الإثنين 29 أبريل 2024| آخر تحديث 8:23 03/24



الشباب ومشكلة الهوية

الشباب ومشكلة الهوية

تعد مشكلة افتقاد الشاب لهويته  قلب المشكلات . فجل المشاكل التي يعاني منها الشباب ناتجة عن عدم الوعي بهذه الهوية و أبعادها التاريخية و الحضارية أو افتقاده عموما لها .فالشاب المغربي، إذا سألته: من أنت؟ فربما اندهش من السؤال نفسه لأنه لم يسأل نفسه!! .. حتى إذا أجاب قال : أنا رجل/ امرأة . في أحسن الأحوال يجيب: أنا مغربي. و بهذا يتضح أن إشكالية افتقاد الشباب لهويته يجب أن تكون مربط الفرس في كل عملية تتوخى علاج هذه المشاكل.
إن الشاب المغربي: شاب مسلم أولا ؛  و الشاب المسلم ليس كغيره من الشباب في العالم بأسره فأسلافه الشباب هم من نصروا الرسول الله عليه و سلم و حملوا دعوته حين خذله الشيوخ .. الشاب المسلم يحمل  رسالة حضارية ، عليه واجب البلاغ المبين .. الشاب المسلم عليه تبعات تحرير الأمة من مستعمريها ( فلسطين حاليا و الأقصى الأسير في يد الصهاينة المعتدين). الشاب المسلم قدوته أولا رسول الله صلى الله عليه و سلم ، الشاب المسلم حفيد مصعب بن عمير ( في سن أقل من 17 سنة كان أول سفير للرسول صلى الله عليه و سلم بالمدينة) .. الشاب المسلم حفيد أسامة بن زيد ( اختاره الرسول الله عليه و سلم ليقود جيش المسلمين في معركة مع الروم و تحت قيادته كبار الصحابة من الشيوخ و الكهول و سنه تتراوح بين 18 سنة و 20 سنة  ) .. الشابة المسلمة حفيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق ( التي ساهمت في أكبر تحول في التاريخ ” الهجرة النبوية” و هي تحمل الطعام إلى الرسول صلى الله عليه و سلم ووالدها في غار ثور و هي في سن جد مبكرة ) … هذا هو الشاب المسلم ، هذه هي الشابة المسلمة ، فهل يكون الشاب الواعي بهذه الهوية و المعتز بها كالشاب المفتقد إليها ؟
إن أخطر ما في مشكل افتقاد الشاب لهويته أو عدم وعيه بها هو فقدانه لأي رسالة و غاية في الحياة فينطلق بلا هدف منشود و بذلك يتعثر في الطريق لأنه لا يعرف أي وجهة يريد .. و بالتالي ، قد يرتمي في  أحضان هُويات أخرى غريبة عن كيانه فيضيع . أو قد يعيش في خضم صراعات نفسية ترمي به إلى السموم و السجائر و المخدرات ، أو قد يجعل تفريغ الطاقة الجنسية هدفه من الحياة ، أو قد يسقط  في اللاشيء فيحاول قتل الوقت بالاستماع للأغاني خصوصا الفارغة منها من  المعاني ، أو قد ينضم إلى المجموعات الشيطانية التي استنفذت أغراضها من الحياة ( طقوس عبدة الشياطين) ، أو قد ينتحر و هو أسوء العواقب … ما يعني أن افتقاد الشاب لهويته الثقافية بالخصوص أو عدم وعيه بها يجعله قاب قوسين أو أدنى من أي انحراف و شذوذ سواء في أخلاقه أو سلوكاته أو أفكاره و معتقداته . علاوة على ذلك ،  فمجرد ذلك الافتقاد خدمة مجانية لأعداء الأمة الإسلامية الذين يراهنون على بوابة الشباب (والمرأة) للحرب الثقافية على العالم الإسلامي .
و بما أن مشكلة افتقاد الهوية، كما سلف أن قيل، تعد أم المشكلات. فلا مناص من أن تبدأ عملية العلاج من حلها. و على أساس هذا؛ على الشاب أن يبحث عن هويته ( جذورها ، تاريخها ، أبعادها ورسالتها ) فإذا وجدها – و لا شك هي الإسلام و رسالة الإسلام و حضارة الإسلام – و عرفها فعليه أن يعتز بها و يلتزم بمقتضياتها و تبعاتها ؛ و منها :
  – الإيمان بحقيقة الألوهية ” لا إله إلا الله”: هذه الشهادة ليست كلمة تقال، كلمة و كفى. بل هذه الكلمة هي الحقيقة المطلقة الوحيدة في الحياة ، تعني – فيما تعني – أن الإنسان الذي أقر بها سَلَمَ تسليما مطلقا لله تعالى بالطاعة المطلقة و أنه عبد لله تعالى لا لأحد سواه سواء كانت نفسُه التي تطاوعه و هواها أو شهواته أو المال أو الجاه أو أحد من الخلق. إنه بذلك الإقرار أعلن نفسه حرا من كل العبوديات إلا عبودية خالقه الرحمان جل سبحانه و تعَالْ.و بتَمَثُل الشباب لهذه الحقيقة الكبرى يتحرر من ربقة العبودية لشهوة الجنس أو المال أو المخدرات لأنه فَهِمَ فَهْمًا يقينا أنه عبد لله و ليس لأحد من هؤلاء.
– الصلاة: من أولى مقتضيات الإسلام كذلك؛ الصلاة. الصلاة التي إذا أقامها الشاب حفظته من كل مشكل و  انحراف أو زيغ عن جادة الصواب. كيف لا و قد قال العليم بمن خلق سبحانه : ” إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر” . هذا ليس كلام أستاذ أو عالم بل خالق الإنسان ، لكن المقصود الصلاة المؤداة بشروطها و أركانها و في أوقاتها  و ليست الصلاة التي شبهها الرسول صلى الله عليه و سلم ب” نقر الديك” من شدة السرعة في أدائها .
– بر الوالدين: يكفي أهمية هذا المقتضى الإسلامي أن يقرنه الله عز و جل برضاه أو سخطه. قال الرسول صلى الله عليه و سلم:” رضا الرب في رضا الوالدين و سخط الرب تبارك و تعالى في سخط الوالدين”.فالشاب الذي وعى هذه الحقيقة و أصبحت سلوكا اجتماعيا حيا يلتزم به يدرأُ عن نفسه خطر الدعوات الأبوية – الأب و الأم – بالسخط و الهلاك على الابن في حالة اقترافه وزرا في حقه نفسه أو في حقهما خصوصا في حالة غضبهما عليه. علاوة على أن رضاهما عنه مدخل لعلاج اضطراباته النفسية و عثراته الاجتماعية على الأقل.
– العفة: من تَبِعَاتِ تَمَثُلِ حقيقة الإسلام كذلك، التعفف عن كل ما حرم الله. بِفهم هذه الحقيقة و تمثلها، يَعِفُ الشاب عن الغش في الامتحانات و لو سنحت له الفرصة بذلك لأنه ببساطة يعلم أن الغاش ليس من المنتسبين لأمة الإسلام أو أنه يتذكر أن كل حياته ستقام على باطل: سيكون مطعمه حرام و ملبسه حرام.. فأنى يستجاب لدعائه آنذاك . بفهم هذه الحقيقة كذلك، يضع الشاب أمام عينيه نموذج الشاب يوسف الذي يَشِع حيوية و هو يواجه الإغراء الملفوف بالإكراه و ببساطة لأنه عَلِم أن ربه أحسن مثواه. يروي تعالى تلك القصة فيقول: ” و راودته التي في بيتها عن نفسه و غلقت الأبواب و قالت هِيتَ قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون”.سورة يوسف  ( الآية 23 ).و يهذا تنفك مشكلة الجنس الطارئة بالصبر و المصابرة و اعتبار الزواج أمر آتٍ و أن كل آت قريب.
– الحياء، غض البصر: من السمات المميزة للإسلام أنه يجعل ” الحياء شعبة من الإيمان” و يأمر المؤمنين و المؤمنات بغض البصر . قال تعالى:” قل للمؤمنين يَغُضوا من أبصارهم و يحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون و قل للمؤمنات يَغْضُضْن من أبصارهن و يحفظن فروجهن و لا يبديهن زينتهن إلا ما ظهر منها و ليضربن بخمرهن على جُيوبهن “. سورة النور ( الآية 30 و جزء من 31). إن تمثل الشاب مرة أخرى لهذه المقتضيات بعد فهمه لحقائقها، تجعله يكون في حصانة كاملة ضد الفيروسات الأخلاقية و الإباحية و الفتنة في الجنس..
– الإحساس بالانتماء لأمة الإسلام: إن انشداد الشاب إلى هويته الإسلامية يجعله يحس بالانتماء للوطن الإسلامي من طنجة إلى جاكرتا منطلقا من أحاديث الرسول صلى الله عليه و سلم:” من بات و لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم” . ” مَثلُ المؤمنين في تَوَادِهم و تراحمهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو واحد تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحِمى”. و هذا الإحساس بالانتماء لأمة الإسلام من الأهمية بمكان لأنه من الأمور المهمة المُعينة له على عدم التفكير في السلوك الجنسي الهابط و هو من الدوافع نحو البحث عن معرفة تاريخ الأمة و مستقبل صراعاتها مع أعدائها..
بكلمة، كلما كان للشباب هوية فكرية ذاتية. و منهج أصيل؛ فإنهم يصبحون قادرين على التمييز و الاختيار. إن انغراس قيمة ” إن أكرمكم عند الله أتقاكم” في عقول الشاب. تجعلهم يصمدون أمام القيم التي تأتي من الشرق أو الغرب مثل جمع المال كوسيلة لتحقيق المكانة الاجتماعية و التفاخر.و إن انغراس قيمة” إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه” في نفوس الشباب تجعلهم يُقبلون على الحياة بجدية كي يحسنوا كل ما يقومون به من دراسة أو صناعة أو تجارة  أو وظيفة أخرى(1)..
من مكونات هوية الشاب كذلك ، فضلا عن المكون الرئيس “الإسلام”، هي المغربية ؛ فوعي الشاب بهذه الهوية يجعله كذلك يشاطر إخوانه من نفس الوطن الصغير همومهم في النهضة و التنمية و بهذا تتسع مداركه و يتفتف وجدانه لأمور سامية تُنسيه حمأة الجنس الآسِنَة  و بهذا الانتماء الاجتماعي كذلك تُخَفَف آلامه النفسية و يُدفع دَفْعا نحو طلب المعرفة للمساهمة في فهم أزمات مجتمعه و البحث عن حلول لها.

(1) مقال: ” مشكلات الشباب النفسية و مطالب تكيفهم” . الدكتور خالد الطحان . مجلة الأمة .العدد : 70 سنة 1986 .
http://ayoub-bouakhaden.blogspot.com