الخميس 25 أبريل 2024| آخر تحديث 12:11 02/05



فصحاء ولا ندري – الحلقة 2 –

فصحاء ولا ندري – الحلقة 2 –

مع انتشار التعليم العصري والهجرة نحو مدن الداخل والتواصل مع أهلها وجدت عبارة “بابا” مفخمة طريقها نحو الاستعمال بمنطقتنا  خصوصا داخل الأوساط والأسر التي استقلت مبكرا مركب الحداثة و”التقدم” فكانت النتيجة  توظيف عبارات غريبة عن اللهجة الجرارية ، مستوردة  من لهجات أهل الداخل أو من الأغاني والنشرات التي تبثها الإذاعة الوطنية  من قبيل: غادي، دابا، هود، ماغاديش، …
استعمال لفظة “بابا” مفخمة محل لفظة “با” وحث وتعويد  الأطفال الصغار على توظيفها في لغتهم اليومية مع ما يلازم ذلك من معاناة، كان في الغالب بدافع الاعتقاد أن كلمة بابا أجنبية، شبيهة ومرتبطة باللفظة  الفرنسية “papa” أوكان  بدافع الظن أن كلمة “با” لا علاقة لها بالعربية الفصحى ، أو أكثر من ذلك، تحمل في طياتها، في ظل الاعتقاد السائد ، دلالات الجهل والتخلف والبداوة والجفاء والرجعية . وهذا أمر مجانب للصواب في الحالتين ، فللفظتين معا نصيب من الفصاحة، بل إنهما معا عربيتان خالصتان. ولهذا نجد أن  أهل قبلية أولاد جرار الأوائل يستعملون الأولى “با ” مشددة أوعبارة  ” وا با” للمناداة على الأب والثانية “بابا” مرققة للمناداة على الأخ الأكبر أو العم أو زوج العمة أو أي شخص من أهل البلدة  يستحق التقدير والتوقير والاحترام  .
كلمة “بابا” عربية فصيحة لا علاقة لها باللفظة الأعجمية سالفة الذكر، جاء في لسان العرب: بأبأ الصبي أباه إذا قال له “بابا”. قال ابن جني: سألت أبا علي الفارسي فقلت له: بأبأت الصبي بأبأة إذا قلت له بابا فما مثال البأبأة عندك الآن ؟ أَتزنها على لفظها في الأَصل فتقول مثالها البقبقة بمنزلة الصلصلة والقلقلة ؟ فقال بل أزنها على ما صارت إليه وأَترك ما كانت قبل عليه فأقول الفعلَلة …
أما كلمة “با” فلها نصيبها من الفصاحة، فهي في الأصل “أبا” ثم خففت الهمزة وحذفت فقيل “با” أو “يا با”، أنشد ثعلب في كتاب الفصيح:
فقلت له يا با جعادة إن تمت
تمت سيئ الأعمال لا تتقبل

أراد ” يا أبا جعادة” فطرح الهمزة

ولو أردنا أن نتوسع في هذا الموضوع لطال بنا الأمر وضاق بنا القراء، فتكفينا فيه اللمحة الدالة والالتفاتة المعبرة. وإلى الحلقة المقبلة بحول الله.







تعليقات

  • الى العزيز الاستاذ الباحث محمد السيك
    قرأت مقالك بجزأيه ، وانا ادعوك الى الاستمرار في الكتابة في نفس الموضوع ، برغم اختلافي معك ومع الذي علق عليك بتوقيع “العويني ” لانكما معا تمتحان من نفس الاطروحة التي أسميتها “بوهم الأصل ” في مداخلتي السنة الماضية الموسومة “لهجة اولاد جرار : وهم الحقيقة وحقيقة الاوهام ” التي القيتها بجمعية التواصل . تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.