الجمعة 19 أبريل 2024| آخر تحديث 11:38 02/08



المعدر و نوستالجيا الزمن الجميل (1)

المعدر و نوستالجيا الزمن الجميل (1)

محمد الطالبي

صحافي وفاعل جمعوي

كم عشنا من لحظات عميقة في “تمزكيدا”، لحظات كنا فيها ننطلق في الصباحات الباردة ونشق دروب “الصبار”.

الكثير منا يتذكر غسل اللوحة في الصباح البارد، رائحة “الصنصار” التي تخترق خياشيم أنوفنا، لون “الصمح” الداكن الذي نكتب به، “لْقلْم” الذي نخط به كلمات ربانية، “الزعيم أكراج” الذي نتقاتل به من أجل حفظ ما تيسر من كلام الله.

مازلنا أيضا، نتذكر لحظات شرودنا، وهواية القنص ب “زِّيوْ” التي اعتدنا ممارستها، نتذكر كيف ننتظر فطور “الطالب” مع العاشرة صباحا، لنشم رائحته الطيبة !!!، وكيف نحفظ بعسر ما كتبناه في ألواحنا.

إنه العمق الذي نبحث عنه كل يوم في تجاويف ذكريات عميقة عمق “أَنُومْرزِيكْ”.

في المساء، حين نعود الى دوارنا نجد أجدادنا، يجلسون جلسة مطمئنة، يجلسون يتلون تلاوة الحديث، وفي أيديهم “لوِرْد” يسبحون الله، ويتمتمون باسم الله.

يقفون حين يسمعون الآذان، يؤذنون ويصلون في تلك التربة بلا سجادة بلا حصير ولا زرابي.

ينتظرون الماشية والراعي حين غروب الشمس، قدومها وطلعة الراعي لحظة نهاية اليوم بالنسبة لهم، يقولون “بارك الله، لبهايمشبعاند ح أملال ن سيدي عبلا أسعيد، الحمد لله”.

أجداد يضبطون وقتهم بمواعيد الصلاة، ويحسبون الدقائق ودقاتها بتسبيحات ربانية هي طلب غفران ورزق وايمان.

موسم سيدي عبلا اوسعيد

كرياضة رمي الجلة نرمي المحفظة مساء الأربعاء في أقرب نقطة من باب المنزل بعد جري وقفز على كل الحواجز التلية واختراقات في حقول الصبار، نتسابق نتدافع نخرج من باب مدرسة مولاي يوسف هاربين كسهام أطلقت على صيد ثمين، كل ذلك لكي لا نخلف الموعد مع “التراكتور” التي ستشق رمال “سيدي عبلا اوسعيد”، بهدير محرك يسمع من بعيد.

تجتمع الساكنة وسط الدوار يجمعون المؤونة الأواني والحصير، تنطلق “التراكتور” بالأهازيج والصيحات لها صدى وسط الدوار، تنطلق بمحركها الذي يصدر صوتا شبيها بشيخ من الغابرين، تنطلق تشق الرمال وأشجار النخيل الباسقات تحيي بأوراقها الشاحبة صيحات شباب ينسج أجمل الشعارات.

نصل جميعا ونجري في تلك الرمال ونحن عصبة من المشاغبين الذين يلعبون ويمرحون أما الكبار فينصبون الخيمة ويرتبون الأواني والأفرشة، فيما تكون “تاكلا” أول ما نفتتح به الموسم إنها الشريط الوحيد الذي نقطعه بـ “الملاعق” !! لذلك ومادام أننا شعراء فقد أنشدنا نشيدا تاريخيا تكريما لدورها التاريخي “تنوااااتكلااااا” ونحن نحوم حولها نطفئ بها جوعا قد تجبر.

في المساء يصل من تبقى من الشباب والرجال والشيوخ، تجتمع اللمة على كؤوس الشاي و”الكباب” تناقش المواضيع وتنسج النكت وتقص الحكايات، يذكر الشيوخ الرجال بالأمجاد والرجال أكبر همهم في تلك اللحظة هو مطاردة الصغار الذين يحومون حول “البرمة”، يخافون على أروحنا، أو بالأحرى فإنهم يخافون أن نسقط فيها ونحن جياع !!

“أزكيف” سيدي عبلا اوسعيد في الصباح له نكهة خاصة، فبه يفتتح البث والإرسال على أمواج تلك التلال الرملية، في صباح يوم الخميس تظهر لنا تلك التلال الرملية العظيمة، ومن تلك القمة نرى المعدر كنقطة صغيرة مشتتة، نحن لا نفارق عاداتنا من لعب وجري وبعض المرات مطاردات شقية.

نسمع للشيوخ وهم يتحدثون عن الأمطار والحرث، عن قطعان الماشية، وحين نمل من كل ذلك نقوم بجولة على الدواوير الأخرى، نطل عليهم ونميز بينهم وبيننا، حجم “تاعلوشت” التي ذبوحها، نصيب كل واحد من قضبان “الكباب”، عددهم الاجمالي والاهم هل يتعرضون للمطاردات العجيبة …. !!

نشق الطريق عائدين، “التراكتور” بلا رحمة تلتهم الرمال وتطحن “افرسكل” بعجلاتها الضخمة ننظر اليها وهي تقوم بتلك العملية باعتزاز، ننظر الى القبة البيضاء التي دفن فيها الولي الصالح الذي أكثر الشيوخ الدعاء له، أما نحن فقد أكثرنا من “المرق” و”الكباب” ومن المطاردات، فمهمتنا ونحن صغار هي هذه بالضبط، نفتتح ب”تاكلا” وننهي الارسال ب”المرق” الذي نملأ نصف خبزة به ونضعه في “أقلمون” نلتهمه رويدا رويدا حتى يلقى نحبه ونحن على مدخل الدوار ننشد نشيدنا الأسطوري “هاحنا جينا ماتكولو ماجينا”.

“افقيرن ن زاويت”

“الله حي، الله حي”، يُطلق لها العنان في منتصف الليل ونحن أطفال مشدوهين إلى تلك الحضرة وتلك اللحي الطويلة، بالزاوية الدرقاوية هناك نجري كالسهام بين “لفقراء” في جو من التصوف والخشوع والركض والهروب.

“لورد” الكبير الحجم، خشبي بني اللون، نعتبره المعيار والدليل للتمييز بين “الفقراء”، جلاليب أغلبيتها “مغبرة”، “رزة” تلف على شكل دورات عديدة ملتوية بإتقان فوق الرؤوس، مبيعات الأشرطة والعطور وكنانيش الذّكر.

في عنان السماء وفي جوف الليل تسمع التراتيل والذكر الحكيم، بين الليل والفجر مسافة تقاس بعدد الابتهالات والأمداح، وتصاغ بالأشعار وتجمع وحلقات، ولا ينتهي الجمع إلا ليبدأ من جديد في الصباح الباكر، بين تمتمات شيخ وتسبيحات آخر، بين الدروب الطينية لتكدالت، لا يسمع إلا كلام الله.

افقيرن موعد ينتظر مساء كل أربعاء في أبريل يأتون أفواجا ويُستقبلون وهم يرددون سماعا يشدنا شدا، الخميس يكون عددهم كبيرا والاحد صباحا يرحلون ويتركون صدى لأمداحهم وسماعهم مازال يرن في كل بيت بيوت أهل تكدالت، تفتح البيوت وتعد الموائد، ونحن أمام كل ذلك في لحظة اندهاش وفضول معرفي في لحظة نعتبرها استثنائية لا تتكرر إلا كل سنة.

 







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.