السبت 27 أبريل 2024| آخر تحديث 10:43 12/08



الأطفال في وضعية الشارع.. من الوجع إلى الأمل                               

الأطفال في وضعية الشارع.. من الوجع إلى الأمل                               

 حنان قريشي

تعتبر ظاهرة أطفال الشوارع من الظواهر المقلقة، التي تعاني منها كل المجتمعات سواء النامية أو الصناعية المتقدمة، نتيجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كالفقر والبطالة والحروب وغيرها.

 أخذت ظاهرة “أطفال الشوارع” بالمغرب في النمو بشكل كبير في السنوات الأخيرة، بحيث لا يخفى على أحد منا أن هذه الظاهرة، انتشرت في عدة مدن مغربية بأعداد كبيرة.. أطفال يتعرضون للاستغلال والاغتصاب في الكثير من الحالات. ما يطرح أمامنا تساؤلاً جوهريا حول الأسباب التي أدت إلى تفاقم حدة هذه الظاهرة بجهة سوس ماسة، رغم المجهودات التي تدّعي السلطات المعنية القيام بها لمحاصرتها، وكذا كيفية عيش هؤلاء الأطفال ومعاناتهم وسط أزقة وأحياء مدينتي آكادير وتزنيت !! و لماذا نجد أنفسنا كمواطنين و كمسؤولين و كمجتمع مدني، محرجين أمام هذا الوضع !

ما سنتطرق له من خلال هذا الاستطلاع الذي حاولنا أن نبسط من خلاله واقع “أطفال الشوارع”، والتنبيه لآلامهم وآمالهم، واقع مؤلم بتصريحات أكثر إيلاما، بحيث استمعنا إلى قصص واقعية لبعضهم، وكيف وجدوا أنفسهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.

” لست متشردا بالرغبة، ولا سارقا بالفطرة…”

جمعية رابطة الخير المتواجدة بعمالة انزكان أيت ملول التابعة لولاية آكادير، التي تم تأسيسها بتاريخ 12 يناير2013، تنشط على صعيد جهة سوس ماسة بالمجال القروي والحضري على السواء. تستهدف الأشخاص في وضعية صعبة من جميع الفئات العمرية، طاقتها الاستيعابية لا تتجاوز عشرة أطفال. التقينا داخل مركزها الإيوائي، بكل من يعقوب و ادريس و ابراهيم و حسن (أسماء مستعارة ليس إلا)، أطفال قضوا فترات طويلة بل سنوات بالشوارع، تحت العربات و السيارات المركونة، قرب المطاعم وفي الحدائق العمومية. فضلوا الشارع على البيت لأسباب منها العنف، التفكك الأسري، عدم الشعور بالحماية أو نتيجة الفقر والهشاشة.

يحكي لنا يعقوب في الـ17 من عمره القادم من الدارالبيضاء، سبب تشرده ومعاناته. يقول: ” لم يسبق لي أن ولجت  المدرسة، أنا كباقي الأطفال لم أحظى بطفولة عادية. كنت الإبن الوحيد لعائلتي، أبي متوفى وأمي ربة بيت… أنا أكره العنف، منذ صغري كنت أجد في الشارع ملاذي وكانت لدي أحلام وطموحات، ولو رجع بي التاريخ إلى الوراء لتمنيت أن أصلي و أقرأ القرآن و أعيش وسط أسرة تحتضنني وتحبني” وتابع كلامه بحرقة غيّرت من نبرات صوته ” أرى الناس بملابس نظيفة وأنيقة وأرى الأب مع أبنائه، فينتابني شعور بالوحدة والكآبة… حينما أطلب المال من المارة يسبونني أو يتنصلون مني بإشباعي بالنصائح التي لا أستجديهم. اتجهت بعد خروجي من منزلنا إلى المخدرات والكحول ، ومعاشرة أشخاص مشردين حتى أصبحت مثلهم.”

ادريس 13 سنة، ينحدر من منطقة بيوكرى، بالنسبة طفل صغير لم تفارقه الابتسامة طيلة حديثنا معه. يقول إن أمه تخلت عنه لأنها لم تستطع تحمل مسؤولية وعناء تربيته، و أنه أخا لإخوة آخرين وأمه الآن حامل، لم يسبق أن عرف والده من قبل، يقول “أمي لا تسأل عني البثة… تمدرست إلى حد المستوى الثاني ابتدائي تعاطيت للمخدرات –السليسيون- أنا عشت بالشارع، لم أكن سارقا ولا متشردا برغبتي… كنت أفر ممن يريدون استغلالي جنسيا، فأنا لا طاقة لي لمقاومتهم. أتمنى أن أتعلم حرفة الخياطة كي أنقد نفسي من هذه الحياة التي لم أخترها يوما”.

ابراهيم 15 سنة، قادم من مراكش.. مرت سنوات كثيرة وهو يتسكع بالشوارع، إلى أن جاء اليوم الذي ولج فيه إلى مؤسسة الرعاية الاجتماعية، كي ينعم على الأقل بحياة مستقرة. الأمر الذي لم يتحقق، بل ازدادت حياته سوءاً لصرامة نظامها الداخلي الذي لم يكن ليطيقه. “يعاملونني بعنف وقساوة شديدين، وكانوا يهينونني في شرفي وينقصون من قيمتي. الشيء الذي لم أتقبله فهربت مع يعقوب باتجاه أكادير”.

كان ابراهيم يفضّل أن يكون بدون مأوى، ويعرض نفسه للمخاطر على أن تتم معاملته بقساوة. خلق ابراهيم لنفسه عالماً في الشارع، وأصبح الخطر الذي كان معرضاً له هو من يفتعله: يسرق، يعتدي ويفعل كل ما يرغب فيه .

حسن 14 سنة، من نواحي آكادير، حالته مختلفة تماماً عن باقي الأطفال، فقد كان ينعم بحياة هنيئة مع والديه وإخوته. كان حسن تلميذاً محبا لدراسته، طموحاً بمستقبل أفضل. لم تكن لديه أدنى مشكلة لا في مدرسته ولا في بيته. لكن كل هذا النعيم والسكينة لم يدوما طويلا. فبعد أن انقلب حال أسرته إلى الأسوء ماديا، و تضاعفت المشاكل ، تعرف حسن على مجموعة من الأصدقاء السيئين الذين كانوا يشغلونه عن دراسته، ويحرضونه على فعل أشياء سيئة. عندما تلقت أسرته أخبار انحرافه وغياباته المتكررة عن الدراسة،  قررت حبسه بالمنزل ريثما يعود إلى صوابه. حسن لم يتقبل الأمر فهرب من المنزل ليتعاطى للمخدرات…

هنا بدأت رحلة تشرده، هي وقائع جاءتنا على لسان هذا الطفل، وكله ألم وحسرة على ما وصل إليه.

“ظاهرة أطفال الشوارع  من الظواهر المرتبطة بسوسيولوجية الأسرة والتفكك الأسري والرابط الأسري والعلاقات الجنسية ومنظومة القيم..

وتكاد تتشابه أسباب اختيار الشارع من طرف هؤلاء الأطفال بأطفال التقينا بهم بساحة المشور وعند المحطة بمدينة تزنيت، فمحمد 11 سنة (اسم مستعار)، اختار التسول بالمحطة مع ابن خالته، بسبب أوضاع أسرته التي نخرتها الهشاشة والتفكك، يقول “أضحت حياتي، بعد أن مرض والدي أمرا لا يطاق. حاولت العودة للمدرسة، غير أني وجدت نفسي فجأة، وبدون شعور، أحترف التسكع، وأتناول “الدوليو” والتدخين والمخدرات، و أتسول لتدبر المال والمصروف اليومي لمساعدة أمي التي تشتغل بإحدى الضيعات الفلاحية، على إعالة والدي و باقي إخوتي. أنا محب لكرة القدم، و أتمنى أن أصبح مشهورا يوما ما “.

و حسب معاينتنا للمحطة الطرقية بانزكان، لاحظنا تواجد أزيد من 10 أطفال، منهم من يجلس على أرصفتها، وبجنبات المحلات التجارية المحادية لها، ومنهم من لا يكل عن الحركة ذهابا و إيابا بها.

و تقول عائشة الأشكر مساعدة اجتماعية بجمعية رابطة الخير بعمالة إنزكان أيت ملول، في لقاء “المنصة” معها: “أنا أقوم برصد حالات الأطفال في وضعية الشارع، عند خروجي مع السائق في دوريات أسبوعية، أستقدمهم إلى المركز  وأستمع لهم في محاولة لمعرفة الظروف التي أخرجتهم للشارع، ثم أحاول دراسة جميع المعطيات المتعلقة بهم من خلال حصص للاستماع.

كما أتولى عملية البحث عن أقاربهم، وذويهم قصد ربط الاتصال بهم وتمكينهم من العودة إلى منازلهم. وعندما يرفضون ذلك نمدهم ببعض المساعدات كالأغطية والأطعمة والملابس وبعض الخدمات الطبية والشبه طبية. أو نقترح عليم الالتحاق بمركزنا “.

عائشة الاشكر
عائشة الاشكر

أما عن الأطفال الذين يعيشون بصفة دائمة في وضعية الشارع، فليست هناك أية إمكانية ليستفيدوا مباشرة من العلاجات الصحية إذ تنحصر استفادتهم فيما يقدمه المتطوعون و الجمعيات فحسب..

وأوضحت عائشة الأشكر، وهي تتأسف: “الجمعية تجد نفسها أمام إشكال الأطفال غير المسجلين في دفتر الحالة المدنية، لأن أغلب هؤلاء الأطفال مولودون خارج مؤسسة الزواج ما يعرضهم للإقصاء والنظرة السلبية في المجتمع. وهذا يرفع احتمال تخلي الأمهات عنهم بسبب تجريم العلاقات خارج إطار الزواج والإجهاض”.

نظم الحماية الاجتماعية سبب في ظاهرة أطفال الشوارع

يقول الباحث المغربي في علم الاجتماع و الأستاذ الجامعي محمد الحسني في حديثه معنا  “ظاهرة أطفال الشوارع  من الظواهر المرتبطة بسوسيولوجية الأسرة والتفكك الأسري والرابط الأسري والعلاقات الجنسية ومنظومة القيم. هي تنتمي إلى مايسميه دوركايم بالأنوميا أو اللامعيارية، أي حالة اللانظام، حيث تختفي القيم أو تتعارض، فتحدث حالة فوضى و قلق”. وتابع حديثه، “إن الرابط الأسري هو الاسمنت الذي يضمن تماسك المجتمع، و إذا تراخى فسينتج بالضرورة أطفال الشوارع بمعنى أطفال خارج نطاق الأسرة”.

الباحث المغربي في علم الاجتماع و الأستاذ الجامعي محمد الحسني

هذا على المستوى الماكروسوسيولوجي، أما على المستوى الميكروسوسيولوجي، يضيف الباحث: “الأطفال كائنات اجتماعية لها وعي وتمثلات ونظرة للمجتمع. علينا أن ندرس مساراتهم وأسباب خروجهم إلى الشارع، ولماذا لفظتهم الأسرة، إن شئنا التعبير؟ وكيف يدبرون معيشهم اليومي؟ و سيرورة الوصم التي يتعرضون لها، وسلوكات وأنماط الفعل التي يتعاطون لها كالتسول مثلا. وهل هم واعون بوضعهم ؟”.

ويؤكد محمد الحسني  بأن الصراعات و العنف العائلي والطرد المباشر من الأسرة، من أهم أسباب نشوء هذه الظاهرة. ويأتي الفقر والعوز  بالإضافة إلى اليتم، ضمن الأسباب الأخرى لاختيار هؤلاء الصغار الشارع.

نتحدث كذلك عن الزواج المبكر والهدر المدرسي. وأضاف: “هذه الظاهرة هي حصيلة للتحولات التي مست البناء الاجتماعي و أنماط التفكير و غيرها. و لها علاقة أيضا بما هو مؤسسي، أقصد السياسات الحكومية التي تنهجها الدولة ومدى مواكبتها لما يحصل في المجتمع “.

لقد عرف السياق الديموغرافي والسوسيو اقتصادي تطورات هامة، أدت إلى تغيير أنماط العيش، غير أن هذا التحديث الذي تحقق بوثيرة سريعة، لم يواكبه تطور بنفس الإيقاع لنظم الحماية الاجتماعية، مما حال دون استفادة شرائح اجتماعية واسعة من ثمار التنمية. وأصبح الإقصاء الاجتماعي للأطفال ظاهرة مقلقة، خاصة الفئات الأكثر هشاشة ضمنهم الأطفال المتخلى عنهم و الأطفال في وضعية صعبة.

وأوضح لنا المتحدث، أن العديد من هذه الفئات في المجتمع المغربي تقابل بالوصم و القدح والأحكام الجاهزة، مع ما يصاحبها من تهميش و إقصاء.

هكذا ينظر إلى الأطفال في وضعية الشارع كمنحرفين و”شماكرية” ولا ينظر إليهم كضحايا أو أطفال انتهكت حقوقهم. وشدد قائلا ” هي مسألة تصحيح للوعي، لكي تصحح النظرة تجاه هؤلاء الأطفال. فالذنب ذنب المجتمع ككل، الذي أنتج لنا نماذج جديدة للسلوك، من بينها السلوك الجنسي الذي لم يعد يخضع بالضرورة لرقابة القيم التقليدية”.

وتستمر أشكال التمييز ضد هؤلاء الأطفال، فالملاحظ أن في مجال الحماية الاجتماعية وخاصة تفعيل التأمين الإجباري على المرض ونظام المساعدة الصحية راميد وصندوق التماسك الاجتماعي والتعويض عن فقدان الشغل والمساعدات المالية للنساء الأرامل في وضعية هشة، اللواتي لهن أطفال، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لم يؤد إلا إلى تراجع طفيف جدا في حدة التمييز الذي يتعرض له الأطفال، حسب ماجاء به تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2016. فالأطفال الذين يعيشون بصفة دائمة في وضعية الشارع، لا يتمتعون بحقوقهم كباقي الأطفال، الأمر الذي أكداه لنا رئيسي جمعية رابطة الخير بانزكان وجمعية أولاد تزنيت بتزنيت.

مؤقتاً في دور الرعاية الاجتماعية.. لاحقا في عالم الجريمة  والاستغلال و العنف

بالنسبة لجهة سوس ماسة، و تحديدا إقليم تزنيت، فإن ظاهرة أطفال الشوارع حديثة نسبيا على الأقل بشكلها الملفت للنظر. و يقول مولود آمان الله، مندوب التعاون الوطني بنفس الإقليم، في حواره معنا، إن التعاون الوطني هو مؤسسة اجتماعية بوصاية وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، التي تشتغل بصفة عامة مع الأشخاص في وضعية صعبة، سيما المرأة والطفل والمسنين بدون مأوى. ويضيف:

مولود آمان الله، مندوب التعاون الوطني

“يمكن الحديث اليوم عن مؤسسة اجتماعية بامتياز للقرب تشتغل على عدة برامج مع هذه الفئات، حيث يجتمع المشرفون على المؤسسة الاجتماعية مع المرشدين الاجتماعيين، الذين يقومون بعمل القرب، وعملية مسح للأشخاص الذين يعيشون في الشارع، ومساعدتهم حسب الإمكانيات وحسب رغباتهم، و نحن كمؤسسة، نشتغل مع المجتمع المدني بتداخل مع جميع الشركاء الذين يشتغلون في الميدان الاجتماعي، ومع اللجنة الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ومع باقي الفرقاء الآخرين، ومع الجماعات والمقاطعات المحلية، وأحيانا بالتدبير المفوض. حيث ندعم الجمعيات ماديا من أجل التكفل بالأطفال و المسنين، والمرأة في وضعية صعبة…

“الآن يوجد جيل جديد من المراكز.. مركز المساعدة الاجتماعية ومركز للمرأة متعدد الوظائف، ومركز الاستماع والتوجيه لمساعدة الأشخاص في وضعية إعاقة، لكنها حاليا غير متوفرة  بالإقليم”.

وأوضح مندوب التعاون الوطني، أنه يجب أن تتقوى برامج التماسك والتكافل الاجتماعي، بالنظر إلى أن المجتمع المغربي مجتمع إسلامي.

وبالنسبة لظاهرة الأطفال في وضعية صعبة، فقد اعتبرها ظاهرة واضحة في المجتمع المغربي، لأسباب عدة ضمنها التفكك الأسري والفقر والتعاطي للمخدرات وزواج القاصرات، حيث يجب مواكبتها طيلة السنة، وليس في وقت البرد والشتاء فقط، وأنهم يحاولون بتضافر جهود جميع المتدخلين، من السلطات المحلية، وجمعيات المجتمع المدني، أن يساعدوا أكبر عدد من الأشخاص الذين يعيشون في وضعية الشارع، خاصة النساء والأطفال. وأكد من خلال زياراته لعدة دول أجنبية، أن الظاهرة عالمية متحركة ومركبة ومن الصعب إحصاؤها، إذ يجب الاشتغال عليها وعلى البنية التحية، كي يتم استقبال هؤلاء الأشخاص وادمإاجهم إدماجا صحيحا في المجتمع، عبر تكوينهم في معاهد التكوين المهني، وورشات الصناعة وغيرها من الحرف.

وإذا كانت الدولة ملزمة بوضع خطط استباقية لمحاصرة الظاهرة، فللأسف “لا نتوفر على إحصائيات شاملة و دقيقة إلى حد الآن “.

رغم قلة الإحصائيات الرسمية، يمكن تقديم بعض البيانات التي يجوز أخذها مأخذ الجد للفت انتباه الرأي العام إلى خطورة هذه الظاهرة و إلى عواقبها، فطفل الشارع يتحول إلى شخص منحرف. حيث يؤكد التقرير الذي كشفت عنه المندوبية السامية للتخطيط، فيما يتعلق بتشرد الأطفال المغاربة في شوارع و مدن المملكة، أن 3 أطفال من بين 10 بدون مأوى هن فتيات. وبحسب نتائج إحصاء 2014، بلغ عدد الأطفال بدون مأوى 660 طفلا، منهم 30.2 في المائة إناث وثلثاهم يقطنون بالمدار الحضري، أي 73.6 في المائة. وهو رقم كبير يدق ناقوس الخطر حول واقع الطفولة بالمغرب.

وبخصوص الحلول التي من الممكن تقديمها للحد من ظاهرة أطفال في وضعية صعبة، فقد أوضح مندوب التعاون الوطني بأن “الظاهرة هي حصيلة إفرازات المجتمعات الحديثة، لكن هذا لا يمنع من إيجاد حلول، تمكن من إعادة إدماج هذه الفئة. فالحاجة مازالت ماسة إلى بذل مزيد من الجهود في مجال حقوق الطفل”.

إحراج  للمسؤولين و للمجتمع المدني… والقضاء في قفص الاتهام

“أطفال الشوارع ظاهرة موجودة بجميع المدن المغربية، وثيرتها على صعيد الإقليم متوسطة إلى حد ما … سأقول إنها تتحكم فينا. نحن نراقب حركيتها وديناميتها المستمرة…أضحكتني استعارة أحد المسؤولين حينما كنا معه في اجتماع، عندما قال نحن كلنا كالعروس وهي جالسة على الهودج –العمارية-  لا تفعل وإنما يفعل بها “.

خالد وصيف

تلك إجابة لم يتردد خالد وصيف رئيس جمعية أولاد تزنيت ومدير مؤقت لدار الإيواء لنفس الجمعية بالتصريح بها، عند سؤالنا له عن وضعية أطفال الشوارع، وكيف يتمثلها المجتمع المدني..

ودار الإيواء لجمعية أولاد تزنيت، تم إحداثها 2017/5/5 هدفها رعاية الأشخاص في وضعية صعبة، سواء أطفال أو نساء أو مسنين أو مختلين عقليا. طاقتها الاستيعابية تقدر ب 12 سرير، إذ توفر لهم المبيت والأكل و الشرب والرعاية الصحية. و أكد لنا خالد وصيف أنها الدار الوحيدة المتواجدة بالاقليم. وعن عدد الحالات من الأطفال التي توافدت على المركز لسنتين، فيؤكد قائلا “استقبلنا منذ افتتاح دار الإيواء إلى حدود 2018، 98 حالة، منها 10 بالمائة أطفال و 40 بالمائة نساء و50 بالمائة رجال. والمشكل الذي كنا نصادفه و لازلنا، هو المعيش اليومي لهؤلاء النزلاء بالدار، لأن الدعم الذي نحصل عليه غير كاف… قد عقدنا شراكات مع الجماعة والمجلس الإقليمي على أساس الاستفادة من الدعم المادي، لكننا لازلنا ننتظر… جميل أن نتحدث عن القانون وعن تطبيقه واحترامه، والأجمل أن الكل أصبح يدافع عن قانون 05-14 الذي يلزم وجود معايير مقننة بدفتر التحملات، تحتوي على شروط تعجيزية في بنية وتصميم المركز وتجهيزاته لكي يتمكن من الاستفادة من الدعم الذي يحتاجه “.. متابعا حديثه وقد رسمت على وجه ابتسامة ساخرة “تم وضعي تحت تدابير الحراسة النظرية لتسع ساعات حتى ينتهي التحقيق في حالة وفاة حصلت بالدار. كانت وفاة طبيعية… هل كان أفضل لي أن أتركه يموت بالشارع؟.. لدينا ترخيص للجمعية وليس لدار الإيواء… هي تعقيدات في المساطر الإدارية التي لا نجد لها ضرورة …”.

أكد لنا الأمر ذاته المندوب الإقليمي للتعاون الوطني بنفس المدينة، حينما صرح بقوة “من يحمينا إذا أحضرنا  طفلا في وضعية صعبة، و مات فجأة بالمؤسسة؟ ليس لدينا أي سند أوحماية قانونية في هذه النازلة” ويقول ابراهيم نجا وهو رئيس جمعية رابطة الخير لرعاية الأشخاص في وضعية صعبة: “نتعرض لجميع أشكال الإهانات والسب، و أحيانا اعتداءات جسدية تمارس علينا، لكننا لا نبالي فهدفنا إنساني بامتياز.

واستمر في الحديث “نقف مصدومين أمام المادة 7 من مشروع قانون المالية – فيما يخص النظام الضريبي- التي تعتبر الجمعية مثلها مثل الشركة أو المقاولة”. وقد دعت الجمعيات في وقت قريب إلى تمييز المشرع بين الجمعيات و الشركات على المستوى الضريبي، و حجتها في ذلك أن الشركات تهدف إلى الربح بينما الجمعيات لا تهدف إليه. بالتالي من غير المعقول أن يطبق النظام الضريبي نفسه على الاثنين معا.

وكشف عمر بن بوهو مدير مركز رابطة الخير بعمالة انزكان أيت ملول، أنهم يجدون صعوبات كثيرة لدمج الأطفال في وضعية الشارع. فالطفل الذي قضى أكثر من عشر سنوات، و هو يفترش الأرض و يلتحف السماء و يتعاطى أصناف من المخدرات، يصعب عليه التقيد بشروط وقوانين المركز التي تراعي منظومة القيم. وأضاف “نشتغل بالإمكانيات المتوفرة لدينا، و بالأطر والتجهيزات الهزيلة التي تحرجنا كلما حل فصل الشتاء و البرد…

عمر بن بوهو

نتوفر حاليا على مساعدة اجتماعية واحدة و طبيب نفسي واحد على صعيد جهة سوس ماسة كلها. وفي إطار تحقيق أهداف المركز فقد حاولنا قدر الإمكان ملء فراغ هؤلاء الأطفال، بجعلهم يمارسون الرياضات التي يحبونها وتنظيم بعض الأنشطة الترفيهية. أؤكد لك سيدتي أن هاجس كل الجمعيات مادي بالدرجة الأولى، نحن نحارب لأجل هؤلاء الأطفال قصد تأمين الحياة والرعاية لهم” .

واعتبرت بسيمة الحقاوي، وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، سابقا، بأن وضعية أطفال الشوارع بمثابة إحراج للمسؤولين والمواطنين والمجتمع، موضحة في ردها على سؤال لأحد النواب البرلمانيين في البرلمان، في يناير الماضي، أن وضع هؤلاء الأطفال مؤلم، وأن عدد المشردين في شوارع المغرب بلغ 3830 حالة سنة 2018، منهم 241 طفلاً. وهو ما دفع الوزارة لوضع سياسة عمومية مندمجة لتأهيل البنيات والمؤسسات المستقبلة لهم بهدف إنقاذهم من الشارع. وقالت الوزيرة السابقة حينها “نراهن على دور الطالب والطالبة، ونتمنى أن تساهم وزارة التربية الوطنية في هذا الأمر، لكي نساهم في التقليل من نسبة التسرب المدرسي، وبالتالي الإبقاء عليهم في المدارس والمؤسسات التعليمية”.

لكن إذا كنا نراهن على هذه الدور، فيجب إعادة تأهيلها و تجهيزها. نأخد مثال حالة دار الطالب و الطالبة بتزنيت، إذ يؤكد رئيس جمعية أولاد تزنيت خالد وصيف “دور الطالب والطالبة بمدينة تزنيت، بمثابة مصنع للعلف ليس إلا، هذا حسب شهادة الطلبة المتمدرسين بها. فنصف فضاءاتها مغلقة لا يستفيد منها أحد، وتبرير القائمين عليها يستند إلى ماجاء به المشرع عن اختصاصات الأكل و الشرب و المبيت فقط، بالتالي كيف لنا أن نراهن عليها”.

وأشارت المسؤولة الحكومية السابقة إلى عمل الوزارة المعنية بالقطاع بشكل مستمر من خلال رهانها على الشراكة مع المجالس الترابية حتى تصبح المدن المغربية خالية من أطفال الشوارع، وأفادت أن المغرب يعتمد على المقاربة الحقوقية بشكل أساسي دون غيرها من أجل وضع حل للظاهرة.

“أليس الأجدر بنا الاهتمام بالأطفال الذين سنخلفهم للعالم بدل الانشغال بالعالم الذي سنخلفه للأطفال”..

ولم يتحدث البلاغ عن أطفال الشوارع باعتبارهم متهمين، بل حمل مسؤولية تشردهم وانحرافهم للقضاء، مؤكدا أنه يساهم بشكل كبير في تفكيك الأسر المغربية، بسبب اعتماده مقاربة المساطر القانونية المتشددة والمجردة، دون مراعاة للتداعيات الإنسانية المستقبلية..
ويطالب مركز حقوق الإنسان المغربي الحكومة، بضرورة إعادة دراسة ميدانية دقيقة، لضبط ظاهرة أطفال الشوارع بشكل دقيق، ووضع سياسة عمومية ديمقراطية من شأنها الحد من الظاهرة، وتأمين ظروف ملائمة لحماية الأطفال.

وفي فبراير الماضي، دعا الوكيل العام في المغرب محمد عبد النباوي، إلى “الاهتمام بقضايا أطفال الشوارع” وتفعيل المقتضيات القانونية التي يتيحها القانون، لاسيما المقتضيات المتعلقة بالأطفال في وضعية صعبة، والأطفال المتخلى عنهم، من أجل القضاء على هذه الظاهرة، وتوفير ملاذات آمنة لهم، سواء داخل أسرهم أو عن طريق تطبيق تدابير الحماية أو التهذيب أو تدابير الحراسة المؤقتة.

وسبق أن بدأت المملكة المغربية، سنة 2015، في تطبيق سياسة عمومية مندمجة لحماية الطفولة وتمتد حتى سنة 2025. وترمي هذه السياسة تعزيز الإطار القانوني لحماية الطفل، ووضع أدوات إقليمية مندمجة لهذه الحماية مع إرساء نظام معلوماتي دقيق لمواكبة وتتبع وتقييم السياسات.

ولعل مقولة المدير العام لمنظمة اليونسكو سابقا فريدريك سوطومايور “أليس الأجدر بنا الاهتمام بالأطفال الذين سنخلفهم للعالم بدل الانشغال بالعالم الذي سنخلفه للأطفال” في ختام الخطاب الذي ألقاه بمناسبة سنة الأمم المتحدة للتسامح سنة 1995،  أسمى دليل على الدور الأساسي للطفل في مجال التنمية المستدامة، ورهان يتعين على السياسات العمومية أن تكسبه، وتحدّ وجب رفعه من أجل الطفل -مواطن الغد-.







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.