الخميس 9 مايو 2024| آخر تحديث 8:03 08/06



عيد، بأية حال عدت يا عيد!!

عيد، بأية حال عدت يا عيد!!

صورة

   لما فر أبو الطيب المتنبي من “كافور” مصر يوم عيد جادت قريحته بقصيدة شعرية هجا فيها حاكمها الأخشيدي لاستحالة بغيته وكثرة الوشاة عنده، كان مطلعها: (عيد بأية حال عدت يا عيد … بما مضى أم لأمر فيك تجديد) ، فصار يسوم المهجو ألوانا من العذاب النفسي المركب من كلمات رنانة بليغة تقرع الآذان والقلوب معا عز نظيرها لدى أقتاله صدر الدولة العباسية وقتئذ. لقد كان قامة تهاب لسانه الخاصة والعامة في نفس الآن. لكن قصيدته هذه كانت بمثابة حكاية خاصة به، أما نحن فلنا حكاياتنا، يصعب تعدادها وحصرها في رقم معين.

   مر رمضان شهرا كاملا.. على البعض متباطئا وعلى الآخرين مسرعا.. كل حسب حالته النفسية ، لكن الجميع شبه متفق أن لرمضان خصوصياته التي ينفرد بها، ويكفي أن كان على رأسها ليونة الطباع رغم كونها كالحجارة أو أشد منها قسوة وصلابة فيما قبل. الشوارع تهدأ حين تطل الشمس صباحا فهي شبه خالية من الراجلين والسائقين كليهما، وإن كان المرجح استغراق غالبية الناس في سبات عميق. أما المساء فحركة دؤوبة بين جنبات المدن والأرياف، هذا يشتري حلويات للفطور وذاك يجادل في ثمن تفاح أحمر بائعه حتى إذا دنت ساعة الصفر لأذان فريضة المغرب انفض الكل لحال سبيله لأداء الصلاة والجلوس إلى مائدة الإفطار التي لا تخلو من لذيذ الأكل مما اشتهته النفوس ساعة العصر فعافته البطون بعد شرب سلطانية حساء. مر رمضان بأفراحه وأتراحه وها هو ذا العيد أقبل كتتويج للعمل الصالح الذي يرتجى من ورائه الجزاء الحسن.

   عيدنا حمل حكايات بعضها يسر والباقي كمد للقلوب، في العيد نلتقي الأحبة ونتبادل التهاني مع بعضنا البعض، نجتمع لصلاة العيد، نلتقي بالمغتربين حينا وبالمقيمين الذين لم يألفوا الظعن في أحايين أخرى. نجلس إليهم، نطرق السمع لمغامراتهم، كل يحكي حسب هواه، هذا هو عبق العيد إذا حل بمكان ما في هذا العالم عطره. مقابل هذا من عمق النظر يكتشف في حينه بعض الحلقات المفرغة المنزوعة قسرا من عقد متماسك، رجال ونساء كانوا بيننا في أعياد مضت واليوم صاروا إلى دار البقاء حيث التراب يجمعنا على عكس ما توهم به القناة الثانية مشاهديها الأوفياء في أنها الوحيدة القادرة على جمعهم بعبارة: (دوزيم تجمعنا).

   من حكايات عيدنا: تفجيرات بالعراق ومجازر يندى لها الجبين في بلاد الشام، وجوع ببلاد الصومال ولملمة جراح انقلاب بمصر الشقيقة ووجس وترقب لمغتصبات البوسنة وأنين للجرحى ومعاناة للإنسان في مختلف جنبات المعمور، ألم للفقراء، للمساكين، للضعفاء، للذين تتكلم التنظيمات باسمهم، لليتامى الذين أخطأهم حنين الآباء.

   عيدنا تذكر هؤلاء والالتفات إليهم. عيدنا عبادة، وفرح ومحبة وسرور.. عيدنا إيماننا بقدرتنا على تغيير أنفسنا والعالم من حولنا نحو الأفضل. فهنيئا للأمة الإسلامية جمعاء بعيدها، وكل عام والجميع بألف خير.

 

بقلم:احمد اضصالح

 







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.