السبت 27 أبريل 2024| آخر تحديث 6:22 09/01



يوميات تيفاوين: 2- الصلاة بحضرة الضجيج المباح

يوميات تيفاوين: 2- الصلاة بحضرة الضجيج المباح

صورة

  لعل أصحابي وأصدقائي الأعزاء حين فضلوا الاستعجال فألحوا علي بالمضي قدما نحو إنهاء حلقاتي المرتبطة بزيارة تيفاوين مسرعا أصيبوا بداء المتعة كمن يتابع حلقات مسلسل لم تعرف نهايته بعد. الحياة هي هكذا، والوقت يمر بسرعة فائقة، الأحداث تترى لا يُدرى أولها من آخرها في زمان السرعة هذا الذي نعيشه ، لذلك وجدت عذرا لنفسي حين تماطلت في نشر الفصل الثاني كزائر فضل الوقوف بين قطبين أحدهما قد يؤيد المهرجان بسوئه وبالتالي يتهمني بالعدمية لما أكتب عن السلبيات والثاني قد يرفضه بتاتا فيرميني بالتزلف والتملق حين أذكر المحاسن لقناعات كل على حدة.

   اجتمعت الحشود من كل حدب وصوب إيذانا بقرب السهرة بمركز تافراوت، لكنه وقبل حلول الظلام جابت المنطقة مجموعات فلكلورية رائعة تحمل كل واحدة منها إبداعا خاصا من نسج أعراف وتقاليد المنطقة أو الجهة التي تمثلها، فهذه فرجة هرما وتلك لفرجة هوارة إلى جانب عروض فروسية. الغريب في الأمر مجموعة تطلق على نفسها (أولاد سيدي أحمد أوموسى) وهي ليست كذلك، اللهم لا حسد فكثير اليوم يحترفون الاسم لأجل أغراض شخصية ضيقة، لكن علينا أن نعلم يقينا أن تاريخنا لا يرحم، ما يزيد على أربعة قرون من الزمن هي تلك التي مرت على وفاة ذلك العلم. وتبقى المجموعة جزءا من ذلك الكيان الذي يريد الظهور على حساب الآخرين، فالشخص حسب الروايات التاريخية لم يكن يوما محترفا ل”الرما” بهدف الاسترزاق. إنما كان شخصية صوفية سطرت حياة مليئة بالعلم والزهد والتصوف قبل ان ينزل ظلمة القبر.

   أما رحلة البحث عن العشاء فتلك قصة كلف مني مجرد تذكرها حين أخط هذه الكلمات استهلاك طاقة موازية لتلك التي استهلكتها حال البحث واقعيا. بحثنا في المقاهي، في الفنادق، حتى أقنعنا احدهم أننا جد متأخرين، فجأة، تأتينا العبارات متتالية: “الخبز لا أثر له..!“، إنه رواج اقتصادي منقطع النظير، ورغم ذلك تناولنا عشاءنا دون ذكر: كيف؟  ومتى؟ لأن ذلك قصة أخرى أحتفظ بها لنفسي ولرفقائي.   استفسرت  فيما بعد عما يقف وراء الزيادات المهولة التي اشتكى منها الجميع حتى أبناء المنطقة قبلنا فشرح لي أحدهم بلغة الخشيبات قائلا: “لنفرض جدلا أن هذه – وهو يتحسس بيده اليمنى مكبر سيارته- خمسون درهما.. أكيد، سأبيها بخمس وسبعين لسبب بسيط، وهو أني جد متيقن أن بعض ما أعرض للبيع سيذهب هباء إن امتدت إليه يد السارقين والنشالين الذين تعج بهم المنطقة في مثل هذه الظروف”، مضيفا: “لا توجد بركة في الأمر” .

 

   افتتحت السهرة التي غنت فيها شخصية تدعى (نجاة اعتابو) إن لم أخطئ في الاسم. كانت امرأة تناهز الستين من عمرها حسب تقديري المتواضع ذات صوت يسمع له دوي على بعد كيلومتر من محل المنصة في عز الظلام الحالك، هذه المرأة التي صرحت مرة في إحدى اللقاءات التلفزية أنها تعتزم الحج والتوبة إلى بارئها قطعا. لا أدري لم قالت هذا الكلام آنذاك؟ ألربما احست بخطأ ما تعمل؟ لحد الآن لا أدري، ربما وحدها المنفردة بجواب مقنع.

   كعادتي لا أحبذ ضجيجها، ولا أهوى كلماتها، لأنها بكل بساطة لن تفيدني في شيء، هي كلمات أعرف مدلولها مسبقا فارغة من المعاني العميقة التي ينطق بها كثير من المبدعين، ولكني لحد الآن ما زلت مؤمنا بأن فقرة هذه السيدة العجوز –على غرار ما يعنيه معلق الجزيرة باليوفي الإيطالي-  خطئا تقنيا شاب البرنامج وخرج عن إطار المنظمين بداعي أن شعار التظاهرة هو: (الانتصار لفنون القرية) لا شيء آخر.

   لم نكن نطيق الأمر، لذلك انصرفنا باكرا لحال سبيلنا للاستراحة، لأن عملا جديدا ينتظرنا في الصباح. كانت تسعيرة (الخطافة ) قد ارتفعت كالمعهود. لا ندري ما السبب؟ هم ببساطة يحللون الأمر دون عناء قائلين: “هذا ثمن ذهاب وإياب في نفس الآن”. قبلنا الأمر على مضض لغياب البديل فغادرنا المركز…

   كانت صلاة العصر في اليوم الموالي كفيلة بتفسير عنوان المقال، المؤذن يؤذن وكلما ارتفع الآذان ارتفعت معه أنغام الموسيقى التي أباحها المنظمون وقتئذ دون مراعاة لحق الآخر ودونما أن يكلفوا أنفسهم عناء إسكاتها حتى يؤدي المصلون شعيرتهم بخشوع واطمئنان، وأنا لا أظن أن هؤلاء يجهلون قطعا أن الأمرين معا ركيزتان لا تتم الصلاة إلا بهما. كان الجميع من داخل المسجد يتحسر على ما آلت إليه الأمور بين أحضان البلدة الهادئة، عرفت ذلك من نظراتهم ومن تقاسيم الوجوه. حتى ذاك الذي كتبت عنه الصحف على أنه (شبيه بلال) أمامي لا يكاد يستوي قاعدا مما يسمع. الإعلاميون أرجعوا السبب فيما بعد لضعف التنظيم مقارنة بالسنة الماضية في هذا وفي غيره من الأمور، للأسف لا أحد أشار للموضوع في تقريره أو مقاله رغم أن الانتقاد مساهمة في تصحيح مسار الحدث، الكل صرح أخيرا بأن “كولشي زين” خوفا من مداد مضاد وضع بالمرصاد أو طمعا في عطاء جزيل في نسخ قادمة من المهرجان. لكني جازم تماما أن الكثيرين سيسألون أئمتهم فيما بعد سؤالا عسيرا يصعب على إمام المركز الإجابة عليه حتى لا يكون حاله كحال الأئمة المفصولين: “ما قولكم سيدي الكريم في صلاة بالغ عاقل بحضرة النغم والضجيج؟!“.

بقلم: احمد اضصالح

 







تعليقات

  • شكرا صديقي واستاذي على هذا المقال ٠اما فيما يخص هذا المهرجان فلا يربظه بالقرية سوى الإسم لأن تمازيرت رمز للوقار والإحترام فممهما حاول منظموا هذه المهزلة ان يخفوا آلشمس بالغربال إلا أنهم لا يستطيعون فقد ارتبظت تيفاوين بالدعارة والفسق وثبذير المال كغيره من المهرجانات لعل ما يسمى مهزلة تيميزار خير دليل على ذلك تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.