السبت 27 أبريل 2024| آخر تحديث 11:14 06/18



أي لسان ستتكلم به “تيزنيت” بعد عقد من الآن؟

أي لسان ستتكلم به “تيزنيت” بعد عقد من الآن؟

Captureإلى حد قريب، كانت “تيزنيت” شبه خالية من جيوش المتسولين والشحاذين، ومن أحداث يكون أبطالها عادة محترفي الدعارة وتجار اللحم البشري، والذين يحملون على رقابهم هكتارات الأراضي لفائدة “مافيا العقار”، ومن الضجيج والضوضاء، ومن جرائم ووقائع أخرى فريدة تختلط فيها الدراما بالهزل والضحك..

لذا قد لا يكون مبالغة إن قلنا إن من حلّل المحطات التاريخية لمدينة “تيزنيت” منذ تأسيسها سنة 1882 على يد “المولى الحسن الأول” إلى حدود اليوم، سيكتشف لا محالة تحولا كبيرا عبر الأنماط الثقافية لهذه المدينة الهادئة، وتغيرا غير مسبوق بالبنيات اللغوية لساكنتها، وفي ظرف وجيز.

وإذا كانت اللغة هي المعبرة عن الفكر والثقافة ونمط العيش وكل ما من شأنه أن يرمز لماهية الإنسان، فإن الكثير من الباحثين قد أولوها عناية خاصة وسهروا على حماية بعضها من الاندثار حتى لا تضيع حلقات من التاريخ البشري في بقعة جغرافية ما، لدرجة جعلت “سقراط” يخاطب أحد تلاميذه الذي لم يتكلم في حضرته  قائلا: “تكلم حتى أراك” !.

وأمام مرور الأزمنة، وظهور ما بات يعرف في الأوساط الفكرية بداية تسعينيات القرن الماضي ب”العولمة”، تحول العالم إلى قرية صغيرة تكرس التنميط والهيمنة والتبعية وتسعى وراء وأد الاختلاف والتعدد اعتمادا على وسائل تكنولوجية صارت اليوم في متناول الجميع.

فيكفي الإنسان أن يقارن بين ما يبث على شاشة التلفاز أو ما يروج عبر مواقع التواصل الاجتماعي مما يعتبره الإنسان “موضة العصر” حتى يبين له التحول الهائل –على مستوى الواقع- الذي يطبع عادات مجتمعاتنا الاستهلاكية.

وما دامت هذه اللغة اليومية جزءا لا يتجزأ من الواقع المعيش لأبناء “تيزنيت”، فإنها تتعرض دوما لقصف ثقافي من حاملي مشعل “العولمة” ومناصريها بغض النظر عن أخلاقية هذا القصف من عدمه، مما ينتج لنا أجيالا تائهة على المستوى الثقافي، وضمورا لسنيّا يعجز عن مقاومة الواقع، ويكرس التبعية التي عبر عنها “ابن خلدون” في مقدمته: “إن المغلوب مولع أبدا بتقليد الغالب”.

وهذا بالضبط ما وقعت فيه “تيزنيت” على اعتبار أنها جزء لا يتجزأ من هذا العالم المعولم، ذلك أن العشرية الأخيرة حملت أكثر من جديد لساكنة محافظة لم تعهد ما وصل إليه وضع الجيل الجديد لعاصمة الفضة.

طبعا، ليست هذه حتمية تاريخية يجب لنا أن نستسلم لها ونرضخ لضروراتها ونأخذ بال”هيجلية” كحل أبدي، لكن مؤسسات التنشئة الاجتماعية جميعها يجب أن تتحمل مسؤولية كبيرة في تحديد المسار الثقافي واللغوي والقيمي لمدينة “العين الزرقاء”، وإلا فإن العقد القادم سيحمل لا محالة تغيّرا سريعا قد لا ينتظر أحدا كيفما كان لتحديد هوية هذه البقعة من الأرض.

 بقلم : أحمد إدصالح







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.