الخميس 25 أبريل 2024| آخر تحديث 11:44 02/08



الفساد الناعم..

الفساد الناعم..
يحار المرء، وهو يرصد من حوله ما يجري وما يبذل من جهود، وما ينفذ من قرارات، أن يكتب عن موضوع مثل “الفساد” ويصفه بـ”الناعم”. فالكلمتان بينهما بون شاسع، لأن الفساد ممارسة نسقية، يمارس فيها وبها الشطط والعنف، فيترك الدمار والخراب في الأشخاص والمؤسسات والدولة وأجهزتها ويرهن كينونتها، حتى يتحول إلى ممارسة “ناعمة”، تحظى بالقبول والتقبل، يتطبع بها من ينبغي أن يحرص على محاربته، فيأتي على الأخضر واليابس.
غير أنه حينما يمارس “الفساد الناعم” يخيل لكل من يسعى لمحاربته، والتصدي له، أن يواجه بخطاب لبوسه المصداقية وتطبيق القانون والمساواة والشفافية وتكافؤ الفرص والاستحقاق، وفي عمقه ممارسات مدانة عمقها إهمال وتهميش وهشاشة ونهب للمال العام والتهرب الضريبي وعدم المحاسبة والمساءلة، وتفويت صفقات مشبوهة ومنح تراخيص مقابل عمولات، واعتقال وتضييق وتهديد وإقصاء وإغناء غير مشروع، ومراكمة ثروات مشبوهة، وممتلكات غير مستحقة.
“الفاسد الناعم” يتفق ويتوافق حوله من من المفروض فيهم أن يتصدوا له، يقتل الكفاءات ويدمرها فتهاجر أو تستسلم، وينهب الاقتصاد ويدمر على مهل، ويضعف الدولة ومؤسساتها ونجاعة برامجها ومخططاتها، ومعه تنخر المؤسسات، وتفتقد الثقة، فيصير الخطاب المعلن جهارا “مكافحة الفساد”، وفي الواقع ممارسة “فساد ناعم”، يتقبله الجميع، حتى يشك المرء في أنه “نشاز”، حينما يتصدى يواجه “الفساد الناعم”، فينعت كل من يتصدى لأشكاله ومزاجية المفسدين وتلويناتهم بصفات وعبارات من قبيل “الخائن” و”الفاقد للمصداقية” و”السوداوي”.
مؤشرات مقلقة يئن منها مغرب اليوم، فبحسب “ترانسبرانسي” الدولية، حيث تراجع المغرب بشكل كبير في مؤشر إدراك الفساد رتبة ونقطة ، رغم ان البلد يتوفر على “الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد التي صُودق عليها سنة 2015 ، ولم تُفعل بالشكل المطلوب”.
ما أثير من جدل حول تعديل قانون الاثراء غير المشروع، والتعثر الذي رافقه، يؤكد أننا بحاجة لوعي جمعي مجتمعي يقطع مع سلوكات الفساد وممارساته ورعاته، من المسؤول إلى المواطن..مجتمع ينبني على تكريس الحقوق والواجبات…دولة قائمة فعليا بالمؤسسات وعلى المؤسسات…انتخابات تنتج نخبا واعية تستحق الوضع الاعتباري للمنتخب من المحلي إلى البرلماني تمارس اختصاصاتها الدستورية..مسؤولون في مناصب يستحقوها لا يسحقونها، حتى يتم التصدي لكل من يمارس “الفساد الناعم” الذي ينخر البلد، كما ينخر الصدأ الحديد فينهار البناء.
س.أ






تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.