الأحد 28 أبريل 2024| آخر تحديث 6:24 07/24



مصر الآن

    عبدالله توفيقي  مصر وإعادة إنتاج النموذج الجزائري في الحكم

   في مطلع التسعينيات من القرن العشرين وبعد  تقدم الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الدور الأول من الانتخابات التشريعية بحيازتها ثلثي مقاعد البرلمان ، تدخل ضباط الجيش الجزائري ليقوموا بانقلاب ابيض على الرئاسة بإيعاز من فرنسا ، ولإضفاء المصداقية على انقلابهم ألبسوه قناع الشرعية التاريخية ممثلة في تنصيب احد القيادات الوطنية  لحركة التحرير هو محمد بوضياف ، وبداية تصفية رموز الجبهة الإسلامية مما قضى على أهم أوجه الاعتدال ، وساعد في المقابل على انتعاش فكر سلفي منغلق ومهد لظهور جماعات مسلحة قاتلت بشراسة قوات الجيش في حرب أهلية عمرت عقدا من الزمن خلفت مقتل الملايين من السكان وعصفت بالأخضر واليابس لتترك المجال بعد ذلك لتنظيم القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي لينهي ما تبقى . وحافظت للجيش على التحكم في السلطة إلى اليوم بواجهات مدنية ، ولامتيازات بدون رقابة .

  أما  في مصر فالانقلاب العسكري الأخير لبس شرعية الشارع ونمق لها حفلا بروتوكوليا بشرعية رمزية لبابا الكنيسة القبطية وشيخ الأزهر الذي خطب في الجمع مسوغا ما يحدث بأنه : ” ارتكاب أخف الضررين ” . واليوم وضباط الجيش المصري يعيدون استنساخ النموذج الجزائري ويدقون طبول حرب أهلية  لن تبقي ولن تدر ، كان لزاما أن نقدم قراءة ل “ما يحدث في مصر الآن “بتعبير الروائي يوسف القعيد .

n    n   n

مقدمات ضرورية لفهم ما يحدث في مصر الآن:

      يبدو أن الصراع الشرس كان السمة المميزة لتاريخ علاقة تنظيم الإخوان المسلمين مع العسكر على امتداد تاريخ مصر المعاصر، وقد شكلت ثورة 25 يناير وانتصار الإخوان في الانتخابات التي أعقبتها فرصة فريدة لإعادة الاعتبار لحق المدنيين في تحمل مسؤولية رئاسة البلاد عبر انتخابات رئاسية ديمقراطية وشفافة  ، وبداية التأسيس لانتقال ديمقراطي ترجع فيه المؤسسة العسكرية إلى حجمها الطبيعي ووظيفتها الحقيقية المتمثلة في حماية الحدود وامن وسلامة المواطنين . غير أن العسكر الذي حكم مصر ستين سنة كاملة ، أي منذ انقلاب الضباط الأحرار على نظام الملك فاروق 23 يوليوز 1952 إلى ثورة 25 يناير 2012 ، عبر قيادات في الجيش من محمد نجيب  1952 – 1953ا فجمال عبد الناصر 1953 – 1970 ثم أنور السادات 1970 – 1982 وانتهاء بحسني مبارك 1982 – 2012   يبدو أنه لم يكن مطمئنا بشكل كبير إلى وجود محمد مرسي الرئيس المدني الأول في تاريخ الجمهورية المصرية في سدة الحكم ، وهو الذي هزم احمد شفيق مرشح الجيش ومنافسه الوحيد في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية ، ومتخوف من إقدام محمد مرسي على  تحجيم دور المؤسسة العسكرية والحد من تدخلها المباشر في العمل السياسي في البلاد على الطريقة التركية .. من هنا ستبدأ خريطة الطريق الأولى السرية للانقلاب عليه  (قبل خريطة المستقبل المعلنة بعض خطواتها والمسكوت عن اغلبها )عبر مخطط  تم التمهيد له بحملة إعلامية تهدف تشويه صورة تنظيم الإخوان المسلمين  في أذهان العامة عبر الفضائيات التلفزيونية الخاصة التي ساهمت في إشعال الحرب القذرة وإذكاء شعلتها،في غياب قانون منظم لقطاع الإعلام يكفل حق الرأي الآخر . قبل أن تدخل الولايات المتحدة على الخط  مكملة جبهة الانقلاب على الشرعية ،  وممهدة الطريق أمام الجيش ليتحكم من جديد في زمام الأمور عبر أحد خيارين : إما حكم عسكري عبر شخصيات مدنية  في الواجهة على الطريقة الجزائرية ، أو ترشيح مباشر لقواد جيش متقاعدين في انتخابات رئاسية لاحقا . ولعل في مسارعة السعودية و الإمارات لمنح الانقلابيين 12 مليار دولار خير حجة تكشف بالملموس اليد الخفية للولايات المتحدة الأمريكية التي وعدت بالمكافأة بصفتها الآمر بالصرف  بمجرد تنفيذ عملية الانقلاب ،  لتضاف إلى الإبقاء على مساعداتها للجيش كما هي دون أي تصرف .

فالولايات المتحدة تجد نفسها  اليوم مطوقة بإزعاج التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في كل ملفات سياستها الخارجية المتعلقة بالعالم الإسلامي بدءا من القضية الفلسطينية حيث تشكل حماس معرقلا لأية عملية سلمية وهمية بصفة مباشرة عبر جناحها العسكري أو غير مباشرة عبر الكتائب الفلسطينية الأخرى المسلحة الموجودة في غزة  ،  كما سيشكل  الإخوان المسلمون من داخل الائتلاف السوري حجرة عثرة أمام المبادرات الأمريكية في الموضوع وقوة ضاغطة لترجيح مبادرات أخرى عليها أوروبية كانت أو تركية .

  n    n   n

العسكر والمسؤولية التاريخية لإعلان الحرب الأهلية من طرف واحد :

      في الوقت الذي راهن فيه العسكر على عامل السرعة في تمرير عملية الانقلاب ،وتنصيب رئيس مدني وحكومة تكنوقراط وإيهام الخارج بأن الأوضاع هادئة وأن العملية تمت على أحسن ما يرام ، راهن الطرف الثاني المتمثل في الإخوان المسلمين على الاحتجاج السلمي بالاعتصام والصمود في الشارع العام في مشهد واحد متكرر لا يتغير منذ يوم الانقلاب مطالبا بعودة الشرعية وعودة الرئيس مرسي .

بعد أن ذبلت كل الأوراق في يد قائد الجيش الفريق السيسي وأهمها مطلب المصالحة الوطنية ، لم يبق أمامه إلا القفز من فوق رأس رئيس المحكمة الدستورية ” الرئيس الحالي شكليا  ” ليدعو المصريين إلى التظاهر في الشارع لأجل منحه تفويضا بمكافحة الإرهاب  ( ليكشف علنا من يحكم مصر)،  مسارعا بذلك إلى لعب الورقة الأخيرة في الانقلاب العسكري التي هي إعلان حالة الطوارئ (التي امتد العمل بها من 1982 إلى 2012)  – استكمالا للخطوات الأخرى التي تمت بتدرج والمتمثلة في عزل الرئيس وتلفيق تهم ضده ، وتعطيل العمل بالدستور ، وحل مجلس الشورى( البرلمان )- وهي خطوة ستخول للعسكر الحكم المباشر والاستيلاء الكامل على السلطة ، وستعطي تبريرا  لحملات الاعتقال والسجن بدون محاكمة والتعذيب والاختطاف والقتل بالرصاص الحي ،وكلها أفعال تحرج العسكر من ممارستها مباشرة بعد الانقلاب( حادث الحرس الجمهوري مثلا ) بدون غطاء قانوني أو ذريعة واقعية خاصة بعد تنديد الاتحاد الأوروبي بها .

       وبين العسكر والإخوان يقف طرف ثالث لا يمكن إهماله في المعادلة السياسية المصرية ممثلا في التيار السلفي المعتدل منه وغير المعتدل ، وهو الذي ما زال يحتفظ بصمته لحد الآن باستثناء التضامن الذي أبداه حزب البناء والتنمية مع أنصار مرسي وهو فصيل منشق عن الجماعة الإسلامية  ، أما حزب النور فقد بدا  في البداية غير معني بما حدث ، قبل أن يتم حل مجلس الشعب الذي يحتل فيه المرتبة الثانية بحسب عدد الأصوات لينتكس حينها ويسحب دعمه لتيار الانقلاب .  ويبدو أن ردة فعل السلفيين ستكون لاحقا أقوى من رد فعل الإخوان ، وذلك لحداثة عهدهم بالعمل السياسي،  مما سيسبب لهم خيبة أمل فيه وسيضفي المصداقية على خيارات الأجنحة المسلحة من داخل هذا التيار.

  n    n   n

         إن رهان الجيش على إقحام  مصر في حرب أهلية تحت أي مسمى ، يبدو من دون شك خيارا متهورا غير محسوب العواقب و سيكون له من الأضرار الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على بلادهم الشئ الكثير ، خاصة في ظل انقسام للشارع المصري . زيادة على ذلك فأحلك تاريخ العلاقة بين الغريمين التقليديين في مصر الجيش والإخوان  هي لحظات التضييق الأمني ، وإن المطلع على تاريخ مصر الحديث وتطور التنظيمات الإسلامية فيها  يعلم جيدا أن حملات القمع والاعتقال للقيادات في الغالب ما تفتح المجال أمام بروز قيادات شبابية قليلة التجربة وأجنح ما تكون إلى التطرف منه إلى الاعتدال  ، كما أن  “أدبيات المحنة” كتبت كلها من داخل السجون بما فيها كتابات سيد قطب الجهادية  ، فالعنف لا يولد إلا عنفا مضادا ، ويبدو أن القوم لن يستفيقوا من سباتهم، ويحكموا عقولهم إلا عندما سيجدون أنفسهم قابعين على  الأشلاء  والخراب .

بقلم: عبدالله توفيقي







تعليقات

  • je ne sais pas en qoui l’egypte nous concerne.c’est un pays loin de chez nous politiquement geografiquement …etc.je crois que le module à suivre est la tunisie,c’esi un pays maghrébin ,méme niveau etc…
    le site tiz press normalement est régionale;je crois que les sujtes et les points de vuedevrai rester à tiznit et environ,sujet sur tamazirt et tamazight la langue.
    tahiyati wa salam alaykoum.

  • الى العزيز رشيد :
    مقال الرأي مجال لتبليغ فكرة اكثر منه فسحة لتدقيق حقيقة خبر ، انا ركزت على السبب ولك انت ان تعد النتائج ، ما لانختلف فيه معا هو ان “عددا كبيرا ” بلغتك قد لقي حتفه نتيجة الانقلاب العسكري بالجزائر وهو ما لا نأمل ان يتكرر في مصر وبلاد اخرى ، ملاحظتك دفعتني لان ابحث عن حقيقة الامر فعدد ضحايا الحرب الاهلية في هذه العشرية السوداء بحسب احصائيات رسمية جزائرية هو : مائة وسبعون ألف قتيل وثلاثون مختطف مجهول المصير..هذا بلغة البشر ، اما بلغة الله فقتل نفس واحدة بغير حق يعدل عنده قتل الناس جميعا بما فيهم انا وانت يارشيد ..أعتذر فالامر غير مقصود ..زادك الله حرصا وعد . تحياتي

  • العشرية السوداء بالجزائر خلفت عديد كبير من الضحايا لكن الأمر لم يصل إلى مقتل ملايين السكان…لا تجعلوا تعاطفكم مع الإخوان يدفعكم إلى ترويج الأكاديب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.