الأحد 5 مايو 2024| آخر تحديث 11:24 03/19



تحرر فكري.. الجزء الثاني

تحرر فكري.. الجزء الثاني

تحرر فكري…بعد صراع مرير مع المذهبيات واللامذهبيات :
الجزء الثاني:واقع الدرس الأصولي و إشكالية فهم الخطاب الشرعي
 
    نريد تحررا فكريا بعيدا عن التعصب المذهبي وبعيدا عن التعصب للاجتهادات الفردية,وهذا لا يتأتى إلا  بضبط الدرس الأصولي,أو بالأحرى المصطلح الأصولي بكل ما يكنزه من دلالات وأدوات واصطلاحات ومفاهيم ,و هذا التخصص الأصولي يعد من أكبر الرهانات والعقبات التي تواجه مسيرة  بعض الجماعات الإسلامية,”فأصول الفقه”كمادة,كان الفقهاء سابقا يعتنون بها ومازالت ولله الحمد تدرس بين منظومة المواد المقررة في بعض المدارس العتيقة – هذه المدارس التي مازالت وفية بمناهج التدريس القديمة وقد شوشوا عليها مؤخرا وأرادوا أن يفسدوها, فأدمجوها في النظام الجديد المفرنس وأصبح تحصيل الطلبة محدودا في مقررات مختصرة,ومتبوعا بإطار زمني جد ضيق!!– فهذه المادة الأصولية المنهجية هي التي توجه العقل وتقوده إلى الفهم الصحيح للنصوص الوحيين, وتُعلم بها حدود الأدلة الشرعية, و نميز بها بين النص ومراد النص,ونضعه في سياقه المقاصدي و نحيط بالتحديات التي تحكمه,وهذه المادة إن أحسن ضبطها,سنحد بها من عدة إشكالات منها ما يقع من تنزيل الفتاوى الجاهزة التي تستوردُ من المشرق عبر اللاسلكيات على حوادث ونوازل تنزلِ بنا في أقصى الكرة الأرضية, فيحكم عليها عالم ربما تجده لم تطأ رجله قط أرض هذا البلد,و لا يعلم شيئا عن طبيعة أهله و لا توجهاتهم ولا حالة البلد الاقتصادية و المادية و البنيوية, ولا السوسيوسياسية, وربما تكون أصوله التي استند إليها مخالفة لأصول مذهب علماء أهل البلد في الاستدلال,ومن يقول ويناد بالتحصن من البدع, فنقول له: إن ذلك لا يتم و لن يتم إلا بالرجوع إلى حلق الدرس الأصولي, لضبط الفهم وتصحيح التوجه,والتصور,لتتكون لدى المفتي ملكة أصولية فقهية و طريقة جدلية يحصن بها العقل من الزلل, ومن سوء الفهم,فأكبر بدعة في الدين هي سوء الفهم عن الله ورسوله,وكذا التحزب والتفرقة,ويرحم الله العالم الأصولي الذي سأشهد له شهادة لله غيرة عليه الذي أظهره علمه, وملكته الأصولية بين رجالات وجبال الأطلس الصغير, فتشرفت المنطقة السوسية بأقصى الجنوب المغربي باحتضان هذا العلم الذي قل نظيره في زماننا, والذي ظهر سيطه, واشتهر في بلاد المشرق قبل المغرب فحقق بعض مؤلفاته مشارقة, ولكن هذه هي عادة مغربنا المُغرب, لا تعرف العالم, ولا ترى له أثرا,ولا تسمع له صوتا على إعلامنا, حتى تصادفه في لقاء تكريمي على مجهوداته العلمية بقناة مشرقية, وهذا ما سأسميه” بالقمع اللطيف”!! الذي تمارسه السلطة على بعض العلماء الراسخين,الذين لا ذنب لهم إلا قول كلمة الحق فوق المنابر, مع العلم بأن مرجعيتنا إسلامية؟؟؟.
  وفي الختام أود أن أوجه رسالة لإخواننا بالجماعات الإسلامية,إن حرب المسلمين في هذه الظرفية الحرجة,هي حرب ضد العلمانية التي تغزو بلادنا وأهلها الذين يضربون في نصوص الكتاب والسنة, ويبدلونها تبديلا,ويطعنون في صحتها, ويفسرونها بتفسيرات باطنية حسب ما تمليه عليهم العواطف و الأهواء, أما أن نضرب في إخواننا الذين يجتهدون ويتفرغون ويستفرغون  قصارى جهدهم, لبلغوا الدليل ومعنى الدليل, ويوفقوا بين النصوص الشرعية, ويحملون بعضها على بعض, فإن بلغوا إلى الحكم وهم على درجة الاجتهاد مستندين في ذلك على أصول مذهبهم المعتبرة, فلا إنكار عليهم فكما أوصلك وبلغت الحكم هذا بعقلك يا هذا !!ا هم كذلك بلغوه وسلكوا نفس مسلكك و لا إنكار في مسائل الخلاف – و الاجتهاد يبقى جهدا بشريا, لا تعتريه صفة القدسية, وربما يكون الطاعن في قول فلان أو علان لا يفقه شيئا عن أصول مذهبه, فيقدم عليه فينسف قول مخالفه واجتهاده, والله أقول إن من رجع إلى مباحث الاجتهاد في كتب المتقدمين لأهول الأمر, وما استطاع أحد أن يطلق لسانه في دين الله – واجتهدوا هم – أي المتقدمون – كذلك في بلوغ حكم الله فلا تحجروا على الناس أمر دينهم فإن المنبت – كما جاء في الحديث – لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع, أنصفوا العلماء يا إخوان!!! وانسبوا العلم لأهله كي تنالوا بركته, والزموا حدودكم, و اعلموا قدر أنفسكم فمن “عرف قد نفسه عرف قدر ربه” صدق قائلها وإن كان متصوفا, فالعلم والكمال و العزة لله سبحانه ,فسبحان الذي لا يخطئ, وإنما أنا قاسم والله معطي كما قال عليه الصلاة السلام ,و حسن التعامل مع المخالف وإنصافه من الدين بل هو أساس الدين, و قد يبتليك الله بمن هو أعلم منك وأنت لا تعلم, كي لا تغتر بعلمك ,وقد ابتلى الله نبيه موسى عليه السلام, لما ادعى أنه أعلم الناس بعبد من عباده آتاه الله العلم والحكمة هو الخضر عليه السلام, فقد يجري الله الحق على لسان أحقر القوم وأضعفهم,ثم إن فهمك لنصوص الكتاب والسنة ليسا وحيا مقدسا فالنصوص وحي واجتهادك لبلوغ دلالتها يبقى اجتهادا يقبل الخطأ.ثم إن كثيرا ممن يدعون الآن التحرر من المذهبيات قد وقعوا فيها من حيث لا يشعرون فصارت مذاهب المسلمين بعدد الخلائق المفتين – كما قال شيخنا العلامة: فضيلة الدكتور:فريد الأنصاري عليه رحمة الله – هذا يتعصب لرأي هذا وهذا لرأي هذا والغريب أن أغلبهم مشارقة,فالالتزام بمذهب من المذاهب الفقهية وخصوصا في هذا الزمان الذي كثر فيه اللغط والغوغاء, أصبح من اللازم توحيد المذهب.فالمذهب ماهو في حقيقته إلا منهج وطريقة في الفهم عن الله ورسوله لتأطير, وضبط الفهم,ولا يجب أن يفهم من خطابي أنني أدعو إلى التعصب المذهبي,لا,ولكني أدعو إلى التوحد في المذهب مع الانفتاح على المذاهب السنية الأخرى, مع مراعاة الخلاف كما هو مقرر كأصل من أصول مذهب مالك دون تعصب لشخصية أو لمذهب دون آخر,والمشارقة نفسهم,علماء وطلبة, عند استقراء واستنطاق وتأصيل فتاويهم في الفروع الفقهية, سنخلص إلى أن أغلبهم يتعصبون لمذاهبهم لا يتجاوزونها كالحنبلي بالخصوص, ومن حقهم ذلك لكن دون تعصب. لأن التعصب يهدم اجتهادات المخالف ومذهبه, وينقل المتعصب من دائرة النقد المحمود والبناء إلى دائرة النقض الذي يوقف مسيرة العلم, ويسد على الأمة باب الاجتهاد,وأريد أن أستسمح القارئ الكريم عن سوء تهذيب الموضوع وترتيبه فليعذرنا لقلة فهمنا وحيلتنا, وإلا فهذا الموضوع مهم و مهم بمكان خصوصا في هذا الزمان, ولكن تمراته لا تؤتى إلا حين يتناوله المتخصصون من أهل المقاصد والأصول.
  وأحيل إخواني إلى كتب أسباب الاختلاف, فهي كثيرة جدا, ومن طالع كتيبا صغير الحجم,عظيم النفع لابن تيمية أسماه” برفع الملام عن الأئمة الأعلام” سيزول عنه الإشكال,وسيفهم مجرى أمور الاختلاف ومنبعها و محاملها, فكأن الفقيه يخاطب أشخاصا بعينهم في زماننا, حاولوا أن تقرؤوا الكتيب فهو لطيف خفيف منيح, لتعلموا كيف كانت نظرة هؤلاء العلماء الفحول إلى اختلاف الفقهاء وكيف كان أدبهم الرفيع مع أقوال الفقهاء وترجيحاتهم لا كما نراه ونعيشه اليوم – ولا حول ولا قوة إلا بالله -تجرأ الناس على الفتوى وسوء ضبط لمناهجها, وطائفة أخرى تجرأت على أهل العلم والفضل ممن يستحقون هذا المنصب,وكل واحد يتمنى أن يُسحلَ وينفى مخالفه من الأرض, لكي لا يزاحم أحد على كرسي الدعوة؟!!.ألهذا خلقنا الله أم لجمع الشمل وتوحيد الكلمة؟؟؟فإن لم نتق الله في أنفسنا وأعراض فقهائنا, ونرد الاعتبار لتراثنا الفقهي المالكي, وأن لا نغتر بسلعة المشرق ففي أرضنا الخير الكثير من أهل الصنعة, فنصير إلى ما صار إليه”المداخلة” أو “المدخليون” من سب الفقهاء والطعن فيهم حتى شتتوا الشمل والصف, و زرعوا الضغائن و الأحقاد في النفوس, و أصبح المرء لا يطيق أن ينظر في وجه أخيه إن خالفه في جزئية. واستغلوا كلام الشيخ الألباني رحمه الله الذي قاله آنذاك في حق الرجل أسوأ استغلال, والشيخ كذلك قد بالغ حقيقة في وصفه, كيف يكون المرء “ذهبي العصر” ولا حتى شعرة من شعرات الذهبي؟!! التزكية لا تلزم ولا يتحملها إلا من صدرت منه,أما باقي العلماء والمسلمين عموما لا يلزمهم هذا الاعتراف بأنه حامل لواء الجرح والتعديل,قد صنفت كتب الرجال وحسم في درجاتهم,ودرجات نقلهم,ومُيز الحديث الصحيح من السقيم!!!والرجل أجمعت الأمة على الرد عليه وعلى غلوه وتشدد منهجه. ربما كان تشجيعا للرجل في مرحلة طلبه للعلم ومُدح بهذا الكلام,وإلا فحتى “جمال عبد المقصود” قيل عنه أمير الفقهاء تفاؤلا وتشجيعا له, ومن شدة إخلاصه –  نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله – أنه لم يقبل هذا الكلام مخافة الإصابة بالغرور  ليسد هذا الباب,فقد صارت الأوصاف والتزكيات تهدى هكذا:هذا جهبد! هذا رباني !هذا مُحدث! وهذا من آحاد زمانه,أمير الشعراء!أمير الفقهاء!أمير المحدثين…!!! وهذا لم يكن معهودا زمن السلف وما أثر عنهم أنهم يستعملون إلا وصف” الإمام” فقيل: “الإمام” مالك ولم يتجاوزوه,وقيل الإمام أبي حنيفة والإمام الشافعي والإمام أحمد, فالحمد لله الذي أحيانا حتى رأينا ذهبي القرن الواحد والعشرين!! فاشتغل الرجل بالجرح والتجريح والطعن في إخوانه ,واتخذه مذهبا له ولشيعته, ولا حول ولا قوة إلا بالله, حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم, هذا هراء ما أنزل الله به من سلطان!! و استخفاف بدين الله وجرأة عليه, فقد نصب عدته ضد الجماعات الإسلامية التي تشتغل بالليل والنهار للدفاع عن قضايا الإسلام, و الدعوة لتحكيم شريعة الله, و محاربة أعدائه من العلمانيين والشيوعيين,فرحم الله الصالحين المصلحين أمثال “السيد قطب” و”حسن البنا” و أضرابهم من المجاهدين الشهداء عند الله بإذن الله جزاهم الله خير الجزاء عن الإسلام والمسلمين,ويأتي هؤلاء المناصرين للطواغيت ولكل مفسد طاغية في الأرض!!وهو جالس على كرسي فاخر يتقلب في النعيم وفي أنواع البذخ والرخاء, ومن المقربين من الملك والسلطان, فيطعنون في دماء هؤلاء- وهم في قبوره!؟- الشهداء الذي قدموا تضحيات جليلة للإسلام,و الذين حاربتهم أنظمة بلدانهم لتباتهم على الحق فلم يتنازلوا عن مبادئهم, ولم يبيعوا أنفسهم ولم يخذلوا المسلمين, أهذا هو أجر بطولاتهم في ميزانكم الخشاش اللئيم!! وفي آخر المطاف يُرمى المساكين بسهام الطعن و يقال عنهم:”لا تنصتوا لهؤلاء ولا تقرءوا عنهم, فإنهم حركيين”,وهم أشد على الإسلام من اليهود والنصارى – ولا حول ولا قوة إلا بالله!! ومن تكونوا أنتم,وما هو الوصف الذي يليق بكم حتى نناديكم به, وما الذي يناسبكم حسب فعالكم بالمسلمين,والله وبالله وتالله, لأنتم أخطر وأشر عليها من إبليس اللعين, قاتلكم ,لأنكم صددتم عباده عن دينهم, وفرقتم بين صفوفهم, وجعلتمونا بعد وحدتنا, شيعا وأحزابا, إنما نحن إخوانكم في الدين فراجعوا أنفسكم, وتوبوا إلى بارئكم, واستغفروه من ذنوبكم يغفر لكم, وخذوا الأدب من معين الصحب والسلف وهديهم, واقرؤوا سيرهم, وأكثروا من قراءة كتب الرقائق,فقد قست قلوبكم بكثرة الجرح والتجريح!!!, و يخشى أن يطبع الله عليها,فالمحدثون من السلف كثيرا ما كانوا يفردون كتابا في آخر تصانيفهم يعنونونه بكتاب “الرقائق” لأنهم يخشون على أنفسهم قسوة القلب, وترك أمر الدين, وهجر وحدة المسلمين وجماعتهم, لأن علم الحديث علم جاف خطير لا يتعامل معه إلى من بلغ درجة عالية من العلم والحلم و الحكمة و الورع والخشية, ولا يخاف عليه أن يفتن و يتبع الأهواء, فيزيغ في الأحكام – وهذا ما وقع للقوم هداهم الله –  واعلموا أن الأموات لا يذكر عنهم إلى الخير,هكذا ربانا وعلمنا ديننا الحنيف السمح, ولن نتنازل عن مبادئنا نسأل الله التبات ونسأله النفع بما نقول ونسمع,وأستسمح من جديد القائمين على إدارة موقع تيزبريس مشكورين على مجهوداتهم – جزاهم الله خيرا – لأن الموضوع بطبيعته وأهميته فرض نفسه, و اقتضى الإطالة رغم ما بذلت من جهد في الاختصار والاقتصار.
                                                             و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العامين.
                                                                                      الكاتب : محمد أمين إدحيمود