الخميس 28 مارس 2024| آخر تحديث 4:53 06/12



قد أبكانا موتك يا رجلا نعرفه…

قد أبكانا موتك يا رجلا نعرفه…

10922470_630883330368022_3936349104788004540_nكانت أسوأ الأخبار التي حملتها وسائل الإعلام في مثل هذا اليوم من شهر يونيو (2014) مغادرة الدكتور “المهدي المنجرة” هذه الحياة نحو دار البقاء قبل أن تتبيّن مواقفه من التحولات المجتمعية الكبرى التي طالت دول الربيع، وترك الكثيرين محتارين بين صفحات كتابيه “قيمة القيم” و”الإهانة في عهد الميغا إمبريالية” لعلهم يجدون شيئا يشفي غليلهم ويداوي جراحهم، فأحسّ زمنها أبناء هذا الوطن بفراغ كبير تركه رجلا حقيقيا طالما تكلم بلسانهم، فاستمدوا من مواقفه عبرا وحكما.

لم تمهل يد المنون رجلا سقيما ليزمجر مجددا في وجه الإمبريالية وجشع الجشعين وأصحاب النفوذ والسلط، وليطل مرة أخرى من شرفة إعلامية تنبأ لها عوض مؤسسات احتكرها الكبار دون غيرهم، ويتواصل دون حواجز مع الشباب الذين اعتبرهم ثروة الغد وصناع التغيير بمحاضرة هنا ومقال هنالك.

بدأ “المهدي” انتفاضته الفكرية  منذ أن اعتقل وهو صغير لما صاح في وجه رئيس أحد الفرق الأمنية التي وظفها المحتل الفرنسي بمدينة “إفران”، حين رأى كلبه يشرب بمسبح به مواطنون يئنون تحت وطأة الذل والمهانة الإمبرياليتين، في إشارة واضحة إلى تكريس مساواة الكلاب بأهل الدار.

ومنذ  ذلك الحين، تشكل في وجدانه فكر جديد، فحاول القطع مع المهادنة والنفاق والتزلف والتملق، ورفض أن يكون فمه مأجورا يؤكل به الشّوك، ووسيلة لصباغة الواجهات. وقال “لا” في وجه المناصب لما تهافت عليها المتهافتون، رغم أنه ينحدر من طبقة اجتماعية كان من المفترض أن تقنعه بالانتماء إلى جيل الدلال، فيعيش في برج عاجي بعيدا عن آلام الطبقات الأخرى المسحوقة التي يتقاسم معها هذا البلد الرحيب.

أحس “المهدي” بآلام وطن جريح، فحملها معه أينما حل وارتحل، وكأن ابن الرباط في ثلاثينيات القرن العشرين يريد أن يصل الماضي بالحاضر، والجنوب بالشمال، على اعتبار أن مصير الإنسانية مشترك، ورهين بالتحولات العالمية الكبرى التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية في بداية هذه الألفية ضد كل ما هو “غير يهودي ومسيحي”، لدرجة دفعت (ميشال جوبير) يصفه ب”المنذر بآلام العالم”، وأرغمت (صمويل هتنجتون) يعترف بأحقيته في التأسيس لمفهوم “صدام الحضارات”.

ولمّا مُنع من إلقاء محاضراته بالمغرب لجرأته وصراحته، غادر نحو بلدان أوروبية شتى فاحتضنته واستعانت بفكره لوضع مخططات تعليمية واستراتييجية عدّة. كما وشحته اليابان بوسام “الشمس المشرقة الوطني” نظير جهوده العلمية التي استفادت منها وقتذاك…

واستمر في دهاليز المنظمات الدولية مدة من الزمن ليست بالقصيرة، حتى ما عاد يحتمل سياساتها اتجاه عدة قضايا جوهرية على المستوى العالمي، فرفض ذلك قولا وعملا، وما زالت كتبه ومحاضراته المسجلة صوتا وصورة تؤرخ لهذه اللحظات النادرة.

وربما حدثته نفسه أن يؤوب إلى مسقط رأسه يوما، لكنه  لما عاد، وجد نفسه بين مطرقة مرض ال”باركنسون” وسندان التهميش والإقصاء من بني جلدته. فمجتمعه تنكّر كثيرا لمبادئه التي حملها يوما ودافع عنها بكل ما أوتي من قوة، ووسائل الإعلام الرسمية عندنا لم تكلّف نفسها عناء النبش في تاريخ الرجل وفكره، وكأنها بذلك تحمد المرض الذي منعه من أن يقول مجددا عنها ما لم يقله مالك في الخمر.

وحتى لمّا مات، خصّت القناة الثانية مجرد ثواني معدودة لإيراد الخبر مرفوقا بصور حصرية لجنازته المهيبة، وكأنها بذلك تريد أن تردّ الصاع صاعين، وتنتقم لنفسها بعد أن وصفها ب”قناة الأقلية التي يدفع لها الشعب”، لكنها نسيت أن الأوفياء لفكر الرجل مشرقا ومغربا ما فتئوا يردّدون في ذكراه: “قد أبكانا موتك يا رجلا نعرفه…دقّ الحزن قلوبنا وبيوتنا وحجارتنا والشجر” !!.







تعليقات

  • لدي سؤتل او اقتراح لادمين الموقع اتكنى ان يأخده بجدية:
    لمادا لا توجد امكنية النشر اوالتوزيع على الفايسبوك في خانة “partager “.
    اتمنى ان تقومو باضافتها فهي ستخدمنا و تخدم الموقع بصفة عامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.