الجمعة 26 أبريل 2024| آخر تحديث 11:37 06/28



محمد عصام يكتب: ابن كيران وسواق النسا

محمد عصام يكتب: ابن كيران وسواق النسا

Mohamed essam profi

خلفت كلمة رئيس الحكومة أمام مجلس المستشارين في إطار جلسات السياسة العامة الشهرية، جدلا واسعا توج بخروج العشرات من النساء للاحتجاج أمام البرلمان فيما يشبه غضبا بصيغة المؤنث، وتداعت أقلام ومنابر و شخوص، من هنا وهناك لالتقاط ما اعتبرته شرارة لحريق موهوم، أو لزحف تكون تاء التأنيث طليعته (لعل وعسى)تفلح فيما عجزت عن تحقيقه فحولة الشوارب المفتولة لزعماء الوقت الميت للسياسة في هذا البلد، سياسة تزييف الأسئلة وتحريف المعارك وصناعة الوهم.
لسنا ممن يجادل في حق النساء وغير النساء في التعبير عن الغضب، وحتى عن الفرح،  فبلادنا ترسخ في وعيها الجماعي قبل وعي أشتات الناس، أنها منذورة للتعدد الواسع بلا حد، والتسامح الجميل بلا إكراه، إنما السؤال الذي يجب أن ينتصب بتجل باذخ أمام العين البصيرة، هو هل ما عبر عنه رئيس الحكومة فعلا يقتضي أن تكون له ارتدادات بكل هذه الجعجعة التي تصم الآذان ضجيجا، ولا تنتج طحينا مفيدا؟ أم أن هناك حسابات وأجندات وراء هذه الاصطفافات المخدومة؟
ذلك أني واحد من بقية المغاربة الذين عادوا عودا أحمد للتصالح  مع البرلمان على الأقل على مستوى تتبع الجلسات وتحديدا تلك التي يكون رئيس الحكومة ضيفا عليها، فشدني تعمد رئيس الحكومة التمهيد لنقاش موضوع المرأة، بأرضية نظرية عميقة في مضمونها، بسيطة في لغتها، يقول فيها إن موضوع المرأة تتجاذبه ثنائية المحافظة والحداثة، وأننا بحكم تعاقداتنا كمغاربة وعلى رأسها الدستور، قد حسمنا وجهتنا وحددنا طريقنا بوضوح، حيث إن البناء الدستوري كان حاسما وناجزا في معماره الأخير، حين اختار الانتماء إلى المستقبل بعد تثبيت جذور الذات والهوية في عمق الانتماء المتعدد للمغرب، إنها باختصار إجابة واضحة عن أي نموذج مجتمعي نريد.
هذا هو العنوان الكبير لكلام رئيس الحكومة والبقية تفاصيل، حاول البعض أن يسكنها شياطينه الماكرة، والأمارة بالسوء والضغينة، ولنضع الأمور في سياقها الطبيعي جدا، فرئيس الحكومة لم يدع مطلقا في حديثه الى استعادة المطبخ والبيت للمارقات منهما، طوعا أو كرها، كل ما في الأمر أنه استعاد نوستالجيا جميلة يرددها المغاربة في لحظات الصفاء الروحي والبوح الجميل بكثير من الشوق والحنين، إنها نوستالجيا تدين زحف النمط الاستهلاكي المادي على نموذجنا المجتمعي الاصيل (لتطحن) الرجل والمرأة على حد سواء، في معارك للحياة دونكيتشوطية لا تنتهي إلا على أعتاب القدر المحتوم والراحة الأبدية.
فعمق النقاش ليس في وصفه النساء (بالثريات)أو حتى بالشموع الذابلات، إنما هو في الخلفية الفكرية، وتعدد الرؤى حول النموذج المجتمعي الذي نريده، فالمنتصرون والمنتصرات للمواثيق الدولية بإطلاق، ينتصرون لنموذج مجتمعي معين، لا يملكون على الأقل اليوم، الجرأة للتصريح بتفاصيله لأن في التفاصيل تقبع الشياطين، خصوصا وهم يتواجهون وجها لوجه مع نموذج منغرس في وجدان ومشاعر المغاربة بشكل لازب، ولهذا فهم يحاولون مرة الاستقواء بالآخر، ومرة بقوانينه، ومرات باصطناع معارك كهذه كلما سنحت الظروف، وهم بذلك يحاولون فرض قراءتهم للدستور على بقية المغاربة وهو ما لا ينسجم مع هندستنا الدستورية ويخالف ما جاء في خطاب صاحب الجلالة ل17 يونيو 2011 حين قال ”وفي هذا الصدد تمت دسترة سمو المواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، على التشريعات الوطنية، ومساواة الرجل بالمرأة في الحقوق المدنية، وذلك في نطاق احترام أحكام الدستور وقوانين المملكة، المستمدة من الدين الإسلامي، وكذا تكريس المساواة بينهما، في كافة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية”.
ليست هذه هي المرة الأولى التي حاول فيها الفاعل السياسي جر النقاش إلى ملعب الهوية ومتعلقاتها كقضية المرأة وغيرها، في عملية فرار اختياري وبسبق الإصرار والترصد من نقاش السياسات العمومية وذلك بهدف خلق تجاذبات مجتمعية حادة، بعد ما ثبت بالملموس أن الفرقاء السياسيين في المعارضة تحديدا لا يملكون القدرة على المواجهة بمنطق البدائل والاقتراحات.
كما أنهم يعانون عجزا مزمنا في ملء الفضاء التداولي  للمغاربة إعلاميا وسياسيا، بعد أن لاحقتهم لعنات التسيير وملحقاتها من التلبس بكثير أو قليل من  اللاحكامة إن لم أقل أشياء أخرى، كما أن في ذلك مآرب أخرى تتعلق بمداراة سوءات التنظيم الداخلي بعد تفجر فضائح التدخلات المشبوهة في صنع الخرائط التنظيمية و(تبليص) البعض في قمرات القيادة، وبالتالي فإن محاولة خلق الانزياح داخل النقاش العمومي، هي في العمق عملية لتصدير الأزمات الداخلية، ومحاولة للاقتيات من النقاش الهوياتي الذي يتيح فرصة لاستجلاب شرعية للوجود بعد ضمور كل ينابيع الشرعيات الطبيعية، ولنا في خرجة أحدهم لاستعادة نقاش الإرث والتعدد في عز أزمته التنظيمية التي لا أفق لنهايتها خير مثال على ما نقول.
وفي موضوع المرأة تحديدا، نرى أنه لا جدوى من استعارة الأسئلة الغلط وفي التوقيت الغلط، إذ الأسئلة الحقيقية هي في مدى إيمان النخب والأحزاب حقيقة وبلا ادعاء كاذب ومراوغ بمقتضيات المناصفة وفي تصديقات ذلك في تمثيلية النساء داخل هياكلهم؟ الأسئلة الحقيقية هي في مدى تخلصهم من منطق الريع والزبونية في تصريف المكتسبات الدستورية للمرأة؟ وإلى متى ستبقى القرابة والزوجية وأشياء أخرى يعلمها الله والراسخون في علم الكولسة والترضيات، معيارا في تمتيع نساء دون نساء من حق أكسبه إياهن الدستور؟ الاسئلة الحقيقية تكمن في محاربة الذكورية كسلوك اجتماعي متمكن وراسخ، لا يفرق بين النخب وما دونهم، ولا بين محافظ وحداثي؟
تلك أسئلة المرأة الحقيقية، أما فروض الوقت التي لا تقبل التأخير أو التسويف، ولا تطيق التجاذب على أساس التموقعات أو التوجهات، هي استكمال البناء القانوني والمؤسساتي للدستور فيما يتعلق بحقوق المرأة وخصوصا متعلقات الفصل التاسع عشر.

محمد عصام







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.