الجمعة 3 مايو 2024| آخر تحديث 12:29 04/21



هنا الكرة المغربية: أوقفوا التصوير!

هنا الكرة المغربية: أوقفوا التصوير!

“ما بغيناش كووورة…”: عبارة عميقة نطق بها شاب في مقتبل العمر بشكل عفوي عقب أحداث الخميس الأسود بالعاصمة الاقتصادية للقناة الأولى المغربية في حرقة وألم كبيرين.
    كعادتي لم أشأ أن أخط ولو كلمة في هذا الموضوع عامة، لأن الكرة إنما تعد ضربا من اللهو واللعب لا غير. لكن أن يتحول توظيفها لأغراض دون هذا فشيء آخر يدفعك نحو الكلام.
   دعونا أولا نعقد مقارنة بسيطة بيننا وبينهم في نقطتين اثنتين: في إسبانيا بلد العملاقين الكرويين مضرب الأمثال على حد تعبير الجزيرة القطرية التي ترفع دولا وتهوي بأخرى بإعلامها وأموال النفط فيها تكون المدرجات فارغة إلى حين دنو آجال المباريات بدقائق فترى الناس بعدها يتقاطرون لتمضية وقتهم الثمين في أروع المشاهد بكل روح رياضية، لا لشيء إلا أنهم اعتبروا الأمر مجرد لهو ولعب . لكن في هذا الوطن الحبيب تمتلئ المقاهي عن آخرها حتى قبل أن يدخل أهل الدار للملاعب بكثير أضف إلى ذلك شجارات لفظية وحسية تصاحب جميع أطوار المقابلات، وأمام الشاشات فما بالك بالواقع الملموس. وهنا مكمن الفرق، هنالك في أوروبا كذلك، يحمل الناس معهم لافتات وصور تعبر بوضوح عن شيء ما هدفهم في ذلك إيصال رسائل مهمة في قضية من القضايا إلى من يهمهم الأمر، لكن هنا في المغرب كثيرا ما وجدنا لافتات صورت فيها الجماجم والعظام كالتي تدرج على قارورات السوائل القابلة للاشتعال وأشياء أخرى كثيرة قليل من يفهم مغزاها ودلالاتها. لكن الخميس الأسود هذا فسرها تباعا بشكل عملي غير قابل للجدال.
   أخطأ أمين الرباطي أو لم يخطئ في مباراة الرجاء البيضاوي والجيش الملكي فإنه لا يستحق السب والشتم والنيل من عرضه بأي شكل من الأشكال. تلقى وابلا مضادا للدروع الحسية والشعورية من الألفاظ التي تدل على التردي القيمي داخل مجتمع يعيش حالة من الفصام النكد بين مؤسسات التربية عامة (أقصد هنا: الأسرة , المدرسة، الإعلام). إني أركز مرة أخرى على هذا الداء، لأنه ببساطة أساس كل شر. أمين الرباطي لاعب لا غير، بمعنى أنه قد عد لصنع الفرجة بالمقابل وليس له أن يدخل رقعة الملعب وبين أضلعه حقدا دفينا لأي كان. هذا ما يجب أن يكون في الواقع، ولكن هيهات، هيهات. فبعد ان تلقى الرجل صفعة قوية لم يجد هو الآخر غضاضة في التعبير بما أوتي من قوة عن عقلية ومنطق لا يستسيغه الناس أمام شاشات التلفاز، هم وأولادهم وعائلاتهم الصغيرة والكبيرة.
   اسمحوا لي أن نرجع بالتاريخ إلى حدود مباراة المغرب وتانزانيا في “دار السلام” التي خرج فيها فريقنا “عصارة البطولة الاحترافية” بثلاثية في مرماه لواحد، حتى نضع أنفسنا في السياق الكروي بهذا البلد، نتيجة مذلة أمام جماهير الضيف الذين يبدو والله أعلم أن غالبيتهم دخلوا مدرجات ملعبهم المعشوشب دون سابق علم بالمباراة، منهم فقط من تجول قرب باب المركب وهكذا قادته الظروف نحو كرسي ليستريح وفي يده قطعة “كرتون” وحلم، بل وتمنى ونحن لم نحسدهم في أمنياتهم فللإنسان الحق في ذلك، وبالتالي خطوا نتيجة عدت من المستحيل لدى الكثير من المتتبعين. لكن بعد المباراة اتضحت الحقيقة للعميان قبل المبصرين فاكتشف المغاربة المساكين بعدها أن أسدهم إنما هو مصنوع من البلاستيك المغشوش كحال الكثير من المنتوجات ضخ فيه نفس كثير من قبل المسؤولين على صناعة الرأي العام الوطني، فلما احتك مع طقس إفريقيا موطن الحيوانات المفترسة الحقيقية بانت حقيقته للعيان. آنذاك فقط تنكر المدرب وتنكر من تنكر معه…
   “عار على المغرب إذن، صاحب “البطولة الاحترافية” أن ينهزم أمام منتخب دولة بعيد كل البعد عن منطق المنافسة الكروية في القارة السمراء”، عبارة لهجت به ألسن الكثيرين. لكن من تتبع أحداث الشغب الأخيرة التي خلفت آثارا يندى لها الجبين على ممتلكات الناس وأعراضهم سيفكر ألف مرة قبل أن يحكم على فريق وطني مهده ومنشؤه سباب وشتم وتبادل للتهديدات وخراب كخراب الحروب والكوارث الطبيعية.
   قد يقول قائل: “إن الأحداث الأخيرة من صنع طائشين لا غير؟”! لكن الحقيقة والرد يأتيان سريعا إذ الإحصائيات حسب وسائل إعلامنا تنبئ بالأسوأ، فغالب المشجعين الذين يصطفون أمام عدسات الكاميرا ببطونهم العارية شباب كان من المفروض أن يحمل مشعل الحضارة في هذا البلد، لكن ما ينقصه هو مربط الفرس: “التربية والتعليم”. وهنا أستحضر ما نطق به الوزير المكلف بالقطاع يوما تحت قبة البرلمان حين قال: “الأسرة المغربية استقلت!” وكأنه يريد بهذا عجز الأخيرة عن تحقيق دورها المطلوب إلى جانب المدرسة، كل في واد ولإعلام بين هذا وذاك يصنع الأعاجيب بالعقول والقيم ليخرج لنا في الأخير مجتمعات مدمرة ومدمرة –بفتح ميم الأولى وكسر ميم الثانية مع التضعيف- في آن واحد على جميع الأصعدة والمجالات.
   ما يزيد عن مائتي معتقل في الأحداث الأخيرة غالبيتهم شباب بما معناه أن أزيد من مائتي أسرة فشلت في تبليغ رسالتها التربوية المتمثلة في تنشئة مواطنين صالحين، وإن كان الأمر على هذه الحالة فلا ضير إن أعدنا جملة الشاب “ما بغيناش كوووورة” وأضيف: حتى نتوفر على عقول تفقه بأنها مجرد لهو ولعب وليست حربا ضروسا بين الاشخاص والقبائل والمدن وتصفية للحسابات، وأي حسابات، فأوقفوا التصوير.!  بقلم: احمد اضصالح [email protected]