الأربعاء 24 أبريل 2024| آخر تحديث 3:43 07/07



هذا عار هذا عار.. الصايا في خطر

هذا عار هذا عار.. الصايا في خطر

image55-600x345قيل يوما، إن جماعة من الناس التأموا على ضفة نهر، ولما قطعه أحدهم للجهة المقابلة، صار ينادي على الآخرين: “أنتم حمقى”، ليردوا عليه: “بل أنت الأحمق” !!. لكن ما لبث أن قطعه ثان وثالث ثم رابع حتى تشكلت الأغلبية هنالك، لينادوا على البقية: “أنتم حمقى”، فما كان من هؤلاء إلا أن استسلموا للأمر الواقع، فقطعوا بدورهم الوادي إلى غير رجعة درءا لشبهة الحمق..

في بعض الأحيان يعجز المرء عن تمييز الأحداث سقيمها من صحيحها، ذلك أن حيثيات كثيرة تصاحبها وتحجب أسرارها. فحادثة “الصايا” بإنزكان مثلا، لم يكن أحد لينتبه إليها وينبش في تفاصيلها، لكن تحويلها إلى قضية رأي عام وموضوع مناكفة بين بعض من يدعون “الحداثة” وغيرهم جعلها تتصدر اهتمام الكثيرين، سيما وأن كلاما راج لا يُدرى مدى صحته، من أن عددا لا بأس به من المحامين تجشموا متاعب يوم رمضاني حار لنصرة فتاتي “الصاية”، في وقت تغنت فيه مواقع إلكترونية وفعاليات “حقوقية” شتى بهذا الإنجاز، وعدته مسألة تستحق الاهتمام، ورمت المجتمع المخالف بتهم “الجهل” و”التخلف” و”الظلامية” و”الرجعية” وغيرها من الألقاب القدحية المثيرة للاهتمام في وقتنا الحاضر.

لكننا بمجرد ما نمنح أنفسنا قليلا من الوقت، ونعيد دورة الحادثة على أدهاننا كما هي لا كما تسوقها جهات عدة، سنفهم مدى جسامة الخطإ الذي وقع فيه بعض من عدوا الحادثة قضية رأي عام خلال وضعها في واجهة القضايا المستحقة للاهتمام.

لقد نجح أرباب القضية –أو بالأحرى الراكبين على ظهرها- في تسويقها إعلاميا على أنها آخر المعاقل التي يجب أن تُفتح في موضوع الحريات الفردية، مما أهلها لتكون موطن مزايدات حزبية ومحطة تقاطع مصلحي لبعض مكونات هذا البلد، في الوقت الذي عجزت فيه عن ادخار جهودها للدفاع عن حقوق حقيقية طالما انتهكت هنا وهنالك.

فأبناء المغرب العميق الذين ما زالوا يبحثون عن مخرج حقيقي لبؤسهم وعزلتهم، لن يستسيغوا أبدا ترفا نضاليا كهذا، بل ولن  يصدقوا أن جماعة من الناس تظاهرت لأجل “الصايا” بعاصمة سوس، في وقت لم يجد فيه إخوانهم طريقا تمكنهم من حمل مرضاهم في عربات عوض نعوش على الأكتاف.

كما لن يصدقوا أبدا جدية هذا المطلب في زمن تترك فيه “المناضلة” خادمتها تحت رحمة أعباء البيت لترفع عقيرتها بصوت جهوري في سبيل “الصايا”، وتتخلى عن طلبة متدربين دون شواهد مشاركة تثبت خدمتهم لأجل جمعية حقوقية مدة من الزمن ليست بالقصيرة..

وسيعجز بعض المدافعين عن إقناع أحدهم بأن لُبس “الصّاية” مطلب ملحّ لتحقيق الاستجمام والترويح عن النفس، والأخذ ببعض ما جاء به المذهب الطبيعي من أفكار قوبلت بالرفض من مهدها في ألمانيا بداية القرن العشرين.

لكن رغم تفاهة هذا الموضوع ابتداء، نخشى أن نسمع ذات يوم عن إمكانية إخضاع قيم هذا البلد للتصويت والمزايدة في أسواق النخاسة الحزبية الحديثة، ومن يدري، لعلنا بعدها نشكّ في مدى أهلية عقولنا لاستيعاب القضايا كما حصل مع المنادين: “أنتم الحمقى”، فننضم للمدافعين عن “الصّاية” أمام البرلمان والمحاكم وفي الساحات العمومية مردّدين ما ردده البعض في أيام الناس هذه: “هذا عار هذا عار.. الصايا في خطر”!!.

بقلم أحمد إدصالح







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.