الجمعة 3 مايو 2024| آخر تحديث 11:01 04/14



خــــاص : مدرسة سيدي وكاك أول مدرسة عتيقة ظهرت في المغرب

خــــاص : مدرسة سيدي وكاك أول مدرسة عتيقة ظهرت في المغرب

يذكر العلامة المرحوم السيد محمد المختار السوسي أن أول مدرسة عرفت في بوادي المغرب الإسلامي هي مدرسة أكلو بضواحي تزنيت المؤسسة في أواخر القرن الخامس الهجري، ومنذ هذا التاريخ تتزايد هذه المدارس خلال القرون المتتابعة إلى أن وصل عددها إلى أزيد من مائتي مدرسة. كما شؤون هذه المدارس يتولاها المواطنون بجهودهم الخاصة، نفس الشيء بالنسبة للكتاتيب القرآنية التي لا تخلو منها كل قرية قرية لحفظ كتاب الله تعالى لأبنائهم وبناتهم من طرف المقرئين الذين هم في نفس الوقت مكلفون بإمامة الصلوات الخمس في المساجد.
وإلى جانب هذه الكتاتيب القرآنية توجد مدارس أخرى خاصة بالقراءات ينتقل إليها التلاميذ الحافظون لكتاب الله في الكتاتيب والراغبون في التخصص في القراءات القرآنية التي يتنافس عليها الحفاظ في مختلف القبائل قديما وخاصة في مناطق جبالة وسوس وغيرهما من مناطق المغرب.
وكاك بن زلو اللمطي
سيدي وكاك، من مشاهر أولياء سوس، على بعد حوالي 15 كلم من مدينة تيزنيت يوجد ضريحه متوسطا قرية محادية للساحل المحيطي, قرية تردد صيتها كثيرا في كتب التاريخ كمعقل حافل بالأحداث والوقائع، إنها قرية زاوية أكلو المحتضنة لأول مدرسة دينية في المغرب خلال فترة ما بعد الفتح الإسلامي, قرية زاوية اكلو التي اشتهرت في التاريخ المغربي بكونها النواة الأولى لانطلاق الدعوة إلى تأسيس إحدى أعظم وأقوى دول المغرب, الدولة المرابطية التي شكل رباط أحد تلامذة اكلو لبنتها الأساسية.
وكاك بن زلو اللمطي, واحد من أبرز رجالات القرن الخامس الهجري علما وتصوفا, مؤسس مدرسة اكلو التي سيتلمذ على يديه بها متزعم حركة الدولة المرابطية عبد الله بن ياسين .هذا الأخير الذي كانت رحلته الشهيرة صحبة الأمير يحيى بن إبراهيم الكدالي باقتراح وإشارة من وكاك, رحلة شكلت بداية مغامرة كبرى, انتهت بتأسيس إحدى أهم وأعظم الدول بالمغرب وابرز إمبراطوريات القرن الخامس الهجري.
تقع المدرسة العلمية العتيقة لسيدي وكلك على بعد خمسة عشر كلم غرب مدينة تيزنيت وهي على ربوة محاذية للأطلس الصغير المطل على المحيط الأطلسي، وقد شهدت تغيير مرافقها، ذلك أنها جددت على يد فقيهها السيد الحاج أحمد الزيتوني رحمه لله في عهد الحماية الفرنسية حيث كتب الفقيه إلى والي الحماية الفرنسية بمدينة تيزنيت يقول في مضمون رسالته : “إن فرنسا تهتم برفع العلم والعرفان، وأنتم يتبين منكم خلاف ذلك، فلما أجاب المستعمر فر الفقيه خوفا من بطشه فبناها بيده احد أبناء البلدة مأجورا من طرف الحماية الفرنسية”.

Capture
المدرسة الوكاكية
إن المدرسة الوكاكية لهي مدرسة أعدت لتدريس العلوم الشرعية واللسانية وتحفيظ القرآن الكريم وأنواع قراءاته فتارة يدرس بها العلم وحده وتارة تكون مدرسة قرآنية وتارة تجمع بينهما.
وقد تعاقب على العمل بهذه المعلمة فقهاء ومدرسو القرآن الكريم والقراءات وآخرهم الفقيه الجليل الذي ما زال يعمل بها مدرسا للعلوم الشرعية واللسانيات سيدي محمد البوجرفاوي منذ سنة 1984م. ومدرس للقرآن الكريم والقراءات السبع السيد الفاضل محمد واسميح التناني منذ 1992 إلى الآن.

ER
طلبة المدرسة
تستقبل المدرسة أكبر عدد ممكن من الطلبة حيث تحتضن اليوم أزيد من ثمانين طالبا يتوافدون عليها من جل القبائل المجاورة من أيت بعمران والصحراء والشرق والأخصاص ومجاط وأيت عبلا وسملالة وبعقيلة واداوتنان ودمنات وشتوكة وحاحا وأيت صغراشن بالأطلس المتوسط والحسيمة وغيرها.
طرق التدريس بالمدرسة العلمية العتيقة الوكاكية
إن طريقة العمل بالمدرسة الوكاكية لا تختلف عن طرق ومناهج التدريس بالمدارس العلمية العتيقة على الصعيد الوطني، فالعمل يبتدئ بها منذ الفجر ويستمر طول النهار. فبالنسبة لقسم تحفيظ القرآن وتدريسه، يتعهد الطلبة ألواحهم بعد صلاة الفجر وقراءة الحزب الراتب فيحفظونها ثم تمحى ليدونوها كل حسب طاقته فمنهم من يملى عليه ومنهم من يدون لوحته عن ظهر قلب، وفي هذه الفترة يقوم مدرس القرآن بتلقين الأطفال الصغار وتحفيظهم الآيات القرآنية وبعد خروجهم من الكتاب يجتمع طلبة المدرسة بنفس الكتاب ويتعاهدون القرآن الكريم (السوار) والفقيه يصحح الألواح إلى أن يصل الظهر إبان دخول الصبيان إلى الكتاب للفترة المسائية ويراقبهم مدرس القرآن إلى صلاة العصر ثم بعدها يأتي الطلبة فيقرؤون الحزب الرتيب ويتعهدون ألواحهم إلى صلاة المغرب وبعد تلاوة حزب رتيب المساء يعيدون تلاوة حزب رتيب الصباح إلى العشاء فيتعهدون ألواحهم إلى منتصف الليل، هذا بالنسبة لحفاظ القرآن ومدرسو القراءات والصبيان بالكتاب. أما طلبة العلم فبعد صلاة الفجر يتوجهون إلى مجلس الفقيه كل طائفة ومؤلفها التي تدرسه وقد يتم تدريس العلم في الفترة الصباحية وباقي وقت النهار يكون للمطالعة والبحث في الكتب.
أدوات التلقين في المدرسة القرآنية
تتكون أدوات التلقين في المدارس العلمية العتيقة من اللوحة و”أكراج” أوالحكاك او الكرار والصنصار والصمح والقلم القصبي. فاللوحة لا تكون إلا من الخشب, طولها يناهز خمسا وعشرين سنتيمترا في عرض ثمان أو عشرة سنتيمترا. وتكبر هذه اللوحة بكبر الصبي حتى تبلغ عند ختمته الأولى للقرآن نحو ستين سنتيمترا في عرض نحو خمس وثلاثين. أما أكــراج، فهو عود من غصن الزيتون أو نحوه في غلظ الإصبع وطول الفتر أو ما يقاربه, ينحت من كل وجه من الوجوه الأربعة غالبا, حتى تكون له أربعة أحرف وأربعة سطوح, وقد يزين بنقوش تحفر فيه، ويحرف احد طرفيه بالنحت من جهة واحدة محدود الرأس كراس باطن الإبهام, ليتأتى له أن يحك به لوحه إذا أكب على قراءته, ويزعم أن ذلك الحك يعينه على حذقه بسرعة. ومادة الصنصار تحك به الألواح حال غسلها بممحاة من ليف أو حلفاء حكا شديدا, وبعد تنقيتها وسلت الماء عنها سلتا أكيدا, تطلى بطلاء كالمدر ابيض يسمى الصنصار. ويحك بالراحة على اللوحة حكا بليغا حتى لا يحتاج إلى حكه بالطلاسة بعد جفاف اللوحة, ويشترى من السوق عند العطار إن لم يكن معدنه في القرية, فتجفف اللوحة بالشمس أو لهيب النار. في حين يكون المداد المستعمل في الكتابة على الألواح عبارة عن الصمــح الذي يهيآ غالبا إبان البطالة كيوم الخميس أو غيره، حيث يأخذ الطالب قرون الكباش بدون أمرختها أو ما تلبد من الصوف تحت آباط الأغنام فيضعوه في مذوب خزفي خاص كبرنية أو كسرة مقعرة, فيوقدون النار تحته, فإذا ما في المذوب يذوب قليلا بحر النار, ثم يقلبونه جنبا إلى جنب حتى يذوب جيدا ويصير كصمغ الشجر فيضعونه في دواهم بعد أن ألاقوها ويكتبون به ألواحهم. أما القلـــم، فيتخذ من القصب, حيث يؤخذ أنبوب اليراعة فيقد طولا أجزاء صغارا كالنواة عرضا في طول فتر أو نحوه ثم يخرط ذلك الجزء من كلا جانبيه خرطا جيدا.

UJ
أوقات الدراسة داخل “أخربيش” ونظام العطل
يكاد التنظيم اليومي للدراسة داخل الكتاتيب في جميع أرجاء سوس يكون موحدا حيث ظلت الحصص الدراسية بنهج تقليدي سلفي محض. فالعادة أن الطالب يصحو عند طلوع الفجر ويسخن الماء في مربع خاص يسمى “أخربيش نومان” لتبدأ الحصة الصباحية مباشرة بعد صلاة الصبح وتلاوة الحزب الراتب.أما الفترة المسائية فتبدأ بعد آذان الظهر وكان الطالب يحرص على أداء الصلاة قبل الشروع في الحصة طبقا للهدف المنوط لهذه المراكز, والذي يتمثل في التوجيه الديني, وفي الحث على الصلاة منذ الصغر. ومن بين
التقاليد المعروفة داخل “إخربيشن ن امحضارن” قبل ابتداء الحصة المسائية أي قبيل صلاة الظهر كانوا يسخنون ماء الوضوء في سطل نحاسي معلق بسلسلة من حديد في وسط (تافضنا), وأثر هذا المكان قائم إلى الآن رغم التجديد الشامل للمسجد ومرافقه, ولا يستعمل إلا في بعض الزيارات الموسمية. أما نظام العطل فغالبا ما يشترط السكان المحليون على معلم القرآن أثناء جلسة المشارطة الالتزام بأوقات العطل التي تنقسم إلى عطلة أسبوعية, وعطلة مقترنة بالأعياد الدينية أو بالمواسم الدينية المحلية, حيث يحضر طلبة القبائل المجاورة لترتيل القرآن وتجويده. وترتبط عطلة العيد في الاصطلاح الاجتماعي المحلي بكلمة “العوايشير”.

منهجية التعليم داخل “لمدرست”
يبدأ الفقيه في إلقاء الدرس على الطلبة بعد صلاة الصبح وقراءة الحزب الراتب إلى منتصف النهار, أما الحصة المسائية فتبدأ بعد صلاة الظهر إلى العصر من غير يوم الخميس والجمعة. كما تعتمد كل مدرسة من هذه المدارس على نظامها الخاص، ويمكن التفاوت في طرق التلقين حسب عدد الطلبة, بحيث يقسم النظام الدراسي في الأنظمة الأصلية حسب عدد “امحضارن” داخل” المدرست”، ففي حالة قلة الطلبة يلقي الفقيه درسه في أية مادة اختارها في حالة نقص عدد الطلبة, حيث يخاطب جميع المستمعين في المجلس, ويستفيد بذلك كل طالب من إمكانيته الاستيعابية لضبط محتويات الدرس. أما في حالة كثرة الطلبة، فيضع الفقيه برنامجه العلمي الذي يضم الكتب والمختصرات المختارة فيقوم بتقسيم طلبته إلى عدة مستويات متباينة المستوى والمواد, والطالب الحافظ يبدأ برنامجه الدراسي كمبتدئ إلى الأوسط ثم المنتهي, ومن ثمة تضاف إلى رصيده المعرفي علوم ومعارف جديدة بعدما تأكد من حفظ جميع السور رسما وتجويدا, وقد قسم الطلبة المقيمون في المدرسة حاليا إلى ثلاث طبقات حسب البرنامج العلمي للمشارط والذي يوافق البرامج التعليمية للمدارس العلمية العتيقة.
التموين والتسيير المالي للمدرسة
تعتمد المدرسة سابقا على الأعشار فكانت القبيلة كلها تخص ثلث أعشارها للمدرسة فيحمل كل واحد أعشاره على ظهر دابته إليها وتختزن في مطامر معروفة بمطامر الشيخ، فيمون منه الطلبة رأس كل شهر ويعطى منه شرط الفقيه والمدرس، ثم بعد ذلك اعتمدت المدرسة على بعض أوقافها من(طاسات العين أملاك) ثم خصصت منح من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية كشرط للفقيه والمدرس والمؤذن والمنظف بالإضافة إلى الشرط الذي أبرمته ساكنة الزاوية مع الفقيه والمدرس سنويا بعدما تخلت عنه القبيلة ونقصت من أعشارها وأهملت المدرسة إهمالا وكما داوم سكان الزاوية على الرتبية التي تعدها كل أسرة واحدة لوجبة واحـدة بالتناوب (ثلاث أسر كل يوم على التوالي)، فكانت الرتبية هي التي يقتات منها الفقيه والمدرس ثم تقدم للطلبة إلى أن تأسست جمعية سيدي وكأك الاحسانية التي تمون الطلبة بعدما كان تموينهم يعتمد على الفقيه وحده لمدة ثمان سنوات، فالجمعية تقدم للطلبة مأدبتهم أسبوعيا في الخضر وشهريا في البقوليات والتوابل وغيرها والخبز يوميا من طرف صاحب الفرن ويعد الطلبة تموينهم بالتناوب فيما بينهم حيث يقدم لهم تموين اليوم من طرف المدرس الذي وضعه في المستودع تحت مسؤوليته، فدعا هذا التطور إلى التجديد المذكور آنفا للمدرسة الوكاكية ليكون تصميمها في المستوى المطلوب.

الطرق الصوفية بالزاوية الوكاكية
لا تذكر كتب التاريخ أن مؤسس المدرسة الوكاكية، أبي محمد وكاك أنه منتحل لطريقة من الطرق الصوفية، إلا أن بعض الطرق الصوفية اتخذت مقرا لها بزاوية سيدي وكاك وأغلبها الطريقة الناصرية التي مازالت تمارس بالزاوية إلى الآن، وزاوية للطريقة الدرقاوية التي ازدهرت في عهد القائد الحاج محمد الدرقاوي، وحاليا أنشأت بها كذلك زاوية للطريقة التيجانية.

المواسم التي تقام بالزاوية
لم يعرف عن المواسم التي تقام بزاوية سيدي وكاك إلا موسم الفقراء الولثيتيين الذي تؤم فيه الطائفة الولثيتية المتكونة من قبائل ثلاثة (بعقيلة وسملالة ورسموكة)، ففي عشية الخميس الثالث من كل سنة فلاحية يسوق هؤلاء ذبائحهم إلى عين المكان ثم توزع على أربع فخائد لتموين الفقراء فتعد الزاوية وجبة عشاء يوم الخميس وغذاء يوم الجمعة ناهيك عن سكان الزاوية الذين يساهمون في هذا الموسم وذلك بفتح أبواب بيوتهم على مصراعيها يلجها كل ضيف زائر، وأما الجانب الروحي للموسم فإنه تقام دروس الوعظ والإرشاد بمسجدها طيلة الليلة أي ليلة الجمعة من بعد العشاء إلى مطلع الفجر وصبيحة الجمعة تؤدى صلاة الفجر وبعد الحزب الراتب تختتم ختمات القرآن الكريم بسيدي وكاك ويعقبها الدعاء. وهناك زيارة خاصة للأهل سملالة المنتسبون إلى وكاك القاطنين بجامع إداوسملال المنتسبين لـ للا “تعزة تسملالت”. وهذه الزيارة تقام في كل شتنبر فلاحي حيث يسوقون ذبيحتهم يوم الاثنين ويقومون بمأدبة (السلكة) بمزار أبي محمد وكاك يوم الأربعاء يحضرها سكان الزاوية جميعا ذكورا وإناثا وتختتم فيها ختمات القرآن الكريم ويستسقى فيها وبالدعاء والنصر لملك البلاد. وفي هذا الصدد يقول السيد محمد أعمر وكاك، مقدم الزاوية “هذا الموسم منسوب للطائفة الصوفية الولتيتية التي كونها سيدي احمد اعزا وسيدي احمد اموسى وسيدي احمد ابعقيل. البعض يقول بأن هذه الطائفة تزور هذا المكان منذ أزيد من أربعة قرون، أما بالنسبة لطريقة تموين الموسم حاليا، بالإضافة إلى مساهمة السكان المنظمة في تحضير الوجبات الغذائية، الآن فإن الجمعية الإحسانية وجمعية المدرسة العتيقة هي التي تسهر على تنظيم هذا الموسم، بالاضافة الى مساهمة الجماعة القروية لأكلو”.

ذ. إبراهيم أكنفار







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.