الجمعة 3 مايو 2024| آخر تحديث 12:46 04/16



الواقع الدعوي للحركة الإسلامية بالمغرب

الواقع الدعوي للحركة الإسلامية بالمغرب

بسم الله الرحمن الرحيم : قال تعالى: “لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ، كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ” [المائدة : 78-79].قال الإمام الحافظ ابن كثير: أي كان لا ينهى أحد منهم أحدا عن ارتكاب المآثم والمحارم ثم ذمهم على ذلك ليحذر أن يركب مثل الذي ارتكبوه, فقال “لبس ما كانوا يفعلون” وقال الإمام أحمد رحمه الله حدثنا يزيد حدثنا شريك بن عبد الله عن علي بن بذيمة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهم” قال يزيد وأحسبه قال في أسواقهم و واكلوهم و شاربوهم فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون وكان رسول الله صلى الله عليه متكئا فجلس فقال” لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطرأ” . أطرأ بفتح الهمزة مفعول مطلق لتأكيد أي حتى تمنعوا أمثالهم من أهل المعصية.[تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي,ج8/413].
  ولنا في خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد توليه الخلافة الدروس والعبر ومنها نستمد التوجيه الأسلم في منهجية الإصلاح فأي تغيير يحاول أن يستغني عن تجارب من سلف, فمصيره إلى التحزب والتمزق والضعف والوهن, فإليك ما افتتح به الإمام الخليفة الراشد خلافته على المسلمين
بعد أن تمت البيعة العامة لأبي بكر رضي الله عنه قام فخطب في الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد ،،،
“أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني ، الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله.
لا يدع أحد منكم الجهاد في سبيل الله ، فإنه لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء” .
أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم” فسبحان الله منذ الوهنة الأولى حدد لهم منهجية الاشتغال في إطار عمل نخبوي و تشاركي لا سلطوي ولا مستبد يقر لمبدأ النسبية في التجربة البشرية.  
قال ابن كثير في البداية والنهاية “5/248″ و “6/301″: إسناده صحيح,ومثل هذه الخطبة ذكرها الخليفة عمر رضي الله عنه,ومما قال أيضا أخطأ عمر وأصابت امرأة؟؟!,لا إله إلا الله ,إنها خلافة تعترف بالفرد كمواطن وبقدراته وإمكاناته الذاتية,كما تعترف بحقيقة واقعية ومنطقية مسلم بها من كون التجربة البشرية يعتريها الصواب والخطأ, فتحتاج دائما إلى من يقوم ويراقب ويتتبع عملها, إنه تعبير عن منتهى وقمة الديمقراطية وإشراك الرعية في سياسة أمور البلاد, وكذا في تقرير المصير وفي البناء الحضاري والثقافي للأمة. وهذه المقدمات هي التي ستقودنا للإجابة عن سؤال جوهري نصوغه كالآتي :
 ما مدى التزام الحركة الإسلامية بهذه المبادئ والقواعد والأبعاد والممارسة الخلاقة وهل الحركة الإسلامية ملتزمة فعلا بالمرجعية الدينية التي تبنتها في إطار أعمالها وأنشطتها.
إن واقع الحركة الإسلامية يحتاج إلى وقفات وتأملات وإعادة نظر والقيام بعمليات تطهير من داخل الحركات لتصحيح النيات والتوجهات. لأن الحركة الإسلامية تم إفراغها من مضمونها وتم عزلها عن رسالتها الدعوية و التربوية,فتم السطو على الحركة الإسلامية عند كثير من المنتسبين لها كمدخل لبلوغ كراسي الحكم ومراكز القرار لا أقل ولا أكثر,ومثل هؤلاء لا يصلحون لقيادة المشروع الحضاري الذي يهدف إلى بناء مجتمع إسلامي طاهر مرجع الإسلام وغايته إرضاء الله عز وجل والذي اشتغلت به الحركة الإسلامية في سابق عهدها مع اللامصلحيين واللادنيويين,ولكن مع الأسف نحس بغياب هذا التوجه الدعوي التربوي الهادف في مسار الحركة,نعم رفعت شعارات محاربة الفساد,ولكن خانوا هذا الشعار أو أنهم نظروا إليه من زاوية ضيقة سياسية محدودة جدا لا ترمي إلى إصلاح شامل, يراعي جميع الفئات والأطياف والأجناس,فالقوم أخطئوا سبيل الإصلاح,فما هو سبيل الإصلاح الذي نتحدث عنه؟؟إنه إصلاح مستمد من أصوله يخاطب الإنسان السياسي و اللاسياسي,ولا يستثني أحدا من منظومة الإصلاح,إننا نتحدث عن إصلاح مستمد من شريعة ربانية وواقعية وعالمية وشمولية,تحوي المنهج والمنهاج وضعها الخالق البارئ الذي يعلم ما به تصلح النفوس وتعالج به المشاكل والرهانات والتحديات,ويصلح كبديل لهذه الأمة بعد أن أعيتها الخطابات القانونية.
إن الوثوب إلى السلطة وحده ليس حلا لمشكلات هذه الأمة أبدا إلى قيام الساعة,لأن مشكلات هذه الأمة لا يفقهها إلا العلماء الراسخون,فإن كان الطبيب لا غنى عنه في معالجة الاضطرابات والأزمات والنكبات النفسية والبدنية,فكذلك للفقيه وللعالم مقام في الأمة لا غنى عنه في معالجة المشكلات والوقائع والنوازل التي تنزل بالمسلمين,الذين نهجت ضدهم الخطة التي يمكن أن ننعتها بعلمانية وعولمة الخطاب الديني الإسلامي,هذا الخطاب الذي يحاول تقزيم أدوار الفقهاء القيادية وتفاعلهم مع منظومة الإصلاح والسعي لتعجيز الخطاب الديني,ومن الغريب جدا أن نجد بعض الحركات الإسلامية تساهم بدور فعال في إقرار هذه الرؤية التهميشية والتقزيمية لكلمة الفقيه ولرأيه السياسي والتعبوي. وهذا الواقع المؤلم والمر هو الذي دفع فضيلة الدكتور “فريد الأنصاري” -رحمه الله تعالى- هذا المجاهد الذي كابد وعانى وقام بنقد داخلي من داخل الحركة الإسلامية لإعادة تصحيح هذه الرؤية, فهو أحد كبار ورواد وأعلام الحركة الإسلامية بالمغرب, حيث أفنى فيها عمره, ولكنه تبرأ منها في آخر حياته ووجه إليها نقدا بناءا لادعا صادقا موضوعيا منصفا لاحظ لنفس فيه إنما كان انتصارا للحق بعد مراجعة للنفس في كتابه “الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب” الذي أثار ضجة على المستوى الإعلامي ,لاسيما وأنه جاء في ظرفية حرجة ومناسبة أثناء إعلان الحملة الانتخابية, سنين من التجربة والعطاء والجهاد لكن في آخر المطاف القوم لا يريدون أن يكون الرأي الفصل للفقيه, والمرحوم يقول هذا بنفسه فقد حاول أن يستجلب أصوات الفقهاء داخل الحركة وأن يشاركهم طاولة التدبير والقرار الإصلاحي السياسي والحضاري, لكن دون جدوى,وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الإخوان هداهم الله لا يريدون تحكيم شرع الله, ومنهم من يشكك في نجاح المشروع الإسلامي آخذين منه الاسم فقط للإشهار,وكما نقول بلغتنا العامية “بزاف عليكم تحكيم شرع الله” نحن لا نطالبهم ولن نطالبهم بهذا لأنه من شبه المستحيلات وخصوصا في هذا البلد,وإنما كخطوة أولى نقول لهم,حكموا شرع الله ولو بينكم وفي بيوتاتكم ومن داخل أسركم,واعلموا أنكم ممن يشار إليه بالأصابع وممن يقتدى بهم,لأنكم مثلتم صوت الأمة فكونوا رعاكم الله في المستوى المطلوب,فإن الأمة تغار على هذا حشمتها ودينها, و ما ترى من انتهاك لحرمة هذه المرجعية التي استوليتم عليها واتخذتموها شعارا,فلا يقبل من أمثالكم وأنا أخاطب الإخوان داخل الحزب ,مازالوا يتبادلون الضحكات والمصافحة والاختلاط ربما لم يثبت عند القوم دليل تحريمه,وأين أنتم من متابعة الهدي النبوي ومن الالتزام بالمظهر الشرعي مع الاعتناء بالباطن فالدين قلب وقالب لا يتجزأن,أم أسعدكم شدة الحرص على متابعة مظاهر الكفار فقد نهينا يا إخوان جزاكم الله خيرا عن هذا فلا تنعتوه بالرجعية وبالقشور,ولا تردوا هذا الكلام بالقول المشهور على مذهب العلمانيين : قد أغرقتمونا بالجزئيات؟؟! , فيحتاج المساكين إلى درس في الفقه كي يميزوا بين الجزئيات وبين المحرمات والمنهيات,”فالكلي لا يقوم إلا بالجزئي” كما هو معلوم عند أهل المقاصد,ومثل هذه الأشكال و الآراء الفاسدة إنما يفرزها التصويت الجماعي أي باللائحة وهذا من أكبر عيوب هذا النمط من التصويت,تصوت على إنسان صالح,ويحكمك ويتفلسف عليك إنسان طالح بعقلية علمانية غربية لا حظ له من الدين فكيف تريد منه أن ينجح في فقه التدين, وبالأحرى كيف يتصور من مثله أن يمارس فقه الإصلاح, وإن سألته أين الله سيجيب بأنه في كل مكان,وقد أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم جارية بتفوقها في اجتياز امتحان على شكل سؤالين عقديين فقال عليه السلام :من أنا ,فقالت :رسول الله وقال لها أين الله :فقالت :هو في السماء,فقال للرجل أعتقها فإنها مؤمنة –والحديث بلفظه في مسلم- ومن القوم من ينادون ويطالبون بمحاربة الفساد والمفسدين من الشعارات التي ألِفنا التغني بها, وبنته تخرج إلى الشارع متبرجة؟!! ومنهم من غَلب في صلاة الفجر,فالإصلاح الحقيقي الصادق لابد أن يبدأ من الداخل كمرحلة تكوينية على ما يستقبل من المواجهة الخارجية,ولكي نكون رياضيين وحسابيين أكثر مراعاة للإخوان الذين لا يفهمون إلا بلغة الأرقام والأسهم والحساب,سنضع جدولا نصف فيه الإحصائيات التي سنقوم بها ونعزز بها هذا الواقع والمقال:

25 سنة فما فوق

ما بين 10 سنوات إلى 25 سنة

10 سنوات

 

% 65

% 15

% 3 في أحسن الأحوال

الحضور في المساجد

% 20

% 95

% 99

الحضور في الأنشطة الثقافية و الترفيهية : ممارسة الرياضات والرحلات والمخيمات والدوريات.

% 100

% 100

% 100

الحضور في المدارس والثانويات )وهذا جيد محمود(

-وهذا طبيعي لأن القرآن والمسجد لن يخرج لنا الأطر حسب النظرة العلمانية البرغماتية النفعية التي أضاعت فيء الآخرة للحفاظ على فيء الدنيا وتجعل مردود المؤسسة الدينية بين جدلية النسبية والاحتمالية فآخر فوج تخرج من هذه المدرسة العلمية الإيمانية هو الأفواج الثلاثة من الصحابة وأتباعهم وتابعي تابعيهم!!!-
وقد تنضاف إلى هذه الحصيلة نسب أخرى كأحوالنا في المناسبات ونسب التبرج .. وغيرها كثير لا يتسع المقام لذكرها,فإن نجحنا على الأقل في التوفيق والموازنة بين الأنشطة الدنيوية والأخروية, فكل شيء بعدها سيهون إصلاحه بإذن الله نحن لا نقول بالزهد عن الدنيا أبدا بل نحن كذلك سامحنا من أهل الدنيا ولكن أضعف الإيمان:ساعة ساعة,فنحن نريد فلكيين ومهندسين ورياضيين يزاحمون المصلين على الصفوف الأولى في المساجد,مع العلم بأن مشروع الدعوة القائم على الفعل والعمل أنجع وأنفع, من ذاك الذي يكون بالقول,فرب داع بعمله أعظم قدرا وأرفع منزلة عند الله من داعية بعلمه مقتصرا عليه.
وأنصح جميع الحركات الإسلامية بأن يرجعوا إلى كتاب الأخطاء الستة المذكور ويقرأوه حرفا حرفا قراءة المتأمل التائب الصادق الذي يروم فعلا إلى عملية إصلاح جدي, فالشيح كأنه يتصالح مع الله ويراجع نفسه أولا قبل غيره ونقده ليس نقدا عن فراغ, بل كان نقدا موضوعيا صادقا وخلص إليه بعد طول تجربة ومراس ومراجعات في هذا الميدان,والشيخ معروف بمنهجه العلمي الموضوعي الدقيق رحمة الله عليه وعلى علماء المسلمين جميعا,ورحم الله من أهدى إلينا عيوبنا ولم تفسد الأمة إلا بعد أن عطلت واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر,أو ما يسمى بالمفهوم المعاصر “مبدأ النقد والنقد الذاتي”,فإن وجدتم شدة وثقلا في كلام الشيخ فاعلموا أنكم أخطأتم المسار والتوجه الدعوي,وحسبكم أن تتجردوا من المرجعية الدينية للحزب,فتصبحوا كباقي الأحزاب علمانية كانت أو ليبرالية أو اشتراكية,وآنذاك لن نخوض معكم في هذا التقويم والحسبة وإنما سنطالبكم بالعدل فقط في سياسة أمور البلاد والعباد رقابة وتشريعا وقضاء وتنفيذا.
وآخر ما سأختم به هذا المقال أو التقويم – وإن لم أكن أهلا له لأن الذي يمارس هذا التقويم هم أئمة المساجد, فلما غابوا نسبيا على الساحة,اضطررنا اضطرارا فصار حكمنا كحكام الضرورة لا غير؟؟! – قول إمامنا مالك رضي الله عنه : “لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها” فمن شكك أو عارض أو تخاذل  أو غيب أو استهزأ بقول مالك فلا بارك الله فيه ولا في مسيرته ولا في جهوده,فالإصلاح الذي لا يكون منطقه ولا منطلقه القرآن والسنة, فمصيره إلى الفشل بلا ريب,وأكيد أنه سيوقع فيما حذر منه ابن خلدون في مقدمته -الأكثر من رائعة- :
                       نرقع دنيانا بتمزيق ديننا                       فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
نسأل الله النفع بما نقول ونسمع, فوالله لم يكن هذا الكلام أبدا نقدا من أجل النقد, بل نقدا من أجل المراجعة والتقويم والتصحيح لتقوية أسس البناء وضمان الاستمرارية والنجاح للمشروع الحركة بازدواجيته التي تنتظره في إطار تربوي سياسي تشاركي يرضي الخالق ومن كلفهم من المخلوقين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
                                                               كتبه و حرره  وراجعه :  محمد أمين إدحيمود