الأربعاء 24 أبريل 2024| آخر تحديث 12:03 06/29



مانا إلا “بــشــر”……..ونتا كلك خطر

مانا إلا  “بــشــر”……..ونتا كلك خطر

شكلت اشعار و أغاني رواد الأغنية المغربية ( بكل روافدها و أطيافها) ينبوعا راسما لملامح الإنسان المغربي و ناطقا باسمه في مختلف أطوار حياته،  وعاكسا للحظات معيشه اليومي و مناسباته ، همومه و أفراحه ،  آماله و آلامه ، حركاته و سكناته.

ولا شك أن عشاق هذا الفن الأصيل ما زالوا يتذكرون ، من بين روائع الزمن الجميل للأغنية المغربية الناطقة بالعربية ، رائعة الفنان عبد الوهاب الدكالي  التي تحمل عنوان   ” مانا إلا بشر…”  و التي تقول:

مــانــــا إلا بــشــر

عــنــدي قــلــب نــظــر

وانـــت كــلــك خــطـــر

ماتـــبــقـــاشـي تــحــقــق فــيــا

ماتـــقـــول لــي  حــتــى كــلــمــة

أأأاانـــــا  …..ضــد الــحــكــمــة

وراضـــي بــالــقــســمـــة و مـا كــتــاب

ف الــحــب عــلــي

و لــي عــشــق الــجــمــال

و الــنــخــوة و الـــدلال

إلى مات  ءيــمــوت حلال….

مــسكــيــن شــهــيــد …ونــعـــم…نــعــم الــتــضــحــيــة.

 

تذكرت هذه الاغنية  الجميلة  في خضم الجدل الدائر على الساحة السياسية  هذه الأيام  بسبب الفضيحة التي تورط فيها وزير حقوق الانسان ، و تبادر الى ذهنياسمالمرحومة   ” بشر” التي  كانت قيد حياتها مكلفة بتدبير و تسيير شؤون مكتب المحاماة التابع  لنفس الوزير، و حاولت إعادة قراءة كلمات و معاني هذه الاغنية ، و تفاجأت بالتشابه الكبير بين أحداث و موضوع الأغنية  مع أحداث و موضوع ” فضيحة الوزير”  خاصة بعد تداول وثيقة منسوبة الى والد المرحومة يحاول من خلالها  تبرئة ذمة الوزير و تحميل مسؤولية عدم التسجيل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للضحية  ” بشر” .

البداية بعنوان  و مقدمة الأغنية  في علاقتهما باسم الضحية : “مانا إلا بشر” بمعنى ”  أنا لست الا بشرا”  ، وهي عبارة  توحي بالتواضع  والاعتراف بالعجز والضعف أمام الآخر الذي يرمز الى القوة في كل شئ : في المنصب و المال والنسب والانتماء و  الجاه و الجمال.هذا التطابق بين عنوان القصيدة واسم المرحومة ” بشر” لا يستبعد أن يكون السيد الوزير قد استوعبه تمام الاستيعاب لكن في الاتجاه المعاكس،  و حاول استغلاله   طيلة فترة اشتغال المرحومة  في مكتبه لفترة تقارب  24 سنة ، مما حدا به الى التنقيص من قيمتها  و بالتالي عدم الاكتراث بمسألة التصريح بها لدى صندوق الضمان الاجتماعي كحق من حقوق الأجير.

بعد التقديم تبوح المتحدثة بما يخالج صدرها من مشاعر و أحاسيس جياشة و بقدرتها على تعرف الآخر  ومجال سلوكه و أخلاقه، و تصريحها لمخاطبها مباشرة بأنه يشكل خطرا كبيرا  ” …و انت كلك خطر”.

رغم اكتشافها لنوايا مخاطبها وخطورته استمرت ” بشر” في تقبل الأمر الواقع  رغم مرارته (عدم التصريح بها لدى صندوق الضمان الاجتماعي  و هو ما يتنافى مع ابسط الحقوق / أي   ضد الحكمة)  كما هو حال جل البنات و النساء اللائي يتعرضن باستمرار الى التحرش و الاعتداء  و الدوس على حقوقهن، بسبب الفاقة و قصر ذات اليد ، وبالتالي فوضت أمرها لله معلنة إيمانها بالقدر واستعدادها للتضحية و الشهادة،  ( راضيا بالقسمة و ما كتاب  في الحب عليا / و للي عشق الجمال …..الى مات ءيموت حلال…شهيد…نعم التضحية ). و هنا يمكن استنتاج أن المرحومة ربما  وقعت في عشق مشغلها  وكانت تمني النفس بالتفاتة منه كالزواج مثلا ، لذلك لم تتسرع في تسجيل نفسها بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لما طلب منها ذلك حسب ما يروج .

بعد وفاة المرحومة، و عوض التكفير عن غلطته  بتقديم استقالته أو على الأقل  الاعتراف  بالخطأ و الاعتذار  لكل من أساء اليه ، حرص الوزير على الالتزام و تنفيذ رؤية  ” بــشـــر”  الواردة في نص الأغنية و هي الشهادة في سبيل الحب. و لتحقيق صفة ” الشهيدة  ”  للمرحومة ، بادر الوزير ، بتواطؤ مع والد الضحية ”  بشر”  ، الى تحرير ” بيان إدانة” في يوم  له دلالة عميقة في وجدان الحقوقيين و عامة المغاربة الا وهو يوم 20 يونيو الذي يصادف ذكرى الأحداث الأليمة التي وقعت بمدينة الدار البيضاء سنة 1981 و التي ذهب ضحيتها عدد كبير من  المواطنين العزل  أطلق عليهم وزير الداخلية الأسبق مصطلح  ” شهداء الكوميرا”  . وهكذا انضاف الى هؤلاء الشهداء ، المرحومة ” بشر” ليكون لدينا مصطلح جديد الا و هو شهداء  “CNSS” .

عود على بدء، بسبب قضية  “جميلة ” ، و عوض أن يقوم الوزير بتطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ،قام بربط الماضي الأسود(  فيما يتعلق بوضعية حقوق الانسان في البلاد)  بالحاضر الملطخ بفضائحه و فضائح أمثاله، و هو ما يشكل خطرا حقيقيا كما جاء في بداية الأغنية: كـلـك خـطـر:

  • خطر على صورة البلاد الخارجية خاصة عند المنظمات  و الهيئات التي تعنى بحقوق الانسان.
  • خطر على التماسك الاجتماعي و العلاقة بين العمال و مشغليهم و امكانية نشوب توترات اجتماعية .
  • خطر على الدولة و مؤسساتها بسبب عدم احترام الدستور من طرف عضو بالجهاز التنفيذي …
  • خطر على الدين الاسلامي الذي يتم تشويهه بسبب فضائح سياسيين يدعون اعتماده مرجعية لمشروعهم السياسي .

قال الله تبارك و تعالى في محكم كتابه : ” أتأمرون الناس بالبر و تنسون انفسكم و انتم تتلون الكتاب افلا تعقلون”

صدق الله العظيم.

 

محمد فضيل

تيزنيت في:  28/06/2020

 

 







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.