السبت 10 مايو 2025| آخر تحديث 9:21 06/10



النخبة الحزبية المغربية والتحول المعاق

jamaa

تعتبر النخبة من بين المفاهيم التي أسالت مداد الكثير من الفلاسفة والمفكرين سواء في  العلوم الفلسفية أو علم السياسة، وعلم الاجتماع السياسي، وقد عرفت النخبة  صيرورة تاريخية  اتسمت بالعديد من التحولات على مستوى البنية والمضمون، مما أدى إلى صياغة تعاريف ومفاهيم  مستوحاة من البيئة المفرزة  (للنخبة ) كفئة إجتماعية  تتموقع غالبا في أعلى الهرم الدولاتي .

  و قد تختلف الجدور التاريخية للنخبة  من حيث الشكل والوظيفة من بلد لآخر، فعلى سبيل المثال كانت الجيرونتقراطية (حكم المسنين) بمثابة التجسيد التقليدي للنخبة في بعض البلدان الإفريقية جنوب الصحراء، وكان هذا النمط من التنخيب يشترط السن والخبرة والتجربة في الحياة كمدخلات للإنتماء، ويمكن القول أنها شروط تتسم بالمرونة  إذ يمكن تحققها و اكتسابها   مما يمكن القول معه وصف الجيرونتقراطية  “بالنخبة المرنة” .

وبالرجوع إلى تاريخ الفلسفة اليونانية، نجد أن مفهوم النخبة  يقتصر على فئة اجتماعية دون غيرها، وغالبا ما تتسم هذه الأخيرة بمجموعة من السمات والصفات التي لا تتحقق للسواد الأعظم من المواطنين، ومن بينها  المعرفة والنسب الاجتماعي، والمال أو الحظوة، وهذه الشروط كانت مقتصرة على  فئة النبلاء ورجال الدين، مما يجعل الانتساب إلى “النخبة”  في المجتمع اليوناني يتسم بنوع من الجمود وهذا ما يحيلنا إلى القول “بنخبة الجمود المؤقت” .

وفي العالم الإسلامي فالنخبة لم تكن مشروطة بتحقق الشروط المادية التي يكتسبها الفرد من خلال  انتمائه للمجتمع بغض النظر عن طرق هذا الاكتساب ، ذلك أن الخطاب القرآني جعل من الأمة الإسلامية  بمثابة “نخبة الأمم ” في قوله عز وجل “كنتم خير أمة أخرجت للناس”، فلفظ النخبة هنا جاء شاملا وجامعا مانعا،رغم التعاريف المتداولة والتي حصرت النخبة في أصحاب الجاه والمال والحظوة، كشروط تعجيزية في مجتمع الفقر والهشاشة ضدا على المنطق الرباني، مما أضفى  على  النخبة في العالمين الإسلامي والمغاربي صفة الانغلاق والذاتية “النخبة المنغلقة”.

وباستحضار الصيرورة التاريخية، للنخبة الحزبية في المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم، وبحكم تقاطعها من حيث المعنى والمبنى مع نظيرتها في المنطقة المغاربية، فإنها اكتست طابعا انعزاليا وفئويا منغلقا سيكلوجيا وسوسيولوجيا، إلى درجة أن اختراق النخبة الحزبية أو على الأقل اكتساب صفة “النخبوية” لا يتم إلا من خلال المصاهرة أو الترابط  بين المصالح العائلية.

ويعتبر الحزب السياسي مشتلا لضمان استمرارية (النخبة الحزبية) التي تضمن بدورها الحفاظ على المصالح والامتيازات الذاتية والعائلية لكل المنتمين إلى البنية الفوقية للحزب السياسي،أما البنية التحتية فلم يعترف بها كنخبة رغم أهمية دعمها للبينة الفوقية.

وبالرغم من التطورات الحاصلة خلال العشر سنوات الأخيرة من تولي جلالة الملك محمد السادس العرش، وما تلاها من إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، خصوصا بعد دستور 2011 ، فإن النخبة الحزبية في المشهد المغربي مازالت لم تستوعب مضمون الإنتقال والرقي بالمجتمع، باعتبار طبيعة الإنغلاق الذي تعيشه والذي يكبح تحررها، كما لا ننسى فقدانها لشهية الإقلاع التنموي في شموليته، ولعل التطاحن السياسي الذي يعيشه المشهد الحزبي المغربي منذ الربيع المغاربي إلى اليوم لدليل واضح على كون مجمل الأحزاب السياسية غير قادرة  على مواكبة متطلبات المرحلة الراهنة التي تفرض  لياقة بدنية سياسية وفكرية عالية لمسايرة ايقاع التطور الحاصل إقليميا ودوليا .

إن التحول المعاق المميز للنخبة الحزبية المغربية، لم يكن وليد اليوم بل هو نتاج وتراكم مجموعة من الإفرازات التي طوى المغرب صفحتها وبدون رجعة،بغية الإنخراط في الجهاد الأكبر بشكل عملي وواقعي قابل للرصد،و يجد فيه المواطن ذاته وكرامته، كما لم يعد مقبولا مبدأ” الإنطوائية والانغلاق” تجاه المصلحة العليا للوطن مقابل الانفتاح والدفاع عن المصلحة الشخصية والذاتية ، لكون المواطنة تقتضي حب الوطن قبل حب الذات، وللأسف هذه الشروط مازالت لم يكتب لها أن ترى النور مما يجعل الوطن آخر ما يفكر فيه في مخيلة النخبة المنغلقة في ظل قرن الانفتاح وقرن التكنلوجيا وزحف العولمة .

كما نستحضر  في هذا المقام الأهمية والأدوار الدستورية الجديدة الممنوحة للمجتمع المدني، مما يندر بقدوم “نخبة مدنية  منفتحة” ، وهنا ستجد النخبة الحزبية نفسها مهددة بالزوال خصوصا بعد عجزها وفشلها البين،ولشيخوخة وترهل صناديدها .

وتستمر الإعاقة الحزبية فكريا وعلميا وسياسيا، في غياب الإرادة لدى “النخبة المنغلقة”  للتنزيل السليم  لمضامين دستور 2011، بعيدا عن الجمود والمرونة والإنغلاق،كثلاثية محددة للنخبة .

  جامع سموك

باحث وفاعل جمعوي







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.