الخميس 28 مارس 2024| آخر تحديث 10:39 08/26



توفيق بوعشرين: طلعت ريحتكم

توفيق بوعشرين: طلعت ريحتكم

Captureأقتبس العنوان أعلاه من شباب لبنان الذين خرجوا للتظاهر في الشارع هذا الصيف احتجاجا على الحكومة التي عجزت عن جمع الأزبال من بيروت، أكرمكم الله… الشعار صالح هنا في المغرب كذلك.. لنرفع الصوت في وجه مستعملي المال في الحملات الانتخابية.. لقد وصل ثمن الصوت الواحد في بعض انتخابات الغرف المهنية إلى 150  ألف درهم، ولكم أن تتصوروا كم سيدفع «بوشكارة» من المال للحصول على 40 أو 50 صوتا، وكيف سيسترد ما استثمره في هذه العملية.

الملك محمد السادس تحدث في خطابه الأخير عن ضرورة تخليق العملية الانتخابية، وإبعاد المال والمصالح الشخصية عنها، ورئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، الذي يشرف شكليا على الانتخابات، ندد هو الآخر باستعمال المال الذي كان الصوت الأقوى في انتخابات غرف التجارة والصناعة والصيد البحري، وكل المؤشرات تقول إن المال السياسي يستعد لخوض غزوة الرابع من شتنبر المقبل، وما سيتبعها من انتخابات الكبار لتشكيل رئاسة المجالس المحلية والجهوية ومكاتبها. كل هذا يجري على «عينك يا ابن عدي». وزارتا الداخلية والعدل وضعتا القطن في أذنيهما وأغلقتا أعينهما، وتركتا السوق الانتخابي لقانون العرض والطلب تحت مبرر أن على المشتكي أن يقدم الدليل، أي أن المواطن الذي يرى ويسمع عن استعمال المال، والمواطن الذي يرى أن عضوا في المكتب السياسي لحزب ما يصوت لمرشح حزب آخر «لوجه الله».. هذا المواطن يجب أن يتوفر على جهاز مخابرات وشرطة وأدوات تجسس على المكالمات والحسابات البنكية، وفريق من المحققين لكي يجمعوا الأدلة والبصمات والحجج والوثائق والصور والفيديوهات، وأن يقوموا بالتكييف القانوني لكل هذا، ويقدموا الملف جاهزا للسيدين الرميد وحصاد، آنذاك فقط ستتحرك الشرطة القضائية والنيابة العامة التي تغط في نوم عميق.

لنرجع إلى شيء من الجِد في لعبة كلها هزل.. الاستحقاق الانتخابي المقبل في خطر، وعلى الإدارة، بما لديها من إمكانات قانونية وبشرية ولوجستية، أن تتحرك.. لقد وصلتها الرسالة الملكية، وبلغتها شكاوى رئيس الحكومة، وعليها أن تكون في مستوى اللحظة التاريخية، وأن تنقذ ماء وجه بلاد بأكملها يريد المال الحرام أن يجعلها سوقا، ويحول الناخبين إلى زبناء، والديمقراطية إلى بضاعة. على الإدارة أن تفتش في مصادر الأموال الحرام التي تفسد الانتخابات. إذا كانت وزارة الداخلية قد اتخذت إجراءات زجرية أو احترازية في حق 274 رجل سلطة تحوم حولهم الشبهات في التدخل لصالح مرشح ضد آخر، فكيف لا تصل الوزارة نفسها، بكل أجهزتها، وبعضها متطور، إلى مستعملي الرشاوى المالية الضخمة لشراء الأصوات الصغيرة والكبيرة.

سيحسب لهذه الحكومة، بوزرائها السياسيين والتقنوقراطيين، أن المال الحرام كان في عهد الحكومات السابقة يستعمل لشراء الأصوات، والآن، في عهد الإشراف السياسي لبنكيران على الانتخابات، صار المال يستعمل لشراء المرشحين لملء لوائح الأحزاب التي تريد أن تغطي 30 ألف دائرة في الوقت الذي لا تتوفر حتى على 3000 مناضل في صفوفها. عرض جديد دخل إلى بورصة الانتخابات، وهو إعطاء المال لبعض المواطنين لكي يقبلوا أن يضعوا أسماءهم على لوائح الأحزاب المسجلة في جل مناطق المغرب وقراه في لائحة المختفين.

تسعون في المائة من الأحزاب السياسية المغربية ضعيفة، ولا تتوفر على شعبية، ولا على آلة انتخابية، ولا تسأل عن البرامج والأطر والكفاءات، لهذا تلجأ إلى الأعيان وسماسرة الانتخابات الذين يأخذون التزكية من المقر الرئيس للحزب في الرباط، وبعدها ينتشرون في ربوع البلاد لشراء الأصوات، بعضهم بالمال مباشرة، وبعضهم عن طريق الشبكات الزبونية التي ترعاها الكائنات الانتخابية طوال السنة، عن طريق تقديم الخدمات للسكان الفقراء في ضواحي المدن والدواوير، أو عن طريق شبكة الجمعيات التي ولدت في حجر المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والتي يبلغ عددها الآن أكثر من 116000 جمعية تنسب زورا إلى المجتمع المدني، كلها خلقت بعد 2005 تاريخ انطلاق l’indh. وإذا عرفنا أن رؤساء المجالس المنتخبة يصرفون المليارات لهذه الجمعيات كل سنة، فيمكن أن نتصور الفائدة الانتخابية الكبيرة التي تجنيها تلك المجالس من وراء هذه الجمعيات، التي تحول جلها إلى آلة انتخابية توزع المساعدات على الفقراء، ومن ثم توجه «اختياراتهم» الانتخابية إلى هذا المرشح أو ذاك. أعرف رئيس جماعة، لا تبعد عن الرباط سوى ببضعة كيلومترات، سمح لأكثر من 1500 مواطن في هذه المدينة بالاستفادة من مساكن عشوائية ومطاعم شعبية ومحلات صغيرة على الطريق دون أن يعطيهم رخصا قانونية، ودون تمليكهم الأرض وما عليها، وبالتالي، أصبح هؤلاء وعائلاتهم رهائن لدى هذا الرئيس الذي يهددهم الآن بالقول: «مادمت رئيسا للمجلس فلن يتعرض لكم أحد بسوء، أما إذا لم أنجح في الانتخابات، فإن الرئيس الجديد سيقتلعكم من مساكنكم ومطاعمكم في أول يوم يجلس فيه على الكرسي». كيف لا يصوت هؤلاء وعائلاتهم وأقرباؤهم لهذا المافيوزي؟ الموضوع بالنسبة إلى هؤلاء «الدراويش» لم يعد صوتا في الانتخابات أو قرارا أو اختيارا سياسيا.. أصبح الأمر مسألة حياة أو موت. هؤلاء الرهائن لن يصوتوا لصالح سيد نعمتهم فقط.. هؤلاء سيقومون بالحملة له وسيطردون خصومه، وربما يقتلون من أجله.

توفيق بوعشرين







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.