الخميس 25 أبريل 2024| آخر تحديث 1:19 02/20



قصب السمار وصناعة الحصير التقليدية بمنطقة ماسة

قصب السمار وصناعة الحصير التقليدية بمنطقة ماسة

تلتقي الثقافة بالطبيعة في الصناعة التقليدية وبالخصوص حرفة الحصارة المستخدمة للعناصر النباتية الخام كالسمار الذي تصنع منه حصائر لتفريش أرضية الغرف والمساجد..الحصير، هذه الكلمة ذات الميزة الرنانة التي يبدو من خلال معناها أنها تشتمل على مجموعة من التقاليد والأخلاقيات ما زالت محتفظة بمجموعة من الخصائص يحفظها لها التاريخ. الحصير، هذا المصطلح ذو السجع الغريب الذي يؤرخ لإحدى الحرف التقليدية التي تحمل بين طياتها العديد من الخصوصيات التي تجسد طابع الهدوء والبساطة والصورة الحقيقية للصانع “الحصار” الذي يسهر على إخراج هذا المنتوج إلى الوجود.
وتشتهر منطقة ماسة بإنتاج السمار والحصير التقليدي نوع الشريط الذي يختص بصنعه الرجال بواسطة مرمة بسيطة منطرحة أفقيا على الأرض، لكن تقنية الصنع تتطلب مهارات خاصة، وتكمن جمالية الحصير في بساطته واعتماده على مادة السمار الطبيعية، ما هو السمار إذن؟ وما هو مجال انتشاره؟ وما هي العلاقة التي يكونها مع السكان في طريقة صنعه واعتقادهم به؟ وهل من محاولة لتثمينه كمنتوج حيوي مهدد بالاندثار ،  1ءتعريف السمــار (أزماي):
ءأزماي: مصطلح أما زيغي وهو موروث تقليدي تداولته الساكنة المحلية في حياتها اليومية ويعني السمار في المصطلح العربي وجانكس في اللغات الأجنبية الأخرى وأعداده كثيرة جدا وينتشر في الأوساط  الرطبة ، فالسمار أو (أزماي) نبتة تعيش في الأوساط الرطبة أزهارها خضراء مائلة إلى البني طويلة وكثيرة في أعلى الساق تزهر ما بين شهر مايو و يوليوز وشهر غشت. ويعتبر من التراث الطبيعي الذي تشتهر به منطقة ماسة 2ألسمار في الرواية الشفوية:
تحاول الرواية الشفوية دائما أن تقربنا إلى الموضوع وإعطائه طابعا قدسيا يعبر عن متخيل الناس في علاقاتهم مع الأشياء، حيث قال أحد الحرفيين :بأن هذه الصناعة زاولها الأجداد منذ القدم، حيث قال             بالحرف “القرون أيـاد أرنسكار الخيراد، فلنحتيد أيدارنح، نتني أوفاند أيدارسن أرتسلان أزماي، زوند الورث كرا أرتيد إفال إكرا” بمعنى أنهم كانوا يزاولون هذه الحرفة منذ قرون، تركها لهم الآبـاء الذين ورثوها هم بدورهم عن الأجداد
3ءعلاقة السمار بالتراث ووظائفــه:
السمار عند السكان هو منتوج تقليدي قديم في المتخيل الجمعي له خصوصياته البيئية والثقافية، يخرج من وسط طبيعي بالأودية وجنبات المستنقعات إلى مداشر ريفية يزينها ويجلي البرد عن أصحابها ، بل أبعد من ذلك يوفر قوتهم في زمان لم يكن فيه منتوج سواه يدرون منه دخلا، فالسكان في علاقتهم بهذا المنتوج يهتمون به ويحترمون أوقات حصده، ويدافعون عنه ويمنعون الرعي فيه، وقطعه وتخريبه، وما يلاحظ حاليا تشكل هذا الموروث في ثقافة الناس وارتباطهم به حيث يعتبر رمزا للبذخ عند البعض في المنازل والفنادق الفخمة ثم الرياضات كذلك ، يكتسي السمار أهمية بالغة لدى سكان المنطقة ،بحيث يوظف في صنع الحصيرة التقليدية التي توجه إلى المساجد والمدارس العتيقة كرمز للتواضع والبساطة والزهد في الدنيا، إضافة إلى أنه يلقى إحتراما خاصا لدى السكان ،بحيث يمنع المشي فوقه بالأحذية ،كما يحترمون أوقات حصده . تتمثل الوظيفة الصحية في كونه مضادا للحساسية بحيث يقوم بغربلة الأتربة إلى الأسفل ويمنع صعودها إلى الأعلى،إضافة إلى كونه مريـــح، كما يستعمله بعض السكان في كي بعض الأمراض كبوصفار (فقر الدم)، و تاودا (الخوف ) تتمثل هذه الوظيفة في كون السمار نبات طبيعي مائة بالمائة ،أي أنه من صنع الطبيعة حيث لا يتدخل الإنسان في زراعته ،لكن إذا ما أراد الإنسان زرعه فإنه يقوم بنقل بذوره بعد أن تتساقط إلى المكان الذي يريده ،ونجده بكثرة على جنبات الأودية ،وبجنبات الحقول وهنا سنضيف وظيفة إحمائية أي أنه يحمي حقول السكان.  4 ء صناعـة الحصير التقليدية:
ما يميز هذه الصنعة هي أنها صنعة محلية صرفة تختلف عما نجده في بعض المناطق، فهو منتوج طبيعي يتم صنعه من طرف عاملين ،حيث تتجاوز مدة صنع الحصيرة الواحدة حوالي عشر ساعات أو أكثر، حيث يقوم اثنان من المعلمين بإنجاز “الدراز”  وهو المكان المخصص لهذه العملية، ويكون على شكل مستطيل في كل زاوية توجد أعمدة صغيرة تكون قد دقت بالأرض خصيصا لهذا الغرض،
بعد ذلك تأتي الوسائل الأخرى “تفگيگت”  ، وهي مرمة منطرحة أفقيا على الأرض، وهي عبارة عن عمود من مترين أو أكثر وفيها ثقوب يقوم المعلم بتمرير القنب منها بشكل دقيق لا يتقنه إلا هو، حيث يسمون الجانبين ب “خيط” بمعنى واحدة ثم “گوت” بمعنى اثنان، ثم يتجاوزون أربع ثقوب فيمررون كذلك  “گوت” إلى أن يصلوا إلى العدد المطلوب لينتهوا بنفس الرقم الذي بدؤوا به، فيشدوا الحبال جيدا، ويجهزوا الدراز بآليات مرافقة حيث يتم رفع المتر الأول على الأرض بعشرين سنتيمتر تقريبا ليبدأ العمل بين اثنين من المعلمين المتقابلين كل واحد يقوم بحبك السمار من جهته وكل هذا بين “تفگيگت” والشخص الذي يقوم بدك الحصير وحبك الأطراف بطريقة عكسية، إلى أن ينتهي العمل ، بعد الحصول على  “أگرتيل” وهي الحصيرة التي تصل إلى 7 حتى 8 أمتار أو ” أسقول ” الذي يصل إلى 12متر فما فوق أو “تگرتال” وهي عبارة عن حصيرتان طول كل واحدة منها 5أمتار وعرضها متران. فيقوم المعلم فيشذب أطراف الحصير بواسطة منجل، فيفصل الدراز ويحبك الخيوط المتبقية حتى لا يتفكك العمل المتماسك عن بعضه ءأهـم مراحــل صناعة الحصير التقليدية:
المرحلة الأولى : وهي مرحلة جمع السمار الجيد و المناسب ، بحيث يتم اختيار السمار المناسب وقطعه ، بعدها يعرض لأشعة الشمس ،ليصبح لونه بعد ذلك أصفر   بعد اختيار السمار المناسب بعناية ،وبعد  أن يتم حصده وتجفيفه ،ينقل إلى المخزن،ليتم بعدها بيعه في السوق الأسبوعي (سوق الثلاثاء) ،الصورة أسفله لعمال يرتبون السمار على شكل رزم لبيعها في السوق تم تأتي مرحلة حبك السمار بالخيط بواسطة (ألال) و ( تفكيكت) وهذه العملية تتم من طرف شخصين متخصصين في الميدان ،وقد أشرنا سابقا إلى هذه العملية ، والصورتين الآتيتان لعاملان يقومان بهذه العملية. و يأتي بعد ذلك مرحلة جمع الحصير ، كآخر مرحلــة. ونظرا لأهمية السمار كموروث ثقافي محلي يجب الإهتمام به كمادة حيوية بامتياز، إلا أنه يعاني من ضعف الدراسات المتخصصة ، ولم يعط له حقه كقيمة ثقافية، في ظل غياب الإهتمام بمزاولي هذه الحرفة.
لذا يتوجب الإهتمام بهذا المنتوج من طرف كافة القطاعات المعنية خاصة وزارة الصناعة التقليدية ووزارة الثقافة والجهات المحلية، وذلك بتعميق التعريف بهذه الصنعة المهددة بالاندثار ثم يجب الرفع من مستوى المهرجانات المهتمة بالموروث الثقافي المحلي، مع تنظيم مسابقات للحرفيين لتحفيزهم على الاستمرارية وعدم التخلي عن ارثهم الذي يعبر عن هويتهم  وانتمائهم الثقافي. الكاتب: حسن الماسي