الخميس 28 مارس 2024| آخر تحديث 2:45 08/08



مشروع القانون التنظيمي للأمازيغية: مرسوم جنازة، أم طوق نجاة سياسي؟

مشروع القانون التنظيمي للأمازيغية: مرسوم جنازة، أم طوق نجاة سياسي؟

في إحدى كتاباتي شبهت الأمازيغية باللقيط الذي يُحمل على الأكتاف بحثا عن أمه البيولوجية فتتمنع نسوة القبيلة جميعهن عن الإفصاح، ثم يقرر زعيم القبيلة إسناد رعايته كيفما اتّفق دون أن يعي التّبعات التي ربما تثار في فترة من فترات نموه. وهو تشبيه ما زلت مصرا عليه، لما يتأكد عندي من حيثيات ووقائع.

إنّها حالة فريدة تعتري أبناء هذا البلد مع هويتهم الثقافية والحضارية، وتجعلهم يتهربون كثيرا من تحمل تبعات ما جاء في الفصل الخامس من دستور 2011، وهو ما يُزكّي أطروحة “عبد الله العروي” حول الشّخصية المغربية الميّالة إلى التّهرّب من المسؤوليات.

واعتبر هذا الوضع إلى حد ما عاديا مقارنة مع الأصداء التي حملها الحراك المجتمعي المغربي، ومواقف جل الأحزاب السياسية من الأمازيغية تأثرا بإيديولوجية الستينات والسبعينات، وإصرارهم على تنميط ما لا يُنمّط.

اليوم، وُلد مشروع القانون التنظيمي للأمازيغية بعد عملية قيصرية لأم شاخت واقترب أجلها، فخرج للوجود معاقا ناقص الخلقة تداهمه التشوهات والأمراض من كل جانب، ولا ندري إلى أيّ حدّ يستطيع هذا المشروع التخلص من تبعات هذه الولادة، أم سيزيد ضعفا كلما مرت عليه الليالي والأيام؟

يبقى الأمر منوطا إلى حد كبير بالنخبة السياسية التي لم يرق غالبيتها إلى مستوى تطلّعات الوثيقة الدستورية، والأحداث التي تعج بها الساحة شاهدة على ذلك.

خرج المشروع فتلقفته الأيادي بتأن وحذر، وضجيج أقل من المتوقع، لكن هذا لا يعني بالضرورة رضى كليا بال 35 مادة، ولا يعني سخطا عاما أيضا، فهنا لا ينسب لساكت قول، وثمّة مصالح وحسابات تختفي بين السّطور. إلا أن نظرة سريعة على المشروع شكلا ومضمونا بإمكانها أن تحيل أي متتبع على ثلاث ملاحظات أساسية تُشرعن الخوف الذي يعترينا من أيّ انتكاسة محتملة:

أولا: الظرفية الضيقة التي عجلت على الحكومة -وهي في آخر عمرها- إخراج مشروع القانون التنظيمي للأمازيغية يرسل إشارة واضحة إلى المهتمّين على أنّ الموضوع مجرّد إجراء تشريعي عادي، لا يقتضي عملا دؤوبا مستمرّا، ونقاشا مفتوحا بحجم المداد الذي كُتبت به الفقرة الرابعة من المادّة الخامسة. وهو تقدير قد يُؤثّر على التفعيل العملي لهذا المشروع، ويقحم القضية الوطنية في الحملات الانتخابية والتّناطح الحزبي والمزايدات الإيديولوجية التي لا تنتهي.

والحديث هنا عن الانتظار والتّهرّب من الملفّ لصالح القصر إلى حدود الدقيقة (90) ليس عذرا للتّخلّف عن ممارسة اختصاصات دستورية واضحة، وليس مبرّرا لهذا المشروع المعاق.

ثانيا: الآماد القريبة والمتوسطة والبعيدة التي سُطّرت لتنفيذ مضامين بعض المواد إيجابية وسلبية في آن، فمن ناحية، تُعطي الفرصة لمختلف المؤسّسات الدّستورية والهيئات القطاعية لتوفير الموارد البشرية واللّوجستيكية بشكل تدريجي وفاعل، ومن ناحية أخرى تعيد عقارب الساعة إلى الصفر، كما يمكن أن تصير عذرا للحكومات المقبلة وللجنة الوزارية التي ستكلف بالتتبع للتّلكّؤ والانتظارية.

ثالثا: فوبيا الخوف حاضرة كالعادة في ذهنية المشرّع، بالتّأكيد المستمرّ على “مراعاة كافة التعابير اللسانية الأمازيغية”، وهو نقاش حسمه كثير من المنظرين في هذا المجال، وأحدثوا لذلك معاجم أكاديمية وقواميس لا يمكن إغفالها. وتكرار اللغة العربية إلى جانب الأمازيغية كلّما ذُكرت الأخيرة تأسّيا ببدعة “الصّراع اللّغوي” بهذا البلد، والحقيقة أنّ اللّغات لا تتنازع، وإنّما تُوظّف غصبا في ذلك، ويتمّ إقحامها تحقيقا لمصالح معيّنة، كحال الدّين والعرق والقبيلة…

ولا ننسى صياغة بعض الموادّ الأساسية بأساليب عامّة وتعابير تحتمل أوجها عديدة يُمكن أن تُفسّر بطريقة لاديموقراطية.

المشكلة بالأساس، في أنّنا لم نسر بعد على سكّة الاعتراف بالاختلاف، والواحد منّا ما زال يعتقد أنّه وحده الذي يستحقّ الوجود بشكل إقصائي مُقرف، حاملا معه تركة من الأوهام والادّعاءات، كثيرة منها عفا عنها الزّمان. فبيننا أُناس ما زالوا يفكّرون بعقلية اليمني “علي عبد اللّه صالح” ويودّون لو يفرضونها على غيرهم، وبيننا من يعتقدون في “النّخوة العربية” ما يدفعهم لاستمرار الولاء ل”جمال عبد النّاصر”، بل وفي هذا البلد من يسترزق بأطروحات “القذّافي”، ومنّا من يدين بالولاء لثقافة “موليير” ويعتبرها حضنا رحيما، وفينا أيضا من يدّعي ملكية هذه الأرض وحده دون غيره، وكلّ هذا على حساب الوطن والمواطنة والانتماء. وغير مستبعد أن تكون النّخبة السياسية التي صاغت هذا المشروع امتدادا لبعض هذه الأطروحات، أو تأثّرت على الأقلّ بشيء منها.

المادّة الخامسة في الدّستور الحالي جاءت حتما لقطع الطّريق على كلّ هؤلاء، لا لتعطيهم فرصا أكبر، ولتعقد مصالحة مع بعض المكوّنات الثّقافية التي يطالها الإجحاف والحيف، لكنّ مشروع القانون التّنظيمي هذا من المحتمل أن يطيل عمر الأزمة بين مختلف الفرقاء إن لم يستدركه العقلاء منهم ويُفسّر إيجابيا من مختلف الفاعلين السياسيين والمدنيين، فالأمر ليس أبدا بهذه البساطة، إنّه مستقبل وطن.

بقلم : أحمدإدصالح

 

 

 

 







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.