الأحد 5 مايو 2024| آخر تحديث 9:45 02/26



الفصل العاشر:قراءة ثانية وفاء للديمقراطية

الفصل العاشر:قراءة ثانية وفاء للديمقراطية

قد يبدو مفارقاتيا هذا الاهتمام المتزايد في النقاش العمومي المغربي بالمعارضة و واقعها والأدوار المطلوبة منها،ذلك ان التركيز عادة ما ينصب على الاغلبية الحاكمة وتقييم حصيلة ادائها،في حين تمارس المعارضة دورها الطبيعي و المشروع في الكشف عن تعثرات الحكومة و اخفاقاتها ،فتبني مشروعيتها على انقاض شعبية قد تفقدها الاحزاب الحاكمة في حالة فشلها في الوفاء بالتزاماتها امام الشعوب.تلك هي القواعد الطبيعية للعبة السياسية في الاعراف الديمقراطية الكونية.غير ان الحالة المغربية تحيل على وضع يدعو الى التأمل و محاولة الفهم.فرغم كل الجهود المبذولة لتسفيه مجهودات الحكومة و تبريز بعض اطراف المعارضة ،غير ان سهام النقد سرعان ما تعود لتصوب للمعارضة.

غير ان النصيب الاوفر من هذا النقد، يتجه الى المعارضة المؤسساتية المعلنة و المتمثلة في الاحزاب السياسية خارج التحالف الحكومي، دون ان ينفذ الى معارضة غير معلنة، إلا ان وسائلها اقوى و نفوذها اكبر مما يكبح القدرة على كشفها و التصدي المباشر لها، فتتم الاستعاضة عن ذلك بمهاجمة المعارضة الطبيعية لتمرير الرسائل الضمنية
لقوى ،بقدر ما تملك القدرة على اعاقة المسار الديمقراطي،بقدر ما تطور آليات التكيف مع كل المستجدات لتحافظ على طابعها الغيبي المستعصي على المواجهة، حتى كاد المغاربة يعتبرونها قدرا حتميا او الجزء الاكثر واقعية و تحديدا في “الاستثناء المغربي”.

هذا الواقع يدعو كل المؤمنين بالنضال الديمقراطي الى العمل على تقوية المعارضة المؤسساتية و التصدي لمخطط استهداف الاحزاب و افراغ الممارسة الحزبية من كل المعاني السياسية النبيلة، لتستحيل مجالا لإرضاء النزوات الشخصية و اشباع نزوعات ابعد ما تكون عن الديمقراطية،فتنتفي بذلك استقلالية القرار الحزبي لنظل في منطق احادية القطبية السياسية و تركز سلطة القرار ،رغم استكمال الشروط الظاهرية لممارسة ديمقراطية شكلية .لا بد للمعارضة ان تتوقف عن لعب دور الضحية متخذة الفصل العاشر حائطا للمبكى تذرف عليه دموعها كلما انفلتت منها المبادرة و فقدت القدرة على تقويض خطاب الحكومة.

لنعد الى الفصل العاشر الذي تكاد المعارضة توهمنا انه يلغي مشروعية التمثيل القائمة على نتائج الانتخابات لينصبها حاكمة على الاغلبية الحاكمة فترفض منطق التمثيل النسبي في الهياكل و تحتج على المحاصصة الزمنية حتى انها تسعى لإخراس الاغلبية المنتخبة و تحويلها الى مجرد آلة للتصويت و التصفيق للحكومة.
لنتأمل مضامين الفصل العاشر:

يضمن الدستور ،بصفة خاصة للمعارضة الحقوق التالية:

– حرية الرأي و التعبير و الاجتماع:وهي حقوق لا يصادرها احد ،حتى ان حرية الرأي تم تمييعها ليصل الخطاب السياسي المعارض الى مستوى غير مسبوق من الابتذال والخواء القيمي.

– حيز زمني في وسائل الاعلام الرسمية يتناسب مع تمثيليتها:بعد صدور تقرير الهاكا الراصد لمعدلات حضور الاحزاب السياسية في الاعلام العمومي ،حق لأحزاب الاغلبية ان تطالب بتعديل دستوري يتضمن فصلا عاشرا مكررا يضمن لها حيزا زمنيا في وسائل الاعلام الرسمية بما يتناسب مع تمثيليتها، ما دام حزبا معارضا واحدا قد تمكن من الولوج الى الاعلام الرسمي اكثر من احزاب الاغلبية التي تظل ديمقراطيا في حاجة الى مساحات للتواصل مع المواطنين لتشرح حيثيات القرارات التي تتخذها.

– الاستفادة من التمويل العمومي،وفق مقتضيات القانون:بعد صدور تقرير المجلس الاعلى للحسابات يتبين ان الدعم العمومي للأحزاب السياسية لا منطق له، حيث تدعم احزاب اقل حضورا في المشهد السياسي من احزاب كبيرة ذات مساحة تاطيرية و اشعاعية واسعة.

– المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع:بالنظر الى حصيلة العمل البرلماني، يتبين ان المجال مفتوح للمعارضة لتبادر تشريعيا إلا اذا عرقلت مشاركتها ذاتيا.

– المشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي:لم تعش معارضة ظروفا أفضل من التي تعيشها المعارضة الحالية لولا افلاسها.فالحكومة الحالية تجيب عن كل الاسئلة المطروحة حتى انها قبلت من الاسئلة الانية ما يفوق المائة بالمائة حتى عجز مجلس النواب عن برمجتها،فضلا عن ان الحكومة لا تنفك تذكر بمقتضيات الفصل 102 الذي يمنح للبرلمان الحق في الاستماع الى مسؤولي الادارات و المؤسسات و المقاولات العمومية. غير ان هؤلاء المسؤولين في حالة مثولهم امام اللجان المختصة يجدون حضورا و التزاما في النقاش من اعضاء الاغلبية و هو ما يحدث في الجلسات العامة للأسئلة الشفوية التي تنتهي بمقاعد فارغة للمعارضة في مقابل التزام نواب الاغلبية او جزء من الاغلبية.

– المساهمة في اقتراح المترشحين و في انتخاب اعضاء المحكمة الدستورية:و هو اجراء ينتظر التفعيل لحظة استحداث الهيئات الدستورية ،غير ان كل المؤشرات تدل على ان المعارضة ستجد مكانها دون عناء ما دامت تصل بيسر الى المناصب التي تعلنها الحكومة كما تمثل في مختلف اللجان التي تكونها هذه الاخيرة .يبقى ان الفصل العاشر المكرر المقترح اعلاه يجب ان يتضمن الدعوة الى ضمان تمثيلية الاغلبية في ما ذكر من مواقع .لان واقع الحال يلح على ضرورة هذا التنصيص.

– تمثيلية ملائمة في الانشطة الداخلية لمجلسي البرلمان:لا شيء يمنع المعارضة من هذه التمثيلية و التشخيص الموضوعي ينبئ بتمثيليتها المكافئة في احيان عديدة لتمثيلية الاغلبية.

– رئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع بمجلس النواب:وهو المتحقق فعليا.

– التوفر على وسائل ملائمة للنهوض بمهامها المؤسسية:في اللحظة التي تتوفر فيها الاغلبية على هذه الوسائل،يمكن للمعارضة ان تطالب بها ايضا.اللهم ان كان التنصيص الدستوري على هذا الحق للمعارضة سيجعله حصريا عليها .

– الحيوية المساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية للدفاع عن القضايا العادلة للوطن و مصالحه:اما المساهمة العددية فحاصلة بما يكافئ او يفوق مساهمة الاغلبية،واما الفاعلية و القدرة على الدفاع عن مصالح الوطن فعلى المعارضة ان تعاود قراءة الفصل العاشر من هذا المنطلق لتقيم اداءها ذاتيا.

– المساهمة في تاطير و تمثيل المواطنين من خلال الاحزاب المكونة لها فضلا عن ممارسة السلطة عن طريق التناوب الديمقراطي محليا و جهويا و وطنيا :على احزاب المعارضة ان تستثمر في المناخ السياسي الحالي لتمارس ادوارها التاطيرية و هو ما لن يتأتى لها إلا عن طريق معاودة بناء جسمها الحزبي و ديمقراطيتها الداخلية لان الوظيفة التاطيرية لا تمارس بافتعال الصراع مع الحكومة ،كما لا تكمن في اكتساح المجال الاعلامي او ترويج الشائعات من خلاله.انها عمل دؤوب للمناضلين في القرى و الارياف و الاحياء الشعبية،انها نزول للقيادات الى المغرب العميق للتواصل مع ساكنته بدل القبوع في الفنادق الفخمة،انها بناء للهياكل والتزام بالاستحقاق التنظيمي الداخلي ديمقراطيا،انها خطاب ينطق بالمصداقية التي يقرها الواقع الذي يرصده الناس بعيدا عن الاضواء.انها نضال و تضحيات في الصباح و المساء.

يبقى ان على المعارضة في سياق تباكيها على الفصل العاشر ان تستحضر دعوته اياها ان تساهم في العمل البرلماني بكيفية فعالة و بناءة.

ولتفعل ذلك،يجب ان تؤهل النخب القادرة على ان تردي لباسا على مقاس الفصل العاشر لأنه فصل غير موجه للأسف الشديد للمعارضة الحالية و نخبها و احزابها.

وبما ان الطبيعة لا تقبل الفراغ،و بما ان لا ديمقراطية بدون معارضة قوية و فاعلة ،فلا بد من الاشارة ال ان الفصل العاشر المكرر الذي جددنا الاشارة الى حاجة مشهدنا السياسي اليه يمكن ان يشير الى البند التالي

– في حالة عجز المعارضة عن اداء مهامها ،يمكن للأغلبية ان تمارس المعارضة كلما اقتضت الضرورة ذلك فلنُخضِع جميعا الفصل العاشر لقراءة ثانية.

مقال للنائبة البرلمانية نشر بهيسبريس نعيد نشره بتيزبريس لتعميم الفائدة