الخميس 28 مارس 2024| آخر تحديث 11:17 08/05



حتى لا يرحّلنا الرعاة من أرضنا

حتى لا يرحّلنا الرعاة من أرضنا

Remove Image Backgrounds Free & Fast - Background Burner - Bonanzaلا يختلف اثنان على أن الرعاة الرحل إرث تاريخي قديم حمل مشعله البدو (عربا وأمازيغ)، في بحثهم عن مصادر الكلإ لماشيتهم التي عادة ما تكونت من الضأن والماعز والإبل، يجوبون أرض البلاد طولا وعرضا، وتسير بهم أقدامهم في الصحاري التي لا تحدّها الحدود المسطرة بين الجزائر مشرقا، وموريتانيا جنوبا.. يحملون زادهم معهم، وينصبون الخيام للاحتماء من برد الشتاء وحرارة الصيف، ويتمتعون بقوة التحمّل والنفس التواقة للتحرر من قيود قانون التعمير والأرض.

وعنهم قال صاحب (المقدمة): “ومن كان معاشه في السائمة مثل الغنم والبقر فهم ظعّن في الأغلب لارتياد المسارح والمياه لحيواناتهم”، وأضاف عن أرباب الجمال: “وأما من كان معاشهم من الإبل، فهم أكثر ظعنا وأبعد في القفر مجالا..”-129/1-.

وتشير المصادر التاريخية إلى استقرار العديد منهم في مناطق عدّة، وتكوينهم علاقات اجتماعية مع أرباب الأراضي، في مشهد أخوي عجيب، ولهذا تعزى أنساب قبائل بأكملها إلى صحراء “السودان” أو إلى “جزيرة العرب”، فتمازجت الأنساب وعرّب من عرّب ومزّغ من مزّغ، حتى تشكلت معطيات ديموغرافية وجغرافية جديدة لا تقبل الفكاك.

لكن القرن الماضي سيحمل لأبناء “أدرار” أحداثا جساما اتسمت بالصراع على الأرض وظهور أولى بوادر الشقاق بين جيل جديد من الرّعاة الرحل تحدّى الأعراف والقوانين المدونة، وبين ملاك أرض تغيّرت نظرتهم نحو منابت الكلإ والمياه.

وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير آنذاك، الاعتداء الذي تعرض له راعي “تومنار”-جماعة سيدي احمد أوموسى-، والنفير العام الذي استجاب له أبناء المنطقة، في إشارة واضحة إلى إعلان القطيعة مع الماضي وبداية عهد جديد له معطياته ورهاناته وتحدياته الخاصة، فزجّ بخيرة الشباب والرجال في “معتقل أنزي” عشرات الأيام، وتكونت في الوعي الجمعي فوبيا “الرعاة الرحل”، وزُرع خوف شديد في القلوب والنفوس.

الروايات التي تلهجها ألسن الجيل الحالي تحمل في طياتها صراعات ونزاعات ودماء واختطافات تطال الصغار لتوظيفهم في رعي الجمال بالصحاري الممتدة، ودخول أعوان السلطة بخيط أبيض تارة وحياد سلبي تارات أخرى حتّى لا ينزعج ملاّك قطعان الجمال أصحاب النفوذ، وتهرّب أغلب المنتخبين من تحمّل مسؤولياتهم في وقت تنتفخ فيه أوداجهم يوما بعد يوم لئلاّ تمسّ مصالحهم بسوء…

ومنذ ذلك الحين، لا تخلو سنة من مناوشات ونزاعات بين أهل الأرض والدخلاء، كان أشهرها ما حدث سنة (2011) ب”تيغيرت”-سيدي إفني، لمّا فتحت مواجهات مباشرة وظفت فيها العصي والحجارة، وخلفت جراحات لا تندمل، وخوفا جثم على قلوب قبائل “إمجاض” إلى حدود اليوم.

ولا يسع المقام هنا للتذكير بأحداث “تاسريرت” و”آيت باها” و”إرسموكن” و”بونعمان” و”أكلو” والقائمة تطول..

أما آخرها فكان الهجوم الكاسح لقطعان الماشية على “أركان” بعض دواوير أنزي، أجبرت الساكنة والمجتمع المدني على الاحتجاج في وجه معضلة تستبيح الأملاك بعبارة “أرض مولانا”.

لكن، بتنامي وعي الجيل الجديد من ساكنة “أدرار” يجب أن يُعجّل بملفات ثقيلة على طاولة القضاء، وفق ما جاد به دستور 2011، وتوضع النقاط على الحروف في دولة تتوق للخروج من ضيق القبلية إلى سعة المؤسسات، ويحدّد ما للساكنة والرعاة من حقوق وواجبات، وتفعّل قوانين الرّعي، ويسرّع بعمليّات تحفيظ الأراضي، والاستمرار في رفض ما بات يعرف ب” تحديد الملك الغابوي” الذي تستند بعض حيثياته إلى (ظهير 10 أكتوبر 1917)، وتتكتل الهيئات المدنية والسياسية لبحث المشكل في شتى جوانبه.

وإذا لم يحصل هذا الأمر، فإن أزمة الرعاة الرحل ستنضاف ل”بوتكانت” وجشع الساسة وبؤس التسيير والتدبير واستنزاف الثروات..، وستدفع ساكني “أدرار”  إلى التوجه قسرا نحو أحزمة مدن يكدّس فيها البشر تكديسا لتساومهم كبريات شركات العمران على علب كرتونية تمتص ما بقي من جيوبهم المثقوبة.

بقلم أحمد إدصالح 

s







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.