السبت 20 أبريل 2024| آخر تحديث 1:41 08/08



خذوا المناصب والمكاسب، لكن خلّوا لي “أدرار”..

خذوا المناصب والمكاسب، لكن خلّوا لي “أدرار”..

248822 من المؤلم جدا أن يشار إليك بالبنان وترد عليك اتصالات هاتفية من كل الجهات، وتردد الألسن خبر ترشحك للانتخابات الجماعية، ظنا من محترفي الوهم أنك ستكون يوما ما حلقة من حلقات مسلسل طويل يمسك بطرفه الأول القائمون على انتخابات 1960 وسيمتد إلى ما شاء الله من الزمن، وأن الغوص في المال العام يستهوي الجميع دون استثناء، وأن تحميل الرقاب ما لا تطيق ستريح الرؤوس على الوسائد، وأن الأمر لا يعدو مستندات بسيطة وصورة شخصية معدّلة بآخر برامج “الفوتوشوب” لتصير أكثر نضارة وجمالا بالنسبة لمن لم “يتنعم” بعد مما تجود به الكراسي الوثيرة، وعادية بالنسبة لمن انتفخت أوداجهم واستقر اللحم تحت رقابهم واحمرت سحناتهم لفرط التزام الظل.

المسؤولية الانتخابية وفق المعتاد من أدبيات الاصطلاح تكليف صعب المراس لا يدخل غمارها إلا من رأى فيها مصالح دنيوية أو أخروية، أما الأول فلنا فيه نماذج لا تعد ولا تحصى، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، ومنهم من فرقت يد المنون بينه وبين الكرسي وعيناه زائغتان اتجاهه في لحظات الحشرجة، ومنهم من تمنى لو أخذه معه إلى ظلمة القبر، ومنهم من بدأ بتثبيت الجذور وإنبات الأغصان والفروع لئلا يهرب منه بشتى الوسائل، ومنهم من نوى واعتقد أن ذلك أبلغ من العمل، ومنهم من استحمر بشرا مثله وعدّه مجرد رقم يمكن الاستعانة به وقت الحاجة، بل ومنهم من عدّه برميلا يمكن أن يملأ بالتافه والرديء من الأفكار ويشحن في حاويات البؤس والجهل، وفي الأوقات العادية يرمقك بطرف خفي ويتنكر لهويتك كأنك غريب، وينظر إليك من بعيد دون أن يلقي سلاما أو يردّ تحيّة، كأنه رازقك أو مُحييك ومميتك.

وأما الثاني، فيرى فيها أمرا جللا لا يطلبها إلا إن اضطر إلى ذلك لجلب مصلحة أو دفع مفسدة، ولنا في التاريخ عبر لمن أراد أن يعتبر، وهو صنف مهدد بالانقراض في عصور المادية وحب التّسيد والشعور بالخوف الأبدي من لا شيء، هؤلاء يخشون عاقبة الليالي في الدنيا قبل الآخرة، ويصلون الليل بالنهار لحفظ مبدأ المسؤولية بالمحاسبة حق حفظ، لأنهم يعرفون أن الثمن الأغلى سيدفع عاجلا أم آجلا.

أما الضحايا فهم ليسوا من ضعاف الذاكرة حسبما يتردد لدى البعض، وإنما تغلب معداتهم ذكاءهم وتجبرهم على فعل كل شيء –وإن كان رديئا- في سبيل الخبز ولا شيء غيره، منهم المعذور ومنهم دون ذلك، لدرجة جعلت صاحب “الخبز الحافي” يلملم ما تفرق من أوراقه في مجلد تحت عنوان:”من أجل الخبز وحده”.

ورغم أن غالبية سياسيينا لم يسمعوا قبلا بهذا الكتاب، ولن يسمعوا به من بعد، لافتقارهم إلى آليات القراءة والكتابة، بعد أن صوت 198 برلمانيا من فرق الأغلبية على مادة لا تلزم بتوفر مستوى دراسي معين في رئيس الجهة، فما بالك بمن هو أدنى. لكن، لهم تجربة عملية في قيادة الناس عبر بطونهم نحو الصناديق لأن ذلك يسهل كسب الأصوات دون الضجيج المحتمل الذي يحدثه نقاش البرامج الانتخابية، وتجييش العواطف، وتخويف الناس وترغيبهم من لا شيء.

صحيح، أنه يصعب إخراج البرامج إلى حيز الوجود لتحدّيات كبرى في مقدمتها ضعف تمويل المجالس المنتخبة وجحافل الموظفين الذين يصيبون الإدارات بالتخمة والإسهال الحاد -وفوق الطاقة لا يلام أحد-، لكن ينبغي أن يطبع الذاكرة مثل شائع “ما لا يدرك كله لا يترك جله”، وأن الرجال الأحرار عند وعودهم، وأن السياسة هي فن تدبير الممكن. وعليه، على المنتخبين المحليين والجهويين في الاستحقاقات المقبلة تحمل مسؤولياتهم اتجاه مناطقهم، وخاصة الوسط القروي الذي أكد عليه ملك البلاد في خطاب الذكرى (16) لعيد العرش حين قال: “إن ما يحز في نفسي، تلك الأوضاع الصعبة التي يعيشها بعض المواطنين في المناطق البعيدة والمعزولة وخاصة بقمم الأطلس والريف، والمناطق الصحراوية والجافة والواحات، وببعض القرى في السهول والسواحل…”.

وفي المقابل، على أجهزة الدولة تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي جاء به دستور 2011 وجرّ كل من تلوثت أياديهم بهدر المال العام إلى القضاء في فترة الانتخاب وبعدها لا السماح بتقديمهم وكلاء لوائح، ليكونوا عبرة لمن أراد أن يعتبر، ووضع حدّ للاغتناء غير المشروع وانتفاخ البطون بالمال الحرام الذي ينتج عن تولّي المسؤوليات، حتى لا أقول وضع هؤلاء في حاويات الأزبال أسوة بالأوكرانيين.

وإن تعذر حصول هذا، فإن أهم مطلب يمكن أن ينبثق من صوت الفطرة هو “التّيساع”، بمعنى أن على من يصل سدّة التسيير بطريقة أو بأخرى وعجز عن تنفيذ التزاماته ترك الناس وشأنهم، وامتنع عن كل ما يلحق الضرر بهم، ودرأ التسلط المزعوم عنهم، حتّى لا يضيف لبلواه دعاء أرملة لا يردّ وسخط كبير لا يلين، إذ ذاك سينشد الناس على إيقاع لحن (لطفي بوشناق):”خذوا المناصب والمكاسب، لكن خلّوا لي أدرار”.

 

بقلم : أحمد إدصالح

248822







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.