الأحد 28 أبريل 2024| آخر تحديث 12:39 06/06



“خطبة الجمعة بين الرهان والطموح”

“خطبة الجمعة بين الرهان والطموح”

idhhaimoud med

مؤسسة المسجد و المواطن ورهان الإصلاح والطموح، هل من علاقة جدلية قائمة بين هذه المكونات؟؟وما الإشكالية وما الرهان وما هي الحلول المقترحة؟؟؟

لقد كانت مؤسسة  المسجد في الزمن الأول أحد المعالم التاريخية التي رغد المجتمع المدني أو البدائي في أحضانه، ففزع إليه وإلى إمامه في السراء والضراء،  وفي المنشط والمكره،  وفي السر والعلن، وهو في خدمة الجميع في كل وقت وحين في إطار مبدأ “كلكم سواسية أمام القانون”فكيف ينسى الناس فضله بهجره وهجر جماعته مع استحضار الثلاثية الإصلاحية التي تمحورت عليه أهم أهدافه وعناصره منذ تأسيسه،  ولأجله أسس أصلا الفرد، الأسرة والمجتمع بكل أطيافه ومكوناته،  مع مراعاة أحوال أهله وما جرى عليه العمل في بلادهم وأعرافهم، دون تحيز أو تجاوز للنص الشرعي الذي يقيد الاجتهاد حتى لا يصير ويسقط في دائرة الشذوذ التي نهى الشارع عنها، وحذر من الأخذ عن ذويها والركون إلى أهلها.

تأسست المساجد لدور الإصلاح والتخليق، ولا يجحد أحد أن الفقيه من الأطباء في مهنة التطبيب وتشريح ظواهر الواقع وتوقعاته، و الذين وَكلَ لهم – أي الفقهاء – الشارع مهمة معالجة الأحوال، وفهم الوقائع والنوازل بالإجابة عن التساؤلات التي يعج بها الحقل الاجتماعي والسياسي، ومسايرة وتسيير الخلافات، ومحاولة فهم وتحليل مختلف العقود المعقدة والمعاملات المالية التي تصدر من رحم الأسواق التجارية والعالمية من الناحية المادية,إضافة إلى أشكال التسويق الفكري باعتباره العملة الصعبة والأكثر رواجا وتصديرا إلى بلاد المسلمين, مع استحقاق المهر والجائزة التي تنظر الضيف الكريم – الذي أغنى سوق الشغل بالفساد وحقق نسب العجز مع الشرف والتشجيع والتنويه- في آخر المطاف حين نجاح المخطط وضمان صيرورته؟؟؟

ها هو الفقيه أو الخطيب أمام صياغة خطبة جمعة لا يتوفر إلا على مواد أولية لإنقاذ ومعالجة وتصوير الواقع, ومحاولة تكييف النص الشرعي بمختلف العقود والمعاملات المتولدة والمستجدة, فما العمل إذا؟؟؟مهمة صعبة حقا,وقد تستغرق منه الوقت الكثير  لكونها حالات مستعصية,وهو لا يملك إلا قلما وحبرا وورقة, و ربما لن يكفيه ذلك الحبر إن قارنه بالبحر المتلاطم من الأمواج الهائجة التي تحمل في طياتها وأعماقها آلاف الإشكالات والقضايا والمشكلات فكرية نفسية عقدية اجتماعية ثقافية اقتصادية, خاصة بالشباب والشبيبة نسوة ورجالا كهولا وشبانا كل ينتظر بفائق الصبر جوابه وما يعنيه من عموم الخطاب ومطلقه؟؟؟ولكن ربما لما شقت وكثرت عليهم عملية ومنهج الاستقراء,حاولوا أن يتجاهلوها ويتناسوها حسب القاعدة الأصولية المشهورة في عرفهم “ما لا يدرك كله يترك جله“!!! لينتقل الفقيه إلى درس أو خطبة أو موعظة في الأخلاق العامة, أو الثقافة الإسلامية, أو التربية الفكرية والتأملية, أو الرياضة العقلية التلغيزية التي لا يفهمها إلا الفقهاء والمتمكنون الذين درسوا خليلا فقها,وأجازهم سبويه لغة؟؟؟!!

هذا الواقع ليس مستنبطا أو مستلهما من خيال علمي أو تجريدي بل هو واقع معاش,يعاني منه الصغير والكبير والقاصي والبادي؟؟!

وكثيرا ما نسمع عبارات التنكيت عند الانتشار والسعي في أرض الله الواسعة بعد سماع الخطبة, وكثيرا ما يسارع البعض ليباغت زميله في قاعة الدرس أو العمل عشية الجمعة بسؤال كثيرا ما وُوجِهتُ به وأفزعني,حتى أصابني بعقدة في نفسي, وأتحرج كلما سألني “والدي” عن استذكار موضوع أو عنوان الخطبة أو السؤال المباشر السهل الممتنع ماذا استفدت من الخطبة؟!!!؟فلا أجد جوابا شافيا,فأتهم بالكلخ المبين!!!؟طبعا لأنني قصدت المسجد والخطبة, والتزمت بالآداب الشرعية المرغوبة سمعا وطاعة وكأن الطير على رأسي والأسود جلوس بجنبي؟؟؟!!! لكن مع الأسف لا أجد ضالتي وما يروي ضمئي, ولكن لا ألوم الفقيه بقدر ما ألوم نفسي, فكثيرا ما أصاب بغلبة النعاس والنوم الشديد والسبات العميق أثناء الخطبة, فينازعني في أمري فلا يتركني لحظة لمتابعة الخطيب, ولو كان فوق المنبر يزلزله, و يهتز من كلماته وعباراته وصوته الجهوري, وينبه الغافلين أمثالي كلما أخذتنا نوبة أو سهوة؟؟!! بل ولربما يطول بي النوم إلا حين سماع نداء تسوية الصفوف وإقامتها؟؟!

وحتى لا يكون الكلام روائيا إنشائيا أو منقولا من تلاوة السَنة الأولى ابتدائي أو درس في النشاط العلمي حول البيئة والتأمل في المخلوقات والمحجورات – على وزن الأولى – ؟؟!!! سأحاول أن أناقش  مسألة لطالما أثارت انتباهي,فقصدت عمدا أن أثيرها بين يدي إخواني بعد هذا التقديم والتمهيد, لعل أئمتنا ينتبهوا إليها و يناقشونا ويصوبوا خطأنا إن كنا مخطئين ضالين مضلين,ومبدعين مبتدعين؟؟؟!!!

فلنتساءل جميعا ما هي مقاصد الخطبة هذه المناسبة والفرح الأسبوعي؟؟ أهو الكلام الذي يذكر والفصاحة والبلاغة التي تُسرد وتعرض بها الخطبة, وربما تكون معرضا وفرصة لاستعراض العضلات بالتكلف في إنشاء عبارات السجع والمجامع؟!!!؟ أم أن للخطبة مقاصد أخرى وضعها الشارع كمصالح دينية ودنيوية,تتحق للفرد والمجتمع في العاجلة والآخرة؟؟؟ فإن كان الأمر بالمقصد فلم لا تكون الخطبة ممزوجة بشيء من التدريج – اللسان الدريجي المعروف في بلادنا – مراعاة لأحوال الناس ولسانهم؟؟؟لأنني كثيرا ما أنظر بعين الرحمة والشفقة إلى هؤلاء المساكين الذين يسجلون حضورهم كل يوم جمعة في الصفوف الأولى, ويدنون من الإمام كي لا يُطبع على قلوبهم, مع الحرص الشديد على متابعة حركات الإمام وسكناته, ولكنهم لا يفهمون ولا يفقهون شيئا – كما يحكون عن حالهم – من قول الإمام إلا “اللهم صل على سيدنا محمد….” وقوله “سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين…” وهذه العبارة هي التي ينتظرونها بالشوق والهمة, لأن أغلبهم يحفظها ويتقنها وكذلك التي يقول فيها فإلى الخطبة المقبلة وسنتم الموضوع إن بارك الله في الأعمار, وكثيرا ما يرجع المساكين من هذا الاجتماع الرباني الإيماني بخُفي حنين إن لم أقل بنسبة 40 % من عامة المستمعين, ممن سجلوا في لوائح محو الأمية بالموسم الدراسي الجديد,أليس لهم نصيب وحظ من الخطبة;فائدة نصيحة توجيه حُكم يحملونه لأهليهم يُغنيه من تتبع قراءة عناوين جريدة الأسبوع..؟؟؟

“إذا كانت الأمور بمقاصدها” كما يقرر جمهور الفقهاء, فلابد من إعادة النظر في المسألة ومراجعة القواعد العامة والكلية ومقاصد الشريعة التي وضعت من أجلها, مع العلم بأن “الشارع وضع الشريعة على اعتبار المصالح باتفاق” – كما يقول الإمام الشاطبي رحمة الله عليه –

ومما يبشر بالخير أن بعض الأئمة الذين تجمعنا بهم الأقدار في سفر ونحن عابري سبيل في بعض الجهات والبقاع, قد تجاوزوا هذه النظرة وهذه الرؤية المنغلقة المتحجرة والحرفية التي ترجع على مقاصد الشريعة بالقصف والنسف والإبطال.

إن المتتبع لأحكام الله سيجد أن من حكمته البالغة أن وضع لكل حكم تكليفي ما يناسبه من حِكم وأسرار جلية أو خفية, ظاهرة أو باطنة, علمها من علمها, وجهلها من جهلها,وقد يخشى على الأمة  أن ترجع إلى القول بعدم عِلية الأحكام,كما يقرر أهل الظاهر في القرنين ما بعد الأول,ومادامت المسألة خلافية وقد أثيرت في مناسبات عدة وخصوصا في يتعلق بمسلمي الهند, فقد أجابت فتوى صدرت من المجمع الفقهي بجواز إلقاء الخطبة باللغة المحلية, وليس شرطا في الخطبة الالتزام باللغة العربية مع استثنائهم للآيات القرآنية ودعاء الحاجة الذي تُقدم وتُستهل به الخطبة,كسنة نبوية لازمت خطب النبي عليه أفضل الصلاة والسلام,كي يُعَود الناس على سماع القرآن وتعلمه,وذهب البعض إلى القول بوجوب وضرورة إلقاء الخطبة باللغة العربية لاعتبار خطبة الجمعة من الصلاة متصلة بها,وهناك من اعتدل وتوسط فقال بإلقاء الخطبة بالعربية, وبعدها أو قبلها تلقى باللغة المحلية مراعاة لوضعية الناس وظروفهم القاهرة من الجهل والأمية.

وهذا موضوع نقاش وتلاقح علمي,ربما يدفعني ويدفع غيري من أهل الفضول وشهوة العلم والتعلم, إلى الاطلاع والبحث والتنقيب في كتب الفقه حول جواز خطبة الجمعة بغير اللسان العربي, مع التساؤل على المقاصد والغايات التي تهدف لبلوغها وتحقيقها. وتعلقا بالعنوان أقول أن نجاح خطبة الجمعة رهينٌ مضاعفة أكلها وزرعها وبدو ثمارها بمحاولة دمجها باللسان المحلي, لسان عامة القوم,لتعم الفائدة وتبسط ليقطف من ثمارها عامة المارة,وليس من المعقول أن يحرم أحد كيف ما كان مستواه العلمي والثقافي,فلابد من إتحافه وإغنائه عن السؤال – عبر القنوات الإعلامية المشرقية وطلب يد العون بالفتيا خارج البلد كأن ليس بالمغرب عالم فقيه مجتهد مجدد؟؟!!! –  كمقبل وزائر من زوار بيت الله يلتمس التزود بعلم ينفعه في دنياه وفي قبره وعند لقاء ربه,وهذا هو الطموح لمعالجة ظواهر الشرك و التمحل في ظلمات الجهل, والبحث عن كيفية سلك السبيل الأمثل إلى التمدن والتحضر والتخليق والمواطنة للرقي بالفرد والمواطن المغربي أخلاقيا ومعنويا وفكريا, لبناء الأنموذج الحضاري الإسلامي المطلوب, أمام تحديات العولمة و التقدم والتكنولوجيا الحديثة,التي تعترف بمبدأ إقصاء وتهميش الضعيف والمتخلف ولا تلتفت إليه,وسرعان ما تطرحه جانبا في مزبلة التاريخ وحاشيته,إن آنست منه العجز عن المسايرة والمواكبة أو رداءة في التدبير والتخطيط والتسيير والترشيد, وهذا الوضع كفيل ببذل ومضاعفة الجهد وصدق النيات من أئمة المساجد وخطبائها, فهذه مهمة موكولة إليهم شرعا, وتحملوها طوعا لا كرها, فكان لزاما عليهم الوفاء بها سيرا على طريق إنجاح البرنامج والعمل الإصلاحي الهادف الذي تقوده أعلى سلطة بالبلاد.

فما كان من توفيق وصواب فمن الله, وما كان من خطأ وزلل فمن نفسي ومن الشيطان,وأعوذ بالله من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه.أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين,سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 

                                                                           بقلم : محمد أمين إدحيمود







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.