الخميس 9 مايو 2024| آخر تحديث 10:58 01/13



تسرب المعلومات ويكيليكس

ربما لم يبق أحد لم يسمع ويطلع على وثائق هذا الجني “أوسانج” فقد استطاع اختراق 400 ألف وثيقة سرية للدول والشخصيات فاهتزت الأرض من الأخبار، وعرفنا أنه ليست ثمة من أسرار، واهتزت ثقة العرب بأميركا كما اهتزت سمعة جوقة السياسيين في أرجاء المعمورة.
أهمية ما فعله هذا الشاب الأسترالي الحر أننا أدركنا طبيعة العالم الرقمي الذي نعيش فيه، فأي حوالة مالية ديجتال وأي كمبيوتر ديجتال وأي مكالمة ووثيقة وخط وبرقية ونت وحديث وجوجل وتويتر كله عالم جديد مكشوف مخترق من أشباح الإلكترونيات في ثقافة الإنترنت وجدلية الاتصالات. نحن دخلنا عصر الإنترنت ولا نعرف ما الإنترنت بعد. فما هو الإنترنت وما هي ثقافة الإنترنت.
إن عصر الإنترنت يختصر بثلاث كلمات: لم تعد مسافات. والرسالة التي تصل من غرفة إلى غرفة في نفس البيت تصل بنفس السرعة إلى قرية نائية في جبال الأنديز. وبذلك كسر العلم الجغرافيا وأنهى عصر احتكار المعلومات وقتل الرقابة قتلا. فأصبح الناس بنعمة الإنترنت إخوانا يتنفسون الحرية بأمواج إلكترونية.
والإنترنت يعني عصر انفساح المعلومات فلم يبق سرية وأسرار. وهذا يعني تراكما معرفيا وتسارعا علميا يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار. والمشكلة في المعلومات اليوم ليست شحها بل طوفانها الذي يهدر بموج كالجبال. ومن لم يفهم هذه الحقيقة فهو رجعي ولو لبس نظارة إيطالية وتدلت من صدره ربطة عنق أميركية.
وعصر الإنترنت يعني ثالثاً انتهاء عصر الفردية وأي عقل يتغذى حاليا من عقل جمعي جبار في حجم الكرة الأرضية.
وهذه الحقائق الثلاث تلقي الضوء على أمور تحدث في العالم العربي تظهر عدم التكيف مع (صدمة المستقبل) كما يسميها (ألفين توفلر).
والسؤال هل الإنترنت هو للدخول وقراءة المعلومة فقط أم هل يسمح بالاطلاع وتبادل الرأي مهما كان ضارا ومعارضا وحراما وعيبا في نظر (البعض).
وفي هذه المشكلة تبرز ثلاث تحديات:
أولاً: ما الفرق بين (التفكير) و(التعبير) أو الاطلاع والاتصال أو قراءة المعلومة ونقلها؟
ثانياً: (علاقة الجغرافيا بالسياسة) أو (التكنولوجيا بالمراقبة)؛ فالإنترنت اليوم كسر الجغرافيا، ولكن رجال أجهزة أمن العالم يريدون اصطياد أطباق طائرة بمكانس ساحرات العصور الوسطى. مثل العد بطريقة الأصابع في وقت رياضيات التفاضل والتكامل. ومن وقف في وجه عجلة التاريخ سحقته ولم تبال.

ثالثاً: فرض دخول عصر العولمة تحولا في السياسة، وفلسفة نقل الأفكار تقوم على ثلاث أفكار:

(1) عندما نحرم نقل المعلومات نخطئ ثلاثاً فليس هناك من وسط لتصحيح الأفكار ونموها مثل نقلها والجدل فيها.

واعتبر (برتراند راسل) في كتابه (السلطان) أن أفضل طريقة لنمو عقل الأطفال هو عرض المتناقض والمتباين عليه. مثل التيار الكهربي الذي لم يكن ليفيد لولا تردده. والكهرباء الساكنة لا يعول عليها مقابل الكهرباء المتناوبة.

(2) والعقل ليس بقاصر ولا يستيقظ مثل تغذيته المستمرة بدفق المعلومات فلا وصاية على العقل كما قال الفيلسوف (كانط) من أي مؤسسة دينية أو حزبية.

(3) وعندما يقسم البعض هذا حلال وهذا حرام فيجب أن نجيبهم بما قال القرآن “هل عندكم من علم فتخرجوه لنا. إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون”. وهذا يعني إعادة نشر الأفكار للنقاش فيها. والكمبيوتر لا قيمة له بدون شاشة عرض وإلا كان علبة صفيح لا أكثر.

إننا في عالم العروبة نخلط بين (المعلومة) و(نشرها) فنسمح بـ (حرية التفكير) ونحرّم (حرية التعبير). ولكن حرمة التعبير تقتل التفكير والتعبير معاً. والعقل في العادة لا يطلب إذناً لممارسة وظيفته. فالدماغ يفكر كما يخفق القلب وتتنفس الرئة.

ثم هب أننا قطعنا الألسنة كما كان يفعل الفراعنة مع خدم الأهرام فيدفنون مع أسراره وكنوز فرعون؛ فهل يستجيب اللسان حقاً أم يحدث ما حصل في قصة (الحلاق والمزامير).

نقلا عن ايلاف

خالص جلبي