الجمعة 29 مارس 2024| آخر تحديث 8:14 02/21



ورحل المهموم..

ورحل المهموم..

أحمد إضصالح

«TASSANO NSFLDAM AR TALLAT// SOUMARG WALLIYAGH IKKISS WAKAL» -ARCHACH-

قبل ثلاث سنوات ونيف، وفي إحدى الأمسيات الفكرية بمدينة تيزنيت، افتتح “أيّوب بوغضن”-المُفكّر الإنساني المهموم- محور مدارسته متأسّفا: “ما بالُ هؤلاء الشّباب الغارقين في اللاّمعنى داخل هاته المقاهي الممتدة، انتظارا لمباراة كرة قدم قد تسلبُ من وقتهم الكثير؟ !”. وكأنّي به، يُحاول في كُلّ مرّة يُحاضر فيها أو يُدوّن، أن يزيد لهمومه هموما أخرى أكثر ثقلا وقساوة على النّفس البشرية، بحثا عن “المعنى” وسط مساحة واسعة من “اللاّمعنى” –حسب ما يُدوّنُ عادة في إهداءات مؤلفاته-.. حمل همّ المعرفة والعلم، واعتبر هذا الهمّ المفتاح الرّئيس للتغلب على الواقع، وتبليغ رسالة ملؤها الأفق الرحب، والإنسانية السمحة، والمستقبل المزهر لمجتمعه ووطنه وأمته. وحمل همّ بناء المُتعلّم المتمدرس، فكتب في مرحلته الثانوية “هموم تلميذ”، ليُوصل صرخة فئة هي جيل المستقبل لكل من يعنيه ذلك.. وحمل همّ بناء الطّالب الجامعي، بعد أن تردد هو نفسه على الجامعة ونظر أروقتها واكتشف بعض أسرارها، فكتب مُؤلّفا رائعا، بعنوان: “العمل الطّلاّبي: تاريخ ومسار”، فأغنى بذلك المكتبة المغربية بمرجع مهمّ حول العمل الطّلابي بالجامعة المغربية. وحمل همّ القضايا الوطنية المصيرية، فتواصل مع المسؤولين المشتغلين على الترافع لأجل قضية الصحراء المغربية، والسعي نحو بناء جبهة طلابية قوية تُدافع عن قيم وطنها، ومبادئ بلدها، فتأتّى له ذلك، وساهم من موقعه كطالب مهموم بكُلّ ما أوتي من وسائل الترافع الممكنة. وسعى للمساهمة في نقاش تطوير اللغة الأمازيغية بعد ترسيمها دستوريا سنة (2011)، وهي التي تشرّبها لسانا وثقافة، عبر مشروع كتاب اختار له من العناوين: “مستقبل الأمازيغية.. ربع قرن من الاشتغال على الملفّ الأمازيغي”، لكن، خطفته يدُ المنون قبل أن يبلغ مراده فيه. (ومن هذا المُنطلق، ألتمس من أصدقائه ومحبّيه أن يعملوا على إخراج هذا المشروع إلى حيّز الوجود وفي أقرب وقت ممكن إن تأتّى لهم ذلك). وحمل همّ الإنسانية جمعاء، فسعى بقوة للمساهمة قدر استطاعته لاستنهاض همم “الإنسان الطّينيّ”، ويُحيي فيه ذلك “القبس الإلهي”، على أمل التخلص من الكسل والخمول والدعة والتواكل، نحو توظيف العقل والكدّ وضبط الغرائز وتوجيهها لما يخدم الجنس البشري، فكتب “تأمّلات”، وحاضر وأطّر ودوّن.. إنّها إذن، هموم ليست كالهموم… ف”أيّوب”، ذلك الفتى الشابّ الذي لم يبلغ بعد الخامسة والعشرين من عمره، لم يكن يميل إلى مراتع اللهو واللعب، ولم يكن ذا طيش شبابي، يدفعه نحو ركوب “هموم” مغايرة لما حمله بين أضلعه، وهو الذي توافرت له إمكانية ذلك لو أراد. ترجّل “أيّوب” عن الدّنيا مُسرعا إلى جوار ربّه، وكأنّه أدّى رسالته بسلاسة لا تحتمل مزيدا من التعب والعنت و”الهموم” التي لا تنقضي. وأنا أرى الجماهير الغفيرة التي حجّت من كُلّ حدب وصوب لتوديع “أيّوب”، والنّاس يتزاحمون لإلقاء نظرة الوداع على نعشه الخشبي، وفيهم رجالات الدولة والرئيس والوزير والعامل والقائد والتاجر والفلاح والطالب…، وأصدقاء الحياة، وفاعلون من كل المشارب الفكرية والسياسية والجمعوية، قلت في قرارة نفسي: “أيّوب..، سعى في حياته مهموما ليجمع النّاس على صعيد إنساني واحد بعيدا عن أدران العصبية والانغلاق، وها هو يتأتّى له ذلك وقد التحق بالرفيق الأعلى حيث ساعة الحقيقة المُطلقة”. وحين هممتُ الرّجوع، قُلت لأحد أصدقائي: “لم يكن رحيل أيوب كالرحيل..، فالموت حقّ، ولكن موت عالم إنساني فتيّ خسارة كبيرة للإنسانية جمعاء”. أجابني مُعزّيا بحديث المُصطفى –صلّى اللّه عليه وسلّم-: “كُلّكم تموتون، ولكن يُعجّل بخياركم”، فعدمت الكلام بعدها ومضيتُ…







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.