لم يمنحوا لأهل البلد امتياز التقدم على حساب الأجانب، لم يحترموا إرادة المشاركين في إيجاد مكان مريح لهم بين ذلك الجمع الغفير، لم يشكلوا سياجا بشريا من عناصر الأمن واللجنة المنظمة ليسهل التنسيق وتخفف التوترات. الكل هنا مختلط على شاكلة عصير “بناشي” لهواة المقاهي. كان عليهم أن ينظموا الناس في إطار حدث يليق بمنطقة “أتمنى أن تكف الألسن عن لفظ السوء في حقها”، هذا ما صرح به أحد المعارضين للتظاهرة. لعله مصيب إلى حد ما، لكن، لرائد “الراي” الجزائري قولا آخر أؤجله للحلقة الأخيرة، فكونوا في الموعد.

 

احمد اضصالح







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.