السبت 4 مايو 2024| آخر تحديث 8:18 04/14



دروس من فاجعة طانطان

دروس من فاجعة طانطان

amiri_470532469إذا افترضنا أن الشاحنة التي صدمت حافلة الأطفال الرياضيين بطانطان سارت منذ البداية في مسارها الصحيح، و تحلى سائقها بقليل من التركيز و اليقظة، هل كان سيقع ما وقع ؟ إذا افترضنا أن قانون السير ببلادنا تم احترامه بل تقديسه من قبل السواد الأعظم من السائقين المغاربة هل كان لطرقاتنا أن تصبح مسارح لموت الآلاف كل عام ؟ إذا افترضنا أن فريقا لكرة القدم مني أمام الخصم بهزيمة ساحقة فإن ذلك راجع تقريبا إلى ما يلي : أربعة فقط من اللاعبين الأحد عشر يعرفون أين يقع مرماهم؛ اثنان منهما فقط يهتمان بالمباراة؛ اثنان فقط يعرفان دورهما في المباراة و ماذا يفترض بهما أن يفعلا بالتحديد ؛ و جميع اللاعبين عدا اثنين منهم قد يلعبون ضد فريقهم بدل منازلة الفريق الآخر. هذه الافتراضات من شأنها أن تحرك فينا جميعا مزيدا من الانتباه إلى مسائل في غاية الأهمية: كيف نعمل ؟ كيف نتحرك ؟ وفق أي خطة نسير ؟ الانخراط في العمل جيد لكن من منا له برنامج واضح و خارطة طريق ؟ ما الفرق بين العمل الروتيني و المشروع الممنهج الجاد ؟ كيف لنا أن نتأكد أنك ستنجح في إدارة الحياة و المشاريع، الاثنان في الوقت نفسه ؟

نريد أن نصف لك الوصفة السحرية لنظام يسمح لأي كان أن ينجح في كلا الجانبين : الحياة و المشاريع. قبل أن نعمل على ذلك، دعني أسألك : ما الأكثر أهمية بالنسبة لك ؟ الحياة أو المشاريع ؟ أي منهما ؟ ربما تجيبني: الحياة… و لكن أغلب الناس الذين أعرفهم يعتقدون أن الأهم هو المشاريع. ليس هكذا يعيش الكثير من الناس، معظم الناس يختارون المشاريع، و لأنهم يختارون المشاريع يستيقظون و لديهم رغبة مجنونة في العمل و الإنتاج و مضاعفة الأرباح، معتقدين أن ذاك هو ما يؤسس لمعادلة صحيحة في الحياة، بعبارة أخرى أن ذاك هو أولوية الأولويات، و لو كان هذا النجاح المادي في الواقع يوازيه إهمال للعائلة، أو للتمارين الرياضية أو لمتع الحياة البسيطة، أو لسويعات الراحة و التنزه و التأمل في جمال و أسرار الكون، أو لكل هذه الأشياء مجتمعة…

أنا على يقين أن كل هذا مفهوم جدا بالنسبة لك، و أنك مثلي تؤمن في أعماق روحك أن سر النجاح هو الاعتدال؛ أي التوازن الكامل بين العقل و البدن و العاطفة و الروح، و لكن المفارقة أن ما يجعلك ناجحا ربما لا يجعلك كاملا، فهناك توجه كبير في ثقافتنا المتأثرة يوما بعد يوم بالأسلوب الغربي في الحياة نحو السعي إلى ما هو ناجح باعتباره ماديا فقط. نحن نعتقد أن المال و الأرباح و المكافآت كل ذلك سيمنحنا الحرية، لكن كم عدد الأشخاص الناجحين في العمل و الأحرار في الوقت نفسه ؟ كم عدد المهنيين الذين لا يمنعهم الجلوس في المكتب لساعات طويلة، تزيد كل يوم على العشرة، من ممارسة الرياضة أو الهواية التي يحبونها؟ كل الناس المحيطين بنا، كل مهني منتج و فعال، كل من راكم بعرق الجبين و التفاني في العمل رأسمالا يفتخر به… كل هؤلاء يعلموننا درسا بديهيا لكنه في منتهى الأهمية : كلما كان عملك ناجحا كلما تطلب منك المزيد من الاستثمار الذهني و البدني… كم منكم مر بهذه التجربة ؟ الكثير منكم يعيش عبر أسلوب في الحياة يركز على الحصول على مشروع لا يعكس بالضرورة طبيعتك الحقيقية، هذا لا يعني أنه لا يمكنك القيام به، بل يمكنك القيام به و لكن في أجواء من التوتر و الضغط النفسي و تشتت الانتباه.

من منكم يكن صريحا مع نفسه و يعترف أن عمله كمهندس أو أستاذ أو طبيب كان بالأساس لنيل رضا الوالدين و أن الموهبة الحقيقية هي ربما مشروع رسام أو نحات أو شاعر أو عازف بيانو ؟ أتفق معك أن الحياة صعبة و أنه بالمال يشترى الخبز، و أن كثيرا من الأحلام و الآمال ذهبت أدراج الرياح لقلة التشجيع أو لضيق ذات اليد… كم منا إذا يحيا و يعمل و يدب على وجه الأرض، لكن موهبته الحقيقية ماتت و أقبرت منذ زمن بعيد ؟

ما هو الأهم بالنسبة لك ؟ تخيل أمامك معترك الحياة / الزمن. أين أنت ؟ أين تريد أن تذهب ؟ ما الذي سيصنع لك حياة استثنائية ؟ هل هو التدفق النقدي ؟ هل هو الحب ؟ هل هي الصحة و العافية ؟ هل هي العلاقات الدافئة مع العائلة و الأصدقاء ؟ هل هو الزهد و التجرد من الماديات ؟ هل هو عمل و تحصيل و قناعة بالقليل و رضا بالتنزيل ؟ هل هو الإتقان في العمل و الأمل في الأفضل ؟ هل هو الحلم بغد أجمل ؟ حين ندخل حلما معينا فإن هذا الأخير يبدأ بتكوين حياة خاصة به مما يعطينا الطاقة و الحيوية. كم منكم كان لديه حلم و حقق هدفه ثم فكر : هل هذا هو الأمر كله ؟ هذا أكثر ألما من عدم تحقيق الهدف. لماذا ؟ لأنك فعلت كل شيء و بذلت كل الجهود و سخرت كل الطاقات و القدرات ثم أصبحت ناجحا لكن ليس سعيدا… و على فكرة، فإن معظم الناس ليسوا رجال أعمال، لكن الجميع تقريبا يعتقدون أن هذا ما يجب أن يكونوا عليه. إنهم يعتقدون أن هذا هو الشيء المثير و الأكثر جاذبية.

و الآن، قبل أن أنهي هذا المقال، دعني أسألك: ما الذي سوف يجعلك تشعر بالكمال حقا ؟ ما الذي سوف يمنحك هذه الحياة الاستثنائية ؟ ما الذي سيجعل الأشياء تبدو رائعة من وجهة نظرك الشخصية و ليس من وجهة نظر شخص آخر ؟ ما هي موهبتك ؟ هل أنت فنان ؟ هل أنت موهوب قادر على صنع و ابتكار شيء لم يصنع من قبل ؟ هل لديك مهارة أو منتوج أو خدمة ما بمواصفات فريدة ؟ هل أنت ماهر في الإدارة ؟ هل تعرف كيف تقود و تدير الناس ؟ هل أنت عاشق للمغامرة و المجازفة و التضحية “بالدايم القليل” في سبيل مجهول لا تدري له شكلا أو حجما أو قيمة أو متى أو كيف سيأتي ؟ ربما تكون لديك كل هذه القدرات، لكن أي منها سيشعرك بالنشوة و الكمال بالشكل الأكبر ؟

هذا هو السؤال الحاسم…

مهدي عامري – أستاذ جامعي و كاتب







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.