
لم يمضي أسبوع على عيد الفطر السعيد حتى قرر عدد من الرعاة الرحل تعكير أجواء العيد بإداوسملال، وبعد أن فشلوا كل مرة في احتلال أراضي وآبار القبيلة حيث يتصدى لهم الساكنة برفقة الجماعة القروية والسلطات المحلية، ولا يسمحون لهم بإلحاق المزيد من الأضرار بأراضي وممتلكات السكان. ومن أجل الإلتفاف على هذه المنظومة الدفاعية التي نجح سملالة بحماية قبيلتهم عبرها، قام الرحل بنصب خيامهم بمنطقة إغشان المجاورة لقبيلة إداوسملال، حيث يتخذونها كمنطلق لشن هجماتهم على الدواوير المحادية، تم اختيار دوار تيدلي أيت عباس كحقل تجارب، لو نجحت تجربتهم فيه فسوف تعمم على باقي دواوير ومداشر القبيلة، يوم الأربعاء 14 غشت دفع الرعاة الرحل بمئات رؤوس الماشية الى أراضي وبين أشجار وبساتين ساكنة الدوار، على الفور خرج عدد من السكان وطلبوا منهم عدم الرعي بالمنطقة والتي تم تحديد معالمها بالصباغة البيضاء حيث يمنع الرعي بداخلها، بعدها أدرك الرحل ان مهمتهم لن تكون سهلة، وان فرصتهم للسيطرة على مياه وآبار المنطقة لن تكون بالسهولة التي تصوروها، فقررت عصابات الرحل اللجوء الى العنف والإرهاب، وبعد ان قرروا ووضعوا خطتهم الغادرة والجبانة، نصبوا كمينا محكما الغرض منه إرهاب سكان تيدلي أيت عباس، وبعد زوال يوم الخميس 15 غشت 2013، وحوالي الساعة الرابعة بعد الزوال، دفع الرعاة الرحل من جديد بقطيعهم نحو الدوار متعمدين استفزاز الساكنة، وبالفعل وحسب مصدر من شهود العيان، خرج ما يناهز 15 من سكان الدوار متجهين الى سفح جبل مطل على الدوار، بغرض منع الرحل من اقتحام دوارهم وأراضيهم، توقف الموكب على مسافة بعيدة من الرحل وانتدبوا شخصين من شباب الدوار للصعود للجبل لمحاورة الرحل والطلب منهم المغادرة، ومن بين المنتدبين عضو يمثل جمعية تيدلي أيت عباس للتنمية والتضامن، وبمجرد شروعهم في تسلق الطريق الجبلية الوعرة، حتى تفاجأ الشابان بوابل من الحجارة ينهال عليهما بها الرحل من أعلى الجبل مستعملين المقالع، سارع الشابان رغم إصابتهما بجروح الى الإحتماء خلف شجرة أركان التي كانت الملاد الوحيد لهما من الحجارة التي تناوب أربعة من الرعاة الرحل على قذفها عليهما، ولأن الأمر لم يكن صدفة بل كان كمينا محكما، وبمجرد تحرك باقي شباب الدوار لإنقاذ أصدقائهم والتصدي لهجوم الرحل، حتى خرج ما يزيد من عشرين فردا من الرعاة الرحل من مخابئهم بالجبل، مانعين بذلك أية مساعدة ممكنة لإنقاذ الشابين من الحصار المطبق عليهما بسفح الجبل، كان الهدف هو الفتك بهذين الشابين وجعلهما عبرة لكل من يفكر بالخروج لمنع الرحل من احتلال وتدمير أرضه وممتلكاته، استمر القصف بالحجارة مع أفضلية للرحل بسبب تواجدهم بأعالي الجبل، وبعد ان تأكدت عصابات الرحل من إحكام قبضتها على الشابين شرع أربعة منهم بالنزول تدريجيا من الجبل نحو الشابين المحاصرين بغرض الفتك بهما باستعمال العصي والأسلحة البيضاء، وخاصة بعد أن أصيبا بكسور بليغة تمنعهما من الدفاع عن نفسيهما، شابان من نفس الدوار فهما جيدا مصير صديقيهما لو بقي الوضع على ما هو عليه، وقاما بشجاعة بكسر الحصار والصعود نحو الجبل لإنقاذ صديقيهما، وقد نجحا في ذلك رغم تعرضهما لإصابات، وأجبر الجميع الرحل على التقهقر نحو أعلى قمة بالجبل، وفور علمها بالأمر سارعة السلطات المحلية والدرك الملكي والقوات المساعدة الى عين المكان، فر الرعاة الرحل، وتوزعوا على جبال منطقة إغشان، وتم سحب الجرحى نحو المستشفى لتلقي العلاج. إنتشر الخبر بقبيلة إداوسملال بسرعة وساد جو من الغضب الشديد، وعبرت العديد من الدواوير عن استعدادها لتقديم المساعدة والزحف لطرد الرحل من تلك المنطقة، لكن السلطات المعنية فهمت جيدا خطورة ما حدث، وكان لا بد لها من إجراء حازم يخفف من حدة الإحتقان، فهي لو غادرت المكان دون اعتقال المعتدين، فسوف يعتبر ذلك تفريضا مباشرا للقبيلة لتتولى بنفسها تلك المهمة، السيد القائد كان حاضرا والسيد رئيس الدائرة يتابع عن قرب كل صغيرة وكبيرة، كما حضر رئيس الجماعة القروية لإداوسملال وعدد من فعاليات المجتمع المدني، والدرك الملكي كان جد فعال وأفشل محاولة المعتدين الهرب، حيث اعتقدوا انهم بتشتتهم بتلك الجبال النائية التي يصعب الوصول اليها سوف يعفيهم من المحاسبة والإعتقال، وبالفعل تم اعتقال أربعة رعاة رحل بعد ان تعرف عليهم شهود عيان بكونهم الذين قاموا بالهجوم بالحجارة وتسببوا في جرح أربعة من سكان الدوار، وقد خلف خبر الإعتقال نوعا من الإرتياح وساهم في تخفيض مستوى حدة التوتر بالقبيلة. وفجأة سمع الجميع نداء استغاثة بنشوب حريق هائل بإحدى المناطق الجبلية المسماة تيخفيست، وقد سارع عشرات الشباب وسكان الدواوير المجاورة لتلبية نداء الواجب، حيث شاركوا بفعالية في إخماد الحريق، كما انتقلت مباشرة الى عين المكان من دوار تيدلي أيت عباس، جميع الجهات الرسمية التي كانت بصدد معالجة حادث الرعاة الرحل، من درك ملكي وقواة مساعدة والقائد ورئيس الدائرة، ورئيس الجماعة، قبل ان تصل سيارة الوقاية المدنية التي تعذر عليها الوصول لمكان الحريق نظرا لوعورته، كما وصلت الشاحنة التابعة للجماعة القروية وأعوان الجماعة وعدد من المتطوعين. إخماد الحريق الهائل تطلب جهدا كبيرا استمر حتى منتصف الليل، ويتهم سكان المنطقة وعدد من المنتخبين، الرعاة الرحل بالوقوف وراء إندلاع هذا الحريق المتعمد، بغرض تخفيف الضغط عليهم بعد فشل عدوانهم على دوار تيدلي أيت عباس وحتى يتمكنوا من الفرار من المحاسبة والإعتقال، وإشغال السلطات المعنية بإخماد الحريق. رئيس الجمعية الإحسانية لإداوسملال كان أول من استنكر العدوان ودعى جميع السملاليين الى المشاركة في إخماد الحريق واضعا كل الإمكانات المطلوبة لهذا الغرض. عامل صاحب الجلالة على إقليم تيزنيت حل شخصيا بقبيلة إداوسملال وزار المنطقة الجبلية التي شهدت الحريق وأشاد بالجهود المشتركة التي بفضلها تم السيطرة عليه، كما استمع السيد العامل الى بعض ضحايا الرعاة الرحل، وطالب بضرورة تطبيق القانون على كل من تسول له نفسه انتهاج أسلوب السيبة والبلطجة. وكانت الزيارة الميادنية للسيد العامل قد لقيت موجة من الترحيب والإستحسان، وساهمت بتخفيف أجواء الغضب والإحتقان، خاصة بعد شيوع أخبار إلقاء القبض على المعتدين وتقديمهم أمام وكيل الملك بتيزنيت يوم السبت، حيث يطالب سملالة بتطبيق أقصى العقوبات في حقهم ليكونوا عبرة لغيرهم من العصابات التي تستعمل العنف والإرهاب ضد سكان المنطقة العزل والمسالمين. وقد إنتقل جل الضحايا بعد تلقيهم العلاج للإدلاء بشهادتهم، حيث تقدموا بشواهد طبية تثبت نسب العجز بين 45 يوما، 15 وثمانية أيام، وكان الشاب مصطفى قد أصيب في رأسه بالإضافة لكسر بأصابع اليد اليسرى بالإضافة لإصابته في أعلى الظهر والأرجل، وقد نقل الى مستشفى تافراوت قبل أن يتم توجيهه الى مستشفى تيزنيت، أما الشاب الحسين فأصيب في الأذن بالإضافة لإصابتين على مستوى الوجه، أما الشاب أحمد فقد أصيب بجرح بليغ في اليد، بينما جروح الشاب عبد الله فقد كانت خفيفة. ويعتبر هذا العدوان هو الأعنف من نوعه بعد أن تعرضت قبيلة إداوسملال لهجوم غير مسبوق للرعاة الرحل، لكن ردود الفعل القوية من جميع المستويات أحبطت أهداف العدوان وأفشلت مخططا كان يهدف الى تكرار ما حدث في قبائل أخرى لعل أبرزها قبائل أيت باعمران التي عانت طويلا مع الرعاة الرحل. عن مدونة سملالة
اتمنى لكم التوفيق