الإثنين 5 مايو 2025| آخر تحديث 5:39 11/20



تيزنيت : أطفال في وضعية إعاقة بين الوصم و الحق و رفض الولوج

تيزنيت : أطفال في وضعية إعاقة بين الوصم و الحق و رفض الولوج

مما لاشك فيه أن ولادة طفل في وضعية إعاقة، سواء أكانت إعاقته جسدية أو ذهنية أو حسية، تعد صدمة قوية للأسرة بشكل عام وللأم بشكل خاص. وكثيرا ما يتولد عنها شعور بالذنب والاكتئاب ولوم الذات.

يزداد تأثير هذه الصدمة، حينما تجر معها مشكلات اجتماعية ونفسية واقتصادية وسلوكية، تعجز خلالها الأسرة على دمج هذا الطفل مع الأطفال العاديين في المدرسة والشارع وفي المجتمع ككل. لكن وحتى الماضي القريب، كان هذا الطفل يدرس في مدارس خاصة وأقسام خاصة، إلى أن جاءت التربية الدامجة كمقاربة ومخطط عمل للتربية والتعليم هدفها تأمين تعلم جيد ومنصف يستجيب لخصوصياته وحاجاته.

غير أن السؤال الذي يطرح نفسه، هو كيف يتم التعامل مع هذه الفئة من ذوي الإعاقة سواء داخل الأسر أو في المدارس أو داخل الجمعيات على مستوى إقليم تزنيت؟ وهل تستفيد جميعها من حقها في التمدرس و في العيش الكريم؟

 

أطفال في وضعية انتظار..

بعد انطلاق الموسم الدراسي بأشهر قليلة، نجد فئة من المتعلمين في وضعية إعاقة، لم تلج بعد أسوار المدرسة، كحالة الطفل هشام ذو السبع سنوات الذي حالت إعاقته دون التحاقه بالمقاعد الدراسية. تقول فاظمة أم هشام:

“إبني توحدي، يخشاه الأطفال.. هو مصدر قلق للتلاميذ وللأساتذة…

إنه لن يستفيد داخل المدرسة، يجب أن تستقبله جمعية تهتم بمثل حالته. هذا ما أكده لي السيد مدير المؤسسة التي سجلته كمتمدرس بها… لكن بعدها لم تقبله بدعوى أن مجموعة من أولياء أمور التلاميذ الذين يدرسون أبناءهم بنفس المؤسسة، اشتكوا من السلوكات العنيفة لابني، وقد وعدني بإعادته من جديد شرط تحسن حالته.

المشكل أن إبني تسبب فعلا بضرب وجرح عدد من التلاميذ “.

وجبت الإشارة هنا إلى أن أم الطفل هشام لم تختر هذه المؤسسة لابنها، إنما تم توجيهها نحوها بسبب عدم وجود مقعد شاغر بالمؤسسة الأصلية. وغالبا ما يؤدي الإقبـال بكثرة على بعــض الـمـدارس العاديــة التــي تســتقبل الأطفــال في وضعيــة إعاقة إلى التأثير على الطلـب في الـتراب التابـع للمديرية الإقليميــة، ويجعل هذه المدارس تكتسي طابع مــدارس متخصصــة في اسـتقبال الأطفـال في وضعيـة إعاقة.

ومع غيـاب لجنـة مهيكلـة وسـجل وطنـي، يضفـي عـلى البنيـات التربويـة الخاصـة بالأطفـال في وضعيـة إعاقـة طابعـا مركزيـا، يبقـى التوجيـه غيـر رسـمي. فعـدد كبـير مـن الآبـاء يسـجلون أبناءهــم في بنيــات أو أقســام متخصصــة، أغلبهــا جمعويــة، بعــد أن ســمعوا بهــا مــن أقاربهــم. وفي بعـض الوضعيـات يكـون مديـر المدرسـة، أو ممثـل الإدارة، أو مهنـي، هـو مـن يقـترح هـذا التوجيـه مثل حالة الطفل هشام. و أضافت الأم ” وضعيتي المادية صعبة، فأنا أكتري هذا المنزل و أعمل على آلة الخياطة التي لم أسدد ثمنها بعد، فكيف أضمن تكاليف مرافقة لإبني؟ “.

وتعني مسـاعدة الحيـاة المدرسـية أو ما يطلق عليها المرافقة أو المربيـة، هي من ترافق الطفـل في وضعيـة إعاقـة في جميع تعلماتـه داخـل القسـم. غـير أنه لا توجد مذكـرة قانونيـة تنص عـلى وجـود مرافقة في القســم. وتقول والدة هشام وقد تغيرت نبرة صوتها ، إنها انتظرت الدخول المدرسي بشغف كبير حتى ترى إبنها بالمئزر والمحفظة مثل أقرانه. وتابعت حديثها مصرحة “أنا على علم بحالات عدة حبيسة الجدران بسبب نظرة المجتمع الدونية والتمييزية لهم، والتي دفعت ببعض الأسر إلى الاحتفاظ بها داخل المنزل والتستر عليها مفضلة المعاناة في صمت عوض الوصم و القدح “.

رئيس جمعية تحدي الإعاقة بتزنيت الحسين بيكادرن
رئيس جمعية تحدي الإعاقة بتزنيت الحسين بيكادرن

نفس الاتجاه ذهب إليه رئيس جمعية تحدي الإعاقة بتزنيت الحسين بيكادرن قائلا:

 إن هناك عوامل اجتماعية تساهم في تهميش هذه الفئة. وتتعلق أساساً بإهمال الأولياء الذين يعزفون عن التصريح بأطفالهم في وضعية إعاقة، لأسباب اجتماعية مختلفة، قد تتعلق بالأمية والفقر وكثرة المصاريف والبعد عن المدرسة وغياب النقل. الأدهى من ذلك وجود فئة مثقفة ميسورة وتنهج نفس النهج… لقد واجهتنا عدة صعوبات في حث هذه الفئة-النخبة- على إدماج أبناءها داخل المجتمع عن طريق جمعيتنا، لكننا وجدنا أنفسنا أمام مخفر الشرطة “..

الأمر الذي يؤخر تحسن حالة هؤلاء الأطفال، ويجعل استفادتهم من حصص الترويض الطبي تأخد زمنا أطول و مسارا أصعب على المختصين بهذا المجال.

وتجدر الإشارة إلى أن المركب الاجتماعي لفائدة ذوي الاحتياجات الخاصة، وطبقا لقانونه الداخلي، يستقبل أطفالا وشبابا من الجنسين، تتراوح أعمارهم ما بين سنة و 24 سنة الذين يعانون من:

– إعاقة ذهنية: الثلاثي الصبغي، التأخر الذهني

– اضطراب طيف التوحد

– إعاقة حسية -اضطرابات في النطق-.

إذ أن لائحة المستفيدين من هذه المهام سواء في الترويض الطبي أو في التربية الخاصة، تتضمن 113 طفلا وشابا، بينما هناك لائحة للانتظار لالستفادة من خدمات المؤسسة تضم 68 من الأطفال، سواء تعلق الأمر في حاجاتهم للترويض الطبي أو التربية الخاصة أو الترويض الحسي الحركي.

وقد أكد لنا ذلك المختص في الترويض الطبي بذات المركب، محمد مرزوق، حيث قال:

محمد مرزوق، المختص في الترويض الطبي بالمركب الاجتماعي
محمد مرزوق، المختص في الترويض الطبي بالمركب الاجتماعي

“نجد صعوبة مع الأطفال الذين التحقوا في وقت متأخر. فكلما بدأنا العلاج مبكرا، كانت الفرصة أكبر للعلاج. لأننا بداية نحتاج وقتا لتشخيص الحالة وبالرجوع إلى التقرير الطبي نضع خطة محكمة للعلاج قد تصل إلى أكثر من حصتين في الأسبوع. إن ميدان الترويض الطبي ميدان متجدد دائما ونحن نحاول ما أمكن الاشتغال بما لدينا من إمكانيات متوفرة”.

إن الأطفال في وضعية إعاقة شريحة أخذت أعدادها في الازدياد خلال السنوات الأخيرة. والمخطط الذي وضعته الدولة لأجل دمج هذه الفئة، في المجتمع ظل عملية ضعيفة، جعل الكثير من الآباء يترقبون ولوج أبناءهم المدارس العادية أو الحصول على مقعد داخل الجمعيات المهتمة بشأن الإعاقة.

ورغم ما أولته الرؤية الإستراتيجية 2015-  2030 لأجل تأمين الحق في الولوج للتربية و التكوين، وقوة الإيحاء الذي يحمله شعار الدخول المدرسي الحالي من أجل “مدرسة مواطنة و دامجة”، إلا أنه يبقى بين التخطيط والتطبيق على أرض الواقع  فرق شاسع.

ولمدير المركب الاجتماعي مبارك أبوليد رأي في هذا الموضوع:

مدير المركب الاجتماعي بتزنيت، مبارك ابوليد
مدير المركب الاجتماعي بتزنيت، مبارك ابوليد

بالنسبة لفلسفة التربية الدامجة – وهذا رأيي الشخصي أتحمل فيه المسؤولية.. جاءت  كمخطط تنموي والمغرب له التزامات حقوقية واتفاقيات دولية مع منظمات أجنبية كهيئة الأمم المتحدة و اليونسيف إلى غيرها… وبالتالي فهو ملزم وبشكل مستمر بتقديم تقارير موازية في ما يخص تنزيل وتطبيق هذا البرنامج”..

وتابع حديثه مبتسما: “دعيني أقول كمن يحارب وهو لا يمتلك سلاحا.. صحيح أبهرنا الشعار وآمنا  بفلسفة التربية الدامجة، لأن مكان كل طفل هو مدرسة عادية وسط أطفال عاديين. ولكن شتان بين الرؤية  والفلسفة و ما هو واقع. وأنا باعتباري مديرا لهذا المركب التابع لجهة سوس ماسة، فقد لاحظت أن في تطبيق هذه الرؤية فرق كبير بين الجهات إذ لا مجال للمقارنة بين جهتنا و جهة الدارالبيضاء  مثلا “.

المركز الاجتماعي لذوي الاحتياجات الخاصة -تزنيت

و تدخل الحسين بيكادرن قائلا:

” إن الطاقة الاستيعابية للمركب الاجتماعي لذوي الاحتياجات الخاصة قد فاقت العدد المفترض، حيث يستفيد  أكثر من 120 طفل في وضعية إعاقة وآخرين في لائحة الانتظار، لأن لا خيار لدينا أمام العجز الذي يعرفه المركب. نأمل  أن يسمح المشروع المسطر في برنامج عمل المجلس الإقليمي لأجل توسيع المركب لكي يستفيد 100 طفل آخر، وبالتالي نضمن على الأقل التحاق أغلب الأطفال. خصوصا، وأن مهمتنا هي تأهيل هؤلاء الأطفال وليس فقط وضعهم تحت الحراسة والاحتفاظ بهم إلى حين بلوغ سن 25 سنة، ثم بعدها نطلب منهم المغادرة. لذلك فكرنا في تأسيس مركز للحرف والمهن التي تهتم بالنقش على الخشب و الرسم على الجبص، و طبعا لا ننسى الفضة. كما أسسنا مركزا آخر يهتم بمجال الطرز والخياطة و السيراميك و كذلك الحلويات. لكننا بحاجة إلى دعم كبير وإلتفاتة من المسؤولين السياسيين والفاعلين والمؤسسات الحكومية حتى نتمكن جميعا من تمكين هذه الفئة من شواهد تؤهلها لولوج سوق الشغل”.

لكن عـددا قليـلا مـن المراكـز أو الجمعيـات، هـي التـي تقـدم تعليمـا يمكــن الأطفــال في وضعيــة إعاقــة مــن تعلمــات مدرســية. إذ لم ينجــح في وضــع برنامــج مــدرسي ملائــم، والإعــداد لاجتيــاز امتحــان الحصــول عـلـى شــهادة، ســوى بعــض المراكــز وبعــض الجمعيــات. أمــا المراكــز الأخــرى، فهــي تقــدم بالأســاس أنشــطة أو إعــادة التأهيــل تساعد الأطفال عــلى تحقيــق الاستقلالية. وفيهــا يتــم اسـتبدال الأنشطة المدرسية بأنشــطة سوســيو- تربوية. وفي هــذا الإطار، فالمركز يقوم بـدور تنشـيطي تأهيلي.

 

بدائل اضطرارية في غياب حلول أخرى

مـا تـزال الجمعيـات تقـوم بـدور مركـزي اعتـمادا على الوسـائل والـموارد التـي تتوفـر عليهـا. إذ تعتبر الجمعيات الآن، البديل الأنسب لتمدرس الأطفال في وضعية إعاقة، رغم الإكراهات والصعوبات التي عانت منها ولاتزال. وشكل تأخــر الــوزارة في تربيــة و تمدرس الأطفــال في وضعيـة إعاقـة، والتفويـض النسـبي لهـذه المسـؤولية للمجتمـع الـمـدني، في غمــوض أدوار المتدخلـيـن ومســؤولياتهم وغيــاب إعــادة التنظيــم والوســاطة.  لـذا، يجـب التفكيـر في تحديـد أدوار كل فاعـل حتـى تتمكـن وزارة التربيــة الوطنيــة مــن تدبــر الملــف الكامــل لتربيــة الأطفـال في وضعيـة إعاقـة بفعاليـة.

ويقول أمبارك أبوليد: “إذا ما رغبنا في تحقيق تقدم إيجابي لهؤلاء الأطفال في وضعية إعاقة، فلا بد أولا أن نعترف جميعنا بأن الجمعية وحدها غير كافية، ولا يجب أن تكون البديل الوحيد… إننا نحتاج إلى إرادة سياسية قوية تسعى إلى التطبيق الحقيقي للإدماج و إعادة تنظيم هذه السياسة التربوية لكي تتأقلم مع واقعنا الاجتماعي”. وأضاف المصدر ذاته أن المركب الاجتماعي بالتنسيق مع جمعيات أخرى، سينخرط في الأيام القادمة، في عمليات تحسيس واسعة اتجاه السلطات المعنية وأولياء الأطفال في وضعيات إعاقة.

وعن حالة الطفل هشام، أكد الحسين بيكادرن قائلا ” بالنسبة للطفل هشام  فقد استضفناه بالجمعية فلا بديل لديه، شأنه شأن الكثير من الأطفال “ وقال مدير المركب الاجتماعي لذوي الاحتياجات الخاصة ” إننا نحاول تكثيف الجهود لإدماج فئة الأطفال في وضعية إعاقة و توفير التهيئة و الولوجية الضروريتين  لذلك و تأمين النقل لهم، رغم اهتراء السيارتين المخصصتين لذلك “.

تدابيرو إجراءات متعثرة

تقول الوزارة الوصية على قطاع التربية والتعليم، إنها وضعت مجموعة من الإجراءات و الحلول التي تكرس حق الأطفال في وضعية إعاقة، في تعليم ميسر الولوج وذي جودة. حيث وضعت إطارا تنظيميا وبنيويا لتيسير الإدماج المدرسي التدريجي للأطفال ذوي الإعاقات الخفيفة والمتوسطة في المدرسة العمومية، سواء بالأقسام المدمجة أو الأقسام العادية. ولتسهيل هذا الإدماج، وضعت الوزارة مخطط عمل جهوي يهدف إلى تقوية قدرات الأطر التربوية والإدارية من أجل اعتماد مقاربة دامجة، والتوعية بحقهم في تربية دامجة جيدة.

كما نصت عــلى ضرورة تفــادي المراكــز المتخصصــة. ومــع ذلـك يلاحـظ أن الأجهـزة، وخاصـة أقسـام الإدمـاج المـدرسي، قــد تــم تعزيزهــا. وأن أغلبيــة أجهــزة التدريــس الموجــودة، تميل إلى المقاربـة المتخصصة أكثـر مـن المقاربـة الإدماجيــة. وفي غيـاب الــشروط والوسائل وتكوين المدرسين، يفضــل عــدد من الآباء النمــوذج المتخصــص أو الإدماجــي، الــذي يعتبرونــه أفضــل وأجــود بالنســبة لأطفالهم.

تعكـس التجـارب، الواقـع الـمدرسي والأسري لمختلـف الأطفـال في وضعيـة إعاقـة، ومعانـاة أسرهـم في مواجهـة الوصم ومحدوديـة التشـخيص والتوجيـه والتعليـم، فضـلا عـن النقـص في التنسـيق بـين الفاعلـين، التـي تحـول دون الدمج الاجتماعي لهؤلاء الأطفال.

 حنان قُريشي







تعليقات

  • التفاتة إنسانية من الأستاذة حنان لهذه الفئة المهمشة التي تحتاج المزيد من الاهتمام والرعاية. سواء من المجتمع المدني أو السلطات المحليةبالمدينة.

  • كل التقدير ??والاحترام?? لهذا النوع من الطرح والالتفاتة في حق فئة مهمشة في مجتمعنا المغربي،فئة تحتاج الى الدعم المادي والمعنوي،والتوعية الاعلامية من اجل محو النظرة السلبية للمجتمع في حق هذه الارواح البشرية البريئة التي تنبض بأرقى مشاعر الانسانية.والتي لا ذنب لها في انها وجدت في وطن لها يهتم بدوي الاحتياجات الخاصة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.