الجمعة 29 مارس 2024| آخر تحديث 8:55 04/30



أمازيغ مع وقف التنفيذ

أمازيغ مع وقف التنفيذ

Ahmed Idsalahلا أدري كيف ينظر المسؤولون في هذا البلد إلى الأمازيغية باعتبارها رصيدا هوياتيا مشتركا بين كافة مكونات المجتمع المغربي، أبعقلية السوري “ميشيل عفلق” مساند فكرة الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج في فترة من فترات القرن الماضي، أم بخلفية “نابليون بونابارت” بعدما اكتسح أحفاده أرضنا وزرعوا فيها فكرا فرنكفونيا ما زال يسود مختلف جوانب الحياة الإدارية والإعلامية، أم بنظرة الذنب التي تعتري أمّا تترك وليدها اللقيط في صندوق القمامة وهو لم يقدر بعد على الصراخ، وتخشى أن يفتضح أمرها يوما؟.

ذات مرة، سألت احد الفاعلين البارزين في إحدى التنظيمات المدنية “المحافظة”  حول الموضوع، فأجابني توّا  بأن المسألة لا تعدو كونها تريثا اتجاه قضية “نال منها ذوو التوجه اليساري منالهم، فكان منا أن ترفعنا عن الدخول في طياتها”، ولم يحدثني عن برنامج واقعي يعيد الأمازيغية إلى الواجهة ويحميها من الاندثار.

وبمدينة آسفي حضرت لأستاذ باحث وكاتب محسوب على التيار اليساري الراديكالي يتلقى سؤالا حول ذات القضية، فاكتفى بالقول بأن الأحزاب اليسارية انفردت لحد كبير بالقضية فحولوها إلى مطية لتحقيق أهداف إيديولوجية وسياسية بحتة.

وفي جلسة حوارية مع أحد “النشطاء” الأمازيغ هنا بتيزنيت أشار علي بأن التنظيمات ذات التوجه الإسلامي تتبنى الفكر القومي العربي وتعتبره جزءا لا يتجزأ من الدين، وأي محاولة لإحياء الثقافة واللغة الأمازيغيتين يرافقه خوف شديد اتجاه مكانة العربية عندهم، بينما التنظيمات اليسارية وجدت في القضية حبل نجاة ينقذها من بؤس المشروع المجتمعي..

بين هذه الرؤى وغيرها تتخبط الأجيال وتخرج للوجود فاقدة بوصلة الانتماء، لا إلى الشرق ولا إلى الغرب ولا إلى الأصل كالغراب الذي سعى لتقليد الحمام، فيما يحسّ المتتبع بفراغ كبير يسود مجتمعا لا يجد ذاته في الإدارة ووسائل الإعلام والحياة العامة.

لنكن صريحين مع ذواتنا، غالبية أبناء اليوم صاروا لا يعرفون من الأمازيغية غير الاسم، لدرجة جعلتهم يتحاشون التصريح بامتلاك رصيد هوياتي من هذا القبيل، ويتنكرون ما استطاعوا لذلك سبيلا في أقنعة لم تنبتها يوما هذه الأرض الطيبة.

فأمام المد التغريبي الكبير سار الكثير مع التيار، وفضلوا السراويل الضيقة على الجلباب الأمازيغي الأصيل، و”الملحاف” الذي يزين النساء أحلت محله التنورات الضيقة التي لا تقي صاحبتها البرد كما الحرّ…، وعلت الحناجر لكنة فرنسية ترقّع ما أمكن في دارجة كانت ولا تزال مجال توارد قوي بين العربية والأمازيغية على حد تعبير الباحث “محمد شفيق”.

ومع هبوب رياح الثقافة الشرقية صارت شوارعنا تلتقط إشارات العجز عن التمييز بين ما هو من الدين وبين ما هو من عادات أهل الشرق في شتى صنوف الألبسة، كما اتجهت مسميات الشوارع والأزقة والأمكنة ذات الاتجاه.

نحن اليوم، أمام أزمة حقيقية ستقودنا إلى اللامكان، إلى المجهول في مستقبل تنتظرنا منه تحديات كثيرة في مقدمتها عولمة الثقافة، فماذا أعددنا لها ؟!.

الأحزاب السياسية ما زالت تنظر إلى الأمازيغية حائطا قصيرا يمكن استغلاله زمن التنافس على المناصب، والتيارات الإسلامية تفتقر لمشروع عملي لتطوير الأمازيغية وتشكو المد القومي العربي في أوصالها، والتنظيمات اليسارية تستعيض افتقادها لمشروع مجتمعي ناجح بكلام فضفاض في الأمازيغية وأحوالها، أما “السلفيون” المغاربة فلم أدر لهم برنامجا اتجاه لغتهم وثقافتهم، والحركة الأمازيغية تقف بين هذا وذاك دون أن تؤسس لخارطة طريق مستقبلية يخرجنا من هذا التيهان.

صحيح أن المغرب قطع أشواطا لا بأس بها، منذ الإعلان عن إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في خطاب العرش (2001)، وصولا إلى ترسيم الأمازيغية بالفصل الخامس من دستور ( 2011)، وما صاحب ذلك من تطور ملحوظ في الشأن الإعلامي والتنظيمي. لكننا نخاف من تراجعات ستفضي إلى جعل الأمازيغية عنوان الماضي لا غير في وقت كان يجب أن نحمل هذا الإرث لأبنائنا بكل ما أوتينا من قوة.

بقلم: احمد اضصالح







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.