منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس كرسي العرش سنة 1999; إلا وأعقبه بسلسلة من الدعوات الإصلاحية على مختلف الأصعدة لتنمية البلاد٬ وكان من أوائل المستجيبين للخطاب الملكي هم الحركات الإسلامية قبل أي جهة رسمية. فخاضت في مخططات الإصلاح ومحاربة الفساد٬ وانخرطت في تدافع اجتماعي وثقافي شبه حاد٬ بالإضافة إلى التدافع السياسي و الذي تمثله مختلف الأحزاب السياسية بالمملكة.
والحركة الإسلامية ماهي إلا تعبير عن تيار إسلامي معتدل له أهداف وبرامج إصلاحية حضارية وتنموية٬ وبتعبير أسلم حركة فكرية ذات مرجعية دينية٬ لا كما يصورها الإعلام بأنها تعبر عن تطرف ديني لا غير‼?
وهذا التدافع أو “الصراع” المزدوج٬ و المتواصل ضد الحركة الإسلامية سواء من جانب الإعلام أو السلطة٬ يمكن أن نعتبره طبيعيا٬ لأنه من سنن الله الكونية لقوله تعالى « ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا» الآية 40 من سورة الحج٬ فأي تغيير “صادق“٬ حتما سيواجه بسلسلة من المضايقات والاستفزازات التي تعتبر من هواجس الإصلاح والتنمية. لن نقول بأن الحركة الإسلامية تمكنت أو قضت على الفساد٬ و أخرجت المجتمع المغربي من الأزمة الأخلاقية التي فرضت نفسها على النسق الاجتماعي٬ ولكنها على الأقل -أي الحركة الإسلامية- استطاعت أن تقلل من الآثار الجانبية التي تتولد يوميا من رحم الإعلام بتلاقح مباشر للقناتين الأولى والثانية٬ لتخرج للشارع المغربي مولودا جديدا بكل المقاييس المناسبة٬ والمقبولة في نظر الجبهة الفرنكوفونية!! منكوس الفطرة٬ مجردا من هويته٬جاهلا بدينه وتاريخية٬ ومثل هذا الخريج يصعب عليه أن يفقه خطاب الحركة الإسلامية وأن يندمج فعليا ضمن مخططها الإصلاحي.
وهذا التعثر الملحوظ في مسيرة الحركة الإسلامية -ولن نقول فشلها- لاتلام ولن تلام عليه؛ لأنه راجع لعدة أسباب خارجة عن إرادتها؛ فمحيطها ينطق بشتى أشكال الانحلال الأخلاقي تجاوز المستوى الفردي إلى المستوى الجماعي٬ ليسيطر على الإدارة العمومية التي تمثل الدولة.فاقتضى الأمر مضاعفة الجهود والفعاليات٬ لدعم الحركة الإسلامية٬ والرفع من مستوى أدائها. ومردود الحركة الإسلامية الإصلاحية رهبن بتخطي جميع المعيقات السياسية والإيديولوجية التي تسعى إلى تخدير الفئة الشابة الناشئة٬ لصدها عن الاستفادة المعنوية الروحية ثم المادية من برامج الحركة الإصلاحية٬ باعتبارها -أي الفئة الشابة-الفئة المستهدفة من الدرجة الأولى لهذه الحركات الإصلاحية٬ وبالطبع فإنها إذا استطاعت بمختلف أطيافها أن تستهدف الفئة الشابة وتكونها٬ فلاشك أنها ستطمئن على مستقبل البلاد والعباد.
ولكن مع الأسف أن معظم الشباب تأثروا بمحيطهم الخارجي٬ فلم يستجيبوا لهذه الصيحات التي تتكرر على منابر الإعلام الدولية و”الوطنية”-مع قلة البرامج الهادفة للشباب في الإعلام الوطني استثناء لبعض المبادرات الشخصية المحتشمة خارج إطار القنوات الرسمية- وقلت وفود القنوات والمواقع الإسلامية. وانقسم الصف الشبابي إلى فئتين :فئة قد أغرقت نفسها في خضم الشهوات٬ فصارت أسيرة نفسها فقضت من داخلها وبنفسها على الحس الإبداعي والروحي والجمالي والثقافي والتربوي٬ وفقدت الوعي الإسلامي وحتى الروح الوطنية التي تستدعي منها خدمة صادقة للوطن .ولم تعد مستجيبة إلا للغة الجسد والصورة الفتانة٬ فأفنت طاقاتها وقضت على مواهبها.
وفي نفس السياق نلفت النظر إلى عينة أخرى من مكونات المجتمع ذات عقلية أكثر من معقدة!; انغلاق وانطوائية تامة!!قد انزوت خلف تيار الشبهات -وهذه الفئة أخطر من سابقتها لأن ضررها يتعدى إلى الغير ويزين ليصير في صورة الحق- باعتبارها أكبر معيق لقاطرة التنمية والإصلاح الديني والسوسيوسياسي.
وبعيدا عن كل العواطف والحديث بكل موضوعية فان هذه الفئة تسعى بشكل أو بآخر إلى تشويه صورة المؤسسة الدينية وممثليها أي العلماء باعتبارهم حسب المنظور الديني والقيمي ورثة الأنبياء بل إنهم تحملوا مسؤولية عظيمة، تتمثل في حماية الأمن العقدي للأمة الإسلامية، وهي أخطر مهمة يجب أن يعانوا عليها ولو بالدعاء والكلمة الطيبة، فهذه الظاهرة الاجتماعية أو “الحالة المرضية الهستيرية”!! التي تحرك هؤلاء المشاغبين المتطرفين!!! لنصب العداء ضد علماء الأمة وأعلام الحركة الإسلامية، ماهي إلا وليدة تطرف ديني مستورد، ويتظاهر بزي ديني ملتزم ظاهرا أما الباطن فيعلم الله أن مايحمله في طياته مخالف تماما لمبادئ الإسلام وتصوراته وأهدافه، وبدون مبالغة فهذه الظاهرة تعد من أكبر الإشكاليات المعرقلة لمسيرة الإصلاح التي تقودها الحركة الإسلامية.
فقد انشغلت هذه الفئة –ركزت عليها لأنني رأيت أن الكثير قد انخدع بحملاتها “الاشهارية”! وفتن بخطاباتها “المتحمسة”- عن عيوب نفسها إلى عيوب غيرها فتربعت لحلق الجرح والتجريح والطعن في أهل العلم آناء الليل وأطراف النهار٬ و أئمة المساجد بدورهم لم يسلموا من هذا المعترك و هذه المشاداة الكلامية التي تختم في أحسن الأحوال بعبارات التفسيق والتبديع والتكفير مع التصنيف ضمن اللوائح السوداء-عياذا بالله- فبوشروا بخطابات عدوانية متتالية أمام الملأ٬ ربما تفقد مستقبلا ثقة المواطنين في مردود المؤسسة الدينية٬ وتصدهم عن الكتاب والسنة. وهؤلاء قد خالفوا تماما نهج آبائهم وأسلافهم الذين عرفوا بتأدبهم مع العلماء٬ ولزموا الإنصاف الذي يعبر عن سلوك اجتماعي أخلاقي جد راق حتى مع المخالف تحت مبدأ حق الاختلاف والعيش المشترك; بذكر محاسن المرء وحمل مساوئه على أحسن المحامل. وهذه الفئة الباغية الخارجة عن منهج الإسلام و المسلمين أشد خطرا على معتقدات هذه الأمة وهذا الشعب الغيور على توا بثه ومقدساته. فهي تسعى بكل ما تملك لقطع الصلة بين المؤسسة الدينية والمجتمع المدني وهو مخطط تبنته سابقا الحركات التغريبية والعلمانية. ولا يستبعد أن تكون حليفة مخططات إستراتيجية للقضاء على الدين في البلاد ومحو معالمه باسم الدين٬ وإدخال الشعب في موجة الجهل٬ والتمكين للرويبضة في الأرض٬ وعرقلة التواصل الايجابي المبني على النصح والإرشاد والتوجيه الذي يؤسس لعلاقة العالم المرشد الناصح مع النخبة والجماهير .
فهذه العلاقة الحميمة الصادقة بين الفقيه والمجتمع٬ كانت مدخل بل مرتكز الحركات الإسلامية والحل الوحيد للخروج من هذه الأزمات والنكبات اللاأخلاقية التي تتكبدها الأسرة المغربية.
وهذه الصحوة الإسلامية بقيادة العلماء هدفها ; إعادة بناء معالم الأمة الإسلامية بكل مايكتنزه مصطلح الأمة من ارث ثقافي وحضاري من وحدة وتضامن واتحاد وتوحد من أجل تكوين جيل قوي فكريا وعقديا لا يتصادم والتوابث الدينية؛ ربه واحد،ونبيه واحد، وكتابه واحد،ولغته واحدة،ومصيره واحد.فان تمكنا حكومة وشعبا من استيعاب و فهم الرموز و الميكانيزمات المعقدة والمتحكمة في العملية الإصلاحية٬ و قطع دابر الخلافات والخلفيات٬ واعتبار الأولويات٬ سنتوصل إلى حل وسط لإشكالية الإصلاح يرضي جميع المؤسسات والأحزاب والحركات الدينية والسياسية التي تمثل البلاد٬ والتي يفترض أن تقوم على أساس عمل جماعي وتشاركي في مختلف فعالياتها .
الكاتب :محمد أمين إدحيمود