الإثنين 13 مايو 2024| آخر تحديث 12:41 05/23



هل تعلم حزب العدالة والتنمية السياسة في بضعة أشهر؟

تضاربت الآراء بشأن الطريقة التي تعامل بها حزب العدالة والتنمية طيلة سنة 2011، مع ما كان يمكن أن يتحول إلى نسخة مغربية من “الربيع العربي”. فهناك من اتهمه بـ”الخيانة” لأنه لم يتجاوب مع حركة الشارع رغم أنه كان يمثل يومها قوة المعارضة الاولى في مجلس النواب، وكان بإمكانه إعطاء زخم لا بأس به لحركة 20 فبراير.
وهناك من اتهمه بـ”الميكيافلية” بما أنه استغل حراك الشارع لتقديم نفسه كأخف الضررين، ونجح في استثمار المرحلة لتحقيق أهدافه الحزبية الضيقة.

وهناك أخيرا، من وصف موقفه بـ”الوطنية والعقلانية”، لأنه لو نزل إلى الشارع يومها لما كان في مقدور أحد التنبؤ بما في رحم الغيب من مفاجآت، لن تخرج بأية حال عما نشاهده اليوم من نماذج في البلدان التي اجتاحها الربيع العربي.

عملا بمبدإ “الشك يفسر لصالح المتهم”، وانطلاقا من أن تلاحق الأحداث وتسارعها في الأسابيع الأولى من شهر يناير 2011 على امتداد الخريطة العربية، ترك مختلف الفاعلين في حيرة، لأن ما حدث تجاوز كل السيناريوهات والاحتمالات، وتغليبا لمبدإ “حسن النية”، يمكن أن يتم “إخلاء سبيل” حزب العدالة والتنمية وحفظ ملف “20 فبراير” ودوره فيه، سلبا كان أو إيجابا.
لكننا اليوم في وضع، لن يكون فيه من اليسير اللجوء إلى “روح القانون” في التعامل مع أي موقف مستجد لحزب العدالة والتنمية، الذي أصبح مسؤولا حاليا عن ترجمة المكاسب القليلة التي جاء بها دستور 2011، ترجمة صحيحة على أرض الواقع، وعدم ترك ثغرات يمكن أن تتسلل منها الكثير من “الكائنات” التي لا شك في أنها لا تفارق مخيلة السيد رئيس الحكومة في اليقظة والمنام.

إن ما يعطي للتغيير في المغرب صورة “الاستثناء” الإيجابي طبعا، هو أن ننجح في تحقيق المطلوب بأقل الأساليب عنفا، ودون تكرار سيناريوهات دول الجوار، وهذا ما لا يمكن أن يتحقق بمجرد الأماني الطيبة والوجبات الخطابية والإنشائية التي أصبحت عاجزة عن مسايرة سرعة العصر.
فالكل أدرك منذ البداية أن المعركة لن تكون سهلة، لأن “الدولة العميقة” – بتعبير الأشقاء في مصر- لا يمكن أن تتنازل بسهولة عما تعتبره مكتسبات، وبالتالي فبالقدر الذي تُطلب فيه “السياسة والكياسة”، مطلوب أيضا بين الفينة والأخرى الضرب على الطاولة، لتنبيه الغافلين بأن “الربيع” مر من هناك، لكن قد يعقبه صيف وخريف وشتاء ليعود الربيع من جديد فالسياسة مواسم كالفلاحة، على رأي رئيس أمريكي سابق…

إن الوضع الحالي في المغرب غير مسبوق لعدة أسباب..
منها أننا أمام بداية تشكل خريطة حزبية تقطع مع زمن تفريخ الأحزاب عشية أية انتخابات.. وضمان فوزها بالأغلبية أوتوماتيكيا..
ومنها أننا أمام حزب نجح في الحصول على عدد غير مسبوق من المقاعد عكس ما كان عليه الحال عندما كانت التعددية تعني التشرذم..وتوزيع دم المؤسسة التشريعية بين القبائل الحزبية..
ومنها أن مغاربة 2013 ليسوا مغاربة 1963 الذين كانت إذاعة الرباط المصدر الوحيد للأخبار بالنسبة إليهم، فالأنترنيت -حتى لا ننسى- هو “الحزب” الذي أشعل “الثورة” في الدول المجاورة…
ومنها أيضا أن مستوى الوعي السياسي ارتفع -رغم كل ما يقال-، فلم يعد بالإمكان سوق الناس كالقطعان إلى المذابح وشغلهم بضجيج الطبول وعبق البخور..
ومنها أن العزوف السياسي لم يعد مجرد موقف سلبي يمكن أن يخدم الوضع القائم، بل أثبتت الحالة التونسية تحديدا أن النار يمكن أن تندلع فجأة، ولن يجدي “الفهم” المتأخر شيئا أمامها…
إن هذه المتغيرات، لابد أن تكون حاضرة في أذهان صناع القرار وهم يتعاملون مع الوقائع المتغيرة والتطورات المتلاحقة، حتى لا يخطؤوا الحساب في لحظة تاريخية لن تفوت أي خطإ.
ومن هنا يمكن أن نتحدث عن دور قد يكون تاريخيا بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، الذي طاردته تهمة “المخزنة” عند التأسيس، وتلاحقه اليوم تهمة “إجهاض” التغيير الفعلي – حتى لا ننساق مع محبي كلمة “ثورة”-.
بطبيعة الحال ليس المطلوب هنا الدخول في مواجهة صريحة مع المؤسسة الملكية، ولا السعي إلى تغيير أسس الدولة، بل فقط استغلال اللحظة للتأسيس لأسلوب جديد يرسم حدودا واضحة بين صلاحيات كافة السلطات الدستورية، على أساس ديموقراطي شفاف يقطع مع تعدد مراكز القرار الظاهرة والخفية، ومع الصراعات الجانبية التي تستعمل فيها أحيانا أساليب غير نظيفة.
فاليوم يتضح من توجهات الرأي العام، ولو في حدود معينة، أن حزب العدالة والتنمية لم يخسر الكثير من رصيده الشعبي عكس ما حدث مثلا للاتحاد الاشتراكي بعد تجربة التناوب، علما أنه لا قياس بين المرحلتين..
كما أن هناك شبه إجماع بين المتابعين والمحللين على أن هذا الحزب يمكن أن يخرج فائزا من أية انتخابات يتم إجراؤها حاليا، خاصة بعد التعاطف الذي تضاعف منذ الخرجة الأخيرة لحزب الاستقلال..
لكن السؤال هنا يتعلق بما إذا كان حزب العدالة والتنمية مستعدا لدخول مواجهة صريحة وبوجه مكشوف مع “التماسيح” ومحركي الخيوط من خلف الستار؟
فاليوم هناك قناعة لدى البعض -قد نتفق وقد نختلف معها- بأن أمين عام حزب الاستقلال يخوض حربا بالوكالة نيابة عن جهات لا تملك الجرأة لنزع أشواكها بيدها، وبالتالي فمعركة البي جي دي المفترضة، لن تكون حزبية محضة، بل لها أهداف أكبر تتمثل في كشف الغطاء عن المتدخلين الذين يزرعون الألغام في طريق التجربة الديموقراطية، ويضعون كل أنواع العصي في عجلة الانتقال الفعلي نحو مرحلة دولة المؤسسات.

صحيح أن هناك حسابات وتوازنات غير مرئية تحد من هامش المناورة لتداخل وتشابك الكثير من خطوط التماس، ما جعل كثيرين يستبعدون أصلا سيناريو الانتخابات المبكرة، لأن الأمر يتجاوز الصراع على رقعة الشطرنج الداخلية، إلى مصالح عليا ليس أقلها خفض تصنيف المغرب على جدول الاستقرار والاستثمار، وبالتالي فإن اللعبة حارقة على كافة المستويات، وقد يكمن الحل في قطع جميع الأطراف نصف الطريق للتلاقي عند نقطة تحفظ ماء وجه الجميع تحت سقف “التوافق” وشعار “لا غالب ولا مغلوب”.

ما يستحق التوقف عنده هنا، هو التغيير الذي طرأ على استراتيجية حزب العدالة والتنمية، حيث كان أول قرار تم اتخاذه، قطع الطريق على التصريحات المنفلتة لبعض العداليين، وبالتالي لاحظنا كيف أن التطورات تلاحقت دون أن يكون هناك موقف من أي نوع لحزب المصباح رغم كثرة القذائف التي تعرض لها، والتي تم تسخير الإعلام العمومي كالعادة لتضخيمها.
وإذا سلمنا بأن حزب العدالة والتنمية تعلم كثيرا  في أشهر معدودة، حيث لا وجه للمقارنة مثلا بين خرجات رئيس الحكومة في أيامه الأولى وخرجاته حاليا على مستوى “الرصانة” و”الثقل”، فإن المشكلة تكمن في السؤال التالي : من في مقدوره إعادة المردة التي خرجت من أكثر من قمقم حزبي، بدعوى إغراق الساحة في الشعبوية حتى لا تترك الساحة فارغة أمام بن كيران؟ وقبل ذلك من في إمكانه التنبؤ بما يمكن أن تقدم عليه هذه “العفاريت” من خطوات غير محسوبة في المستقبل؟
عن افتتاحية أسبوعية “أصداء” العدد 885 الأربعاء 22 ماي 2013