السبت 4 مايو 2024| آخر تحديث 10:24 07/01



قيم “الطواليت”

قيم “الطواليت”

صورة 

   الطواليت”، “المرحاض”، الحمام”، “بيت الراحة” وبيت الماء” .. جميعها أسماء لمسمى واحد جُعل فضاء ومكانا يقضي فيه الناس حاجاتهم البيولوجية بعيدا عن الأعين ويتخلصون منها حفاظا على توازن الدورة الغذائية لأجسامهم وأبدانهم. لذلك لا ضير إن وجدنا الكثيرين يشتكون ندرة المراحيض العمومية في شتى المدن المغربية خاصة منها الكبيرة، ليكون ذلك أحد الأسباب التي تدفع البعض نحو إضفاء طابع خاص على الأسوار التاريخية للمدن العتيقة وأبوابها أو ترك ذلك في طرقات الناس ومسالكهم دونما حرج أو مبالاة.

  المراحيض العمومية اليوم، صارت استثمارا كبيرا ومصدرا مدرا لدخل مشرف يؤهل صاحبه ليصنف في خانة أثرياء البلد إن كان الحظ حليفه، ومن غيرهم يتربع على تسيير هذه المشاريع في المحطات الطرقية الكبيرة وأوساط المدن ويقوم على رأس شؤونها؟!، وإن كان الواقع على هذا الحال، فإن رواد هذه المراحيض يصنفون في شتى خانات التراتبية الاجتماعية وتبقى الطبقة الكادحة النسبة الأكبر مقارنة مع باقي الزبناء.  هؤلاء هم من ألفوا الاشتغال في الحر والبرد والثلج والمطر.. هؤلاء هم من يحملون الوطن على عاتقهم يقضون غالب حاجاته التي لا تنتهي.. إنهم المجتمع نفسه.

    واسمحوا لي إن قلت هذا الكلام وهو في محله، وإن كانت المدرسة العمومية هي المعبرة الأولى عن صورة أي مجتمع استنادا للمثل القائل: “إذا أردت أن تعرف طبيعة مجتمع ما فاذهب إلى المدرسة”.

   المراحيض العمومية كذلك صورة مصغرة عن قيم المجتمع في هذا العصر أينما وُجدت، في الأسواق والمحطات وكذا تلك التي عدت لبيوت الله تعالى. يكفي أن تدخل إلى أحدها لتصدق هذا الكلام. الجدران لم تسلم من العبارات، وخلف الأبواب كذلك.. عبارات تتضمن سبا وشتما وقذفا وفي أحايين أخرى أرقام هواتف لأناس يدعون الاستعداد لتقديم خدمات خاصة، ومجانا تضيف بعض الحالات، وشرح الواضحات من المُفضحات . في حين ينصرف البعض وهم قلة نحو رسم لوحات تعبيرية توحي لغتها إلى انتقاد سياسات معينة أو شخصيات نافدة فيكونوا بذلك قد نفسوا عن كربهم إذ لم يجدوا مكانا ومتنفسا آخر للتعبير سوى المرحاض العمومي، وكيف لا والأمر ليس بجديد، فالسيناتور الأمريكي (جو ليبيرمان) أجرى مرة لقاء خاصاً بأحد محطات الإذاعة عبر هاتفه، ليكتشف الجماهير فيما بعد أنه قد فعل ذلك وهو جالس في مرحاض!.

    ولأن المرحاض العمومي يُفتح في وجه العموم دونما تمييز لاشتراك في الهدف، فإن ما نلاحظه اليوم إنما هو إفرازات مجتمع حقيقية، منهك القوى ومهدد قيمه، يئن تحت وطأة الهجوم على قيمه، من طرف غرباء، سببوا لبعض أفراده المبدعين في “الطواليت تركيزا وتفكيرا سلبيين على حد تعبير الدكتور إبراهيم الفقي رحمة الله تعالى عليه   فانحازوا بإبداعهم نحو عالم السب والشتم وشبههما في مكان استنشقوا فيه عبق الحرية المفترضة فأبدعوا.

   إنها قيم”الطواليت تحتاج لدراسة والتفاتة بسيطة من ذوي الاختصاص لما زاحمت قيم المدرسة العمومية المعبرة الأولى عن القيم المجتمعية بشتى تجلياتها سيما حين انفجر هذا الإبداع ممزوجا بحرية مفترضة فلربما صار أكثر واقعية من المظاهر الخداعة، دراسة عميقة تنتهي إلى أمر يفيد “مبدعينا” ثقافيا بعيدا عن المساوئ والزلات.

   وللإشارة، فإغلاق دور القرآن والتضييق على الدعاة والمصلحين، وإقامة مهرجانات هنا وهنالك على أنقاض البؤس والفقر والألم لن يحد من هذه القيم، بل على العكس سيزيدها كما وكيفا ريثما يتصدى لها عقلاء هذا المجتمع المنتبهين لقول أمير الشعراء:

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم ………. فأقم عليهم مأتما و عويلا

 

بقلم: احمد اضصالح







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.