الخميس 28 مارس 2024| آخر تحديث 7:27 04/27



هل نحتاج فعلا إلى سياسيين مثقفين؟

هل نحتاج فعلا إلى سياسيين مثقفين؟

amezianernw_279175938لعل أغرب خبر قرأته مؤخرا هو عن “الحركة التصحيحية” داخل حزب “الديمقراطيين الجدد”. فهذا الحزب نشأ أصلا ل “يصحح” مسارا رآه معوجا في الديمقرطية المغربية. فماذا يريد هؤلاء تصحيحه؟ وكيف أصاب هذا الحزب اعوجاج وهو لما يطفئ شمعته الأولى؟

لست من عشاق “البلقنة” السياسية، ولكنني أيضا لست ممن يفكرون في وضع العصا في عجلة المبادرات الجديدة، وخاصة إذا كانت تروم تجديد الدماء في مبادرات أصابت الشيخوخة شرايينها. غير أن ما أورده الغاضبون في بيان عمموه على وسائل الإعلام يفيد حقا بأن في الأمر خللا ما.

الغاضبون انتقدوا “المنهجية” التي يسير بها الرئيس المؤسس الحزب الوليد، تحدثوا عن “غياب الديمقراطية” في حزب يدعو إلى “ديمقراطية جديدة”، بمعنى ديمقراطية مختلفة عن ديمقراطية التعيينات والمحاباة والولاء. وها هو رئيس “الديمقراطيين الجدد” يسير على نهج السلف، فيحتفظ لنفسه بحق تعيين سبعة أعضاء في المكتب السياسي، بل أكثر من ذلك عين ابنه في المكتب السياسي خارج السبعة المذكورين، إلى غير لك من الأمور االتي، إن صحت، فهي لا تطمئن ولا تبشر بخير.

فما الذي يدفع أستاذا مقتدرا، أشرب أجيالا من الطلبة والقراء والمواطنين مبادئ الديمقراطية وأخلاق العمل السياسي، من خلال أبحاثه ودراساته ومداخلاته في وسائل الإعلام، إلى التخلي عما كان يدعو إليه ويبشر به؟ هل العمل السياسي قذر إلى درجة أن كل من يدخل حلبته يصبح مصارعا بلا أخلاق ولا ضوابط؟

الأكثر من كل هذا أن رئيس الحزب الجديد وصف خصومه السياسيين في داخل حزبه بالبلطجية، وهو وصف له من الحمولة ما يكفي للحكم على أن الهامش الديمقراطي داخل الحزب ليس أوسع من هامش السيف البتار. قد لا يكون “خصوم” الرئيس المؤسس أكثر ديمقراطية منه، وأنهم مدفوعون هم أيضا بنوازع ذاتية، ويريدون هم أيضا الحصول على حصتهم من “الوزيعة”، كما حصل هو على حصته في التعيينات، وبناء سياج من الموالين والأنصار يعتمد عليهم لمواجهة “الديمقراطيين القدامى”. هل هذا من حقه ومن حقهم؟ الديمقراطية في نظري ليست حقا يورث.

في “مشروع البرنامج السياسي” للحزب كثير من الكلام العام وقليل من “الديمقراطية الجديدة”. قرأته على أمل أن أجد فيه ما يقنعني بجدوى هذا المولود الجديد في بركة السياسة المغربية الفاسدة، فألفيته تجميعا لجمل صحيحة لغويا، لكنها لا تحمل من جديد السياسة والديمقراطية شيئا. هذا الحزب يحمل شهادة ميلاد جديدة، لكنه مع الأسف وُلد محنطا كما الأحزاب الأخرى، ومن رأيي أنه لا يستحق حتى مجرد التفكير في تصحيح تشوهاته الخلقية.

أحمل تقديرا كبيرا لمؤسسه الدكتور محمد ضريف كباحث ومدرس وخبير في ميدانه. لكن هذا كله لا يشفع له أن يجعل منه سياسيا ناجحا قادرا على تقديم بديل للمغاربة. كمغاربة عشنا تجارب سياسية سابقة لمثقفين كبارا لم يعرفوا السباحة في بحر السياسة. ليس كل مثقف مؤثر سياسيا ناجحا، وليس كل سياسي ناجح مثقفا مؤثرا. السياسة مهنة ككل المهن، لها مهاراتها وقواعدها وملكاتها. هل تعتقدون أن عبد الله العروي كان سيكون رئيس وزراء ناجح؟ فتح الله ولعلو كان أستاذا لا يشق له غبار على مقعد التدريس وفوق منبر البرلمان، لكنه كان وزيرا فاشلا بكل المقاييس. زميله في الحزب والتكوين الأكاديمي الدكتور الحبيب المالكي، هو أيضا لم يترك بصمة “المثقف” ولا بصمة “الأكاديمي” على مروره الوزاري. وقل نفس الكلام عن الوزير الشاعر محمد الأشعري والوزير الفيلسوف بنسالم حميش وهلم جرا.

“بصمة” الديمقراطيين الجدد، والتي اتخذها الحزب شعارا له، ليست علامة الرضا. قد تعني “أوطو ستوب” في المفهوم الشعبي العام. بمعنى أنه يريد قطع مسافات طويلة بلا زاد ديمقراطي. أرى أن يفكر الرئيس المؤسس الدكتور محمد ضريف جديا، وبجرأة أكاديمية، في أن يوقف هذا العبث السياسي ويضع حد لمواصلة تمريغ سمعته الأكاديمية في الوحل. عليه أن يعود إلى ميدان البحث والمتابعة والنقد من خارج الكيانات الحزبية التي تنمو وتموت كالفطريات. نحن كمغاربة نحتاج لأمثال ضريف والجابري وحميش والمنجرة والأشعري وسبيلا والساسي وبنعلي وغيرهم، كمثقفين يقوّمون اعوجاج السياسة من موقعهم فوق الأحزاب. أما حينما ينغمس المثقف في وحل السياسة، فما عليه إلا أن يستعد لتلقي اللكمات والكدمات، من “بلطجية” لا يعرفون في المثقف إلا وجهه الجاهز للخدش والتشويه.

محمد أمزيان







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.