الإثنين 20 مايو 2024| آخر تحديث 2:36 06/21



ربورتاج: أركان …بين سندان تهافت التعاونيات ومطرقة التسويق الخارجي

ربورتاج: أركان …بين سندان تهافت التعاونيات ومطرقة التسويق الخارجي

Captureيمر شجر أركان بمنطقتي جماعتي سيدي احمد أحامد  وسميمو بالصويرة  بأزمات متعددة، حيث قضت موجة الجفاف التي اجتاحت هذه المناطق قبل سنوات على العديد من أشجار الأركان والعرعار، ففي جولة  استطلاعية قام بها ” بيجيدي .ما ”  بهذه الغابات عاين خلالها بمناطق عدة  بحاحا، مدى تناقص مجال أركان سنة بعد أخرى، ومرد ذلك ليس من قبل بعض محترفي الفحم من الأهالي الذين لا تتجاوز اعتداءاتهم  شذب بعض الأغصان الفرعية لتحويلها إلى فحم لإعالة أفراد أسرهم الفقيرة، لكن الكارثة تعود إلى أصحاب المشاريع  الذين يشيدون بنايات بعد اقتلاع أشجار الأركان.

والأهالي بدورهم يقولون إن بعض المناطق التي شهدت إما توسيعات للطرق الرئيسية المارة بها أو تمديد أسلاك المواصلات تعرضت فيها هذه الشجرة لاجتثاث مهول، والملاحظ يقول أحد السكان أن ما شهده أركان قبل سنوات قليلة مضت بجماعتي سميمو وسيدي أحمد أحامد الواقعتين بقلب إحدى الغابات الكثيفة بهذا الشجر لم يشهده من قبل رغم توالي سنوات الجفاف، حيث تغير لون أركان ويبست جذوعه عن آخرها في بعض المناطق  بعد اخضرارها طوال سنوات وعلى مدى فصول السنة.

جمعيات لم تجلب للساكنة إلا المتاعب…

يقول أحد أبناء جماعة سيدي أحمد أحامد وبأسى عميق، كانت الأسر فيما مضى تحافظ دوما على توازن معيشتها بادخارها لمنتوجها السنوي لأركان وإن قل، فكانت تدبر ذلك لتكيفه مع متطلبات العيش طيلة السنة، إلا أن اليوم بعد أن تدفقت بعض الجمعيات المهتمة بأركان بالمنطقة وأغرت أسرها واستدرجتها ببيع غلاتها دفعة واحدة وبأثمان مغرية، خلقت للأسر خللا في نظام عيشها  بعد إفراغها من منتوج هذه الشجرة، فأصبحت نساء البلدة اللواتي كن يقرن أحرارا في منازلهن وبجانبهن منتوجهن من هذه الشجرة، أجيرات خارج بيوتهن وبأجر جد متواضع مقابل دق وقشر حبات أركان في التعاونيات والجمعيات، والتي لأغلبها علاقة مع منظمات خارجية وبالخصوص الألمانية، وتقول إحدى العاملات بتعاونية في وقت سابق، إن العديد من هؤلاء العاملات مثقلات بقروض مما يجبرهن على مواصلة العمل بأي ثمن كان.

أما سيدة في سن متقدم فتقول، كنا فيما مضى لا نقتني قط  زيوت المائدة، وكان زيت أركان يغنينا  عن كل شيء سواء في الطهي أو في إدام الوجبات اليومية، أما اليوم فالكل يهرول لبيعه ولو كان قليلا وهذا – تقول المتحدثة –  طبعا بسبب تهافت الجمعيات والتعاونيات عليه من كل صوب.

وتأسف متحدث آخر لما آلت إليه الأوضاع في بعض دواوير منطقة سيدي أحمد أحامد جراء انتشار ظاهرة سرقة منتوج أركان من قبل الشبان الذين يقومون ببيعه إما لمشتر قد يعيد فيه البيع أو للتعاونيات والجمعيات المتنافسة فيما بينها بلهف شديد للحصول على هذا المنتوج للاشتغال عليه وتسويق زيوته بعد ذلك إلى الخارج أو عرضه في حلة جذابة  للسياح الذين يمرون بالطريق الرئيسي إلى الصويرة من حين لآخر ويتوقفون لاقتناء زيوت هذه الشجرة، ومن تم – يقول المتحدث –فقد تعرض بعض الساكنة للسرقة ليلا في عقر ديارهم، وبذلك غدا هذا المنتوج بضاعة تسيل اللعاب، وأضاف المتحدث، كنا قبل عقود مضت ندع غلاتنا السنوية  بعد جمعها  لمدة شهر أو ما يزيد  بالغابات لتوزع على أفراد الورثة  ولا أحد يقترب منها  أما اليوم فهي مهددة في قلب منازلنا وبأعلى الشجرة أيضا…

ماشية في تناقص مدهش…

كانت المناطق المجاورة للصويرة يواظب أهاليها على تربية العديد من قطعان الأغنام و الماعز التي يفوق عدد رؤوسها في عقود خلت لدى بعض الساكنة مائتي رأس من الماعز، وكان الرعاة يروحون عن أنفسهم من معاناة التيه في الغابات بنغمات الناي “الحاحي” – العواد –   وكانوا كذلك يتقنون تربية صغار الجديان على الصعود إلى أعلى شجرة أركان  حتى يتمكنوا من الاقتيات على ما لذ لهم من ورق وثمار هذه الشجرة، ويشكلون بأعلاها  لوحة فنية يستوقف منظرها كل مار، أما اليوم فقد أصيبت قطعان الماعز قبل شهور فقط  بوباء أدى إلى نفوق مئات من رؤوس هذه الماشية، وأضحت غابات هذه المناطق مقابر جماعية للماعز ولا أحد من المسؤولين التفت إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه تاركين الكساب في ورطة بوحده .

أما أحد الرعاة الذي نشأ منذ صغره يرعى الماعز وبعض الأغنام  وكانت ماشيته تقتات من أشجار الأركان، يرى بدوره بأن هذا الشجر خلقه الله تعالى بهذا البلد ليعين الفقير في معيشته أيام المحنة والشدة، أما اليوم – في اعتقاد الرجل-  فقد ذهب الله بخير غلاته  لأنه حال البشر بينه وبين الدور الذي من أجله خلق، وهنا يلتقي الرجل المتحدث  في قوله مع أحد الشعراء الأمازيغ الذي تأسف هو الآخر لما آل إليه هذا الشجر قائلا :

ليغ ءيرمي سيباب إس يوسي تاكاتين  /  أعالت شجرة أركان الأسر أيام القحط والشظف

غصا  غي ءيعفا ربي ضرن فلاس ءيشوقار / واليوم لما عفا الله وزالت المحنة تقاطرت عليه الفؤوس

وقد اعترفت ساكنة عريضة ممن التقاهم موقع ” pjd.ma”من أن الوضعية التي يعيشها أركان اليوم  قد تنذر بكارثة بيئية ، كما قد تعرض مئات من الأسر إلى التشرد بعدما كانت تنتفع بمعية ماشيتها بزيوت ومشتقات هذه الشجرة، فيما ألقى العديد من متتبعي مسيرة هذه الشجرة  جام غضبهم على جمعيات أركان المتناسلة في المنطقة كالفطر، واعتبر بعضهم التسويق الخارجي الذي تقوم به هذه الجمعيات ما هو إلا إعلان لبداية فقدان هذا الإرث الذي حافظ عليه الأجداد طيلة قرون مضت رغم المحن.

تلك  هي حال “أركان” / الأم ، هذه الشجرة الأمازيغية المغربية التي قد لا يدرك فلسفة وجودها إلا الذين سقتهم من زيتها واحتضنتهم بأدرعها الصلبة يوم قل الزاد متحدية كل نوائب الدهر من أجل بقاء أبنائها، ولذلك شدد الأجداد على المحافظة عليها وأوصى السلف عليها الخلف كما قال  أحد الشعراء الأمازيغ  :

ءينايي بابا ف باباس ءيناياسن / قال لي أبي عن أبيه قائلا

سين ءاسار ك ؤر ءيكند لخلق ياويتن / اثنان إياك أن يخدعك المرء فيهما

تفوكت ءاييوي هايي ءارك نتوصو  / الشمس يا بني ها أنا أوصيك

ءا ساراك كيس ؤر ءيبيد لخلق نتلنك  / ألا يحرمك خلق منها و يحجبها عليك

ويسين ءاركاناد ءاتكابلت ءاسغار نس /  ثانيهما هذا “الأركان” أحرس جذوعه ,,,

د ءيوتا  ن واكان كابل تيغولا نك   /   وأراضيك أحرس حدودها …

ءاشكو لاصل ءاداغ تند ءيفل غ ءيفاسن  /   لأنها أمانة أودعها الأسلاف في أيدينا

عبد الله العسري







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.