الخميس 28 مارس 2024| آخر تحديث 7:21 04/27



درجــة الصفــر في الخـطــاب السيـاسي

درجــة الصفــر في الخـطــاب السيـاسي

درجــة الصفــر في الخـطــاب السيـاسي – عبد الله النملي – المواطن24 Citoyen _ المواطن Citoyen 24تحول طلاق سمية بنخلدون، الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي وتكوين الأطر، إلى قضية استأثرت باهتمام الرأي العام، حيث توالت التفسيرات والتأويلات في الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي. ولعل آخر حلقات هذا الجدل اتهامات الأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط لوزير ووزيرة، في حزب العدالة والتنمية، بنسج قصة حب، وبتشتيت الوزير لشمل الوزيرة والتسبب في طلاقها. هذه الاتهامات الباطلة، أخرجت الوزيرة المَعنية سمية بنخلدون عن صمتها، لتتحدث عن عدم وجود أي طرف ثالث في قصة طلاقها من زوجها، مُنتقدة ما صرح به شباط، حيث وصفت تصريحاته ب ” الانتهاك السافر لأخلاق الإسلام وتقاليد الشعب المغربي وحرمات الأسر والحياة الخاصة للأفراد”. وبدوره خرج الحبيب الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، المومى إليه سلفا، ليرد على شباط، واصفا تصريحاته ب “غزوة الإفك”، و كتب على صفحته على الفايسبوك: ” غزوة بئيسة بغالبية الحشد المأجور كما هي العادة، بئيسة بالقذف والتشهير كما هي العادة، بئيسة بالقبح الذي ألبسه رداء لزعماء لو انشغل الناس بحياتهم الخاصة وجعلوها مادة للخطاب لماتت السياسة”، مضيفا على أنه ” آن الأوان لنفعل دور القضاء لمواجهة الإفك الشباطي الممنهج “.
وتأتي هذه التصريحات المُسيئة لوزير ووزيرة في حكومة عبد الإله بنكيران، بعد تولي شباط زعامة حزب الاستقلال، وانسحاب حزبه سنة 2013 من الحكومة، بسبب ما اعتبره استفرادا من بنكيران بالسلطة، حيث تأجج الخلاف بينهما، لدرجة أن حميد شباط، لا يفوت أي فرصة، دون انتقاد بنكيران وسياساته وحكومته ووزراءه. غير أن تدني خطاب شباط، ووصوله إلى الحياة الخاصة لوزراء ووزيرات في الحكومة، جعله محط انتقادات الكثير من الفاعلين. فحتى جريدة ” الأحداث المغربية “، المحسوبة على التيار المعارض لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، انتقدت تصريحات شباط، حيث كتبت في إحدى افتتاحياتها تقول: ” هل يعي السياسي الذي ركب على ما كتبته الصحافة حجم الضرر العائلي على حياة الوزير المعني بالكلام، هل لا نعي ما نلحقه من دمار أم ترانا لا نكترث وننشر ترهاتنا على الملأ ونمضي؟”.
والحقيقة أنه يصعب على أي مراقب للشأن المغربي أن يمارس الحياد تجاه تصرفات الأطراف السياسية في هذا البلد، فهناك الكثير مما يستحق الإدانة من تصرفات بعض السياسيين. فمن يتابع المشهد السياسي، يلاحظ استمرار تدني الخطاب السياسي إلى الدرجة الصفر، وهو ما يعكس طبيعة بعض المخلوقات السياسية التي ليست أقل سوءا مما يوجد في المجتمع. فالمغاربة يؤسفهم التدني المريع في الخطاب السياسي الذي وصل إلى أسفل سافلين، ولسنا ندري ماذا ألَمّ بأخلاق بعض السياسيين، وهل خرج بعضهم عن جادة احترام الذات حتى يصوبوا سهام حقدهم على بعضهم البعض بعبارات وكلام يأنف الرعاع إتيانه؟، وهل علمتنا “الحروب” السياسية المتتالية امتهان السفاهة، فأصبحنا أكثر استعدادا في استعمال بذيء اللغة وسقط الكلام وأتفهه حتى ولو كان في كشف مثالب الآخرين والافتراء عليهم؟، أهذه هي المدرسة السياسية في التأطير والتكوين التي نورثها أبناء هذه الأمة التي تصدر مشهدها السياسي بعض الغُلاة، أقل ما يقال فيهم أنهم باتوا رسل شر ومعلمي الخارجين على القانون؟.
إن من يتابع خطب بعض السياسيين وتصريحاتهم واتهاماتهم عبر الصحافة، وخاصة من المعارضة، يلاحظ أن من يدلي بهذه التصريحات لا يخاطب سياسيين مثله، لهم خصوصيات ومقامات معينة تفرض نوعا خاصا من الخطاب، بل يخاطب أحط البشر. فاللغة والعبارات التي يطلقها هؤلاء، هي لغة شوارع وأزقة، حيث يعمد بعضهم إلى استعمال عبارات قاسية ومحرجة لكرامة الوزراء، مثل العمالة للموساد، والانتماء لداعش، وتشتيت الأسر، بل إن بعضهم لم يتورع في استخدام مصطلح ” التشرميل”، كتعبير عن الانفلات الأمني وتكاثر عصابات الجريمة، ليطلقه على خصومه السياسيين. يحدث كل ذلك في الوقت الذي يترحم فيه الكثيرون، على سياسيين كانوا في السابق يعبرون عن أفكارهم وتوجهاتهم ومواقفهم من خلال ما يصدر عن أحزابهم من بيانات رسمية، أو من خلال البرامج الانتخابية المعلنة، بما تحمله من رصانة الرؤية ووضوح الفكرة، في إطار القيم الناظمة للحياة الاجتماعية و السياسية، دون تهريج أو تهديد أو تحريض أو تزييف وافتراء وقذف للمحصنات، وكان مناوئوهم يناقشونهم بناء على ذلك.
واليوم أصبح بعض السياسيين من المعارضة، يفضلون التعبير الفوري المفتقر لأبسط أسس العمل السياسي الرصين، فانهارت بذلك القيم الأخلاقية قبل السياسية، وأصبحنا نستمع إلى عبارات وتصريحات مقززة، وإلى كلمات جارحة غير مهذبة في وصف الرجال والنساء من خارج أفق قيم الإسلام العظيم، ومن خارج أفق التسامح بين البشر، ومن خارج أفق الديمقراطية التي يتشدقون بها، وهي منهم براء. إن تدني الخطاب السياسي بالمغرب راجع إلى خلاف كبير بين القوى السياسية، حيث خرج الخلاف عن جادة الصواب ليتحول إلى مُهاترات كلامية تفتقد للبصيرة والتبصر. ولعل رسالة المجلس الدستوري، في قراره بحل الدائرة الانتخابية مولاي يعقوب، بسبب استخدام المترشحين لألفاظ نابية ومسيئة إلى دور الحزب في التأطير والتكوين، كانت أبلغ رسالة إلى الأحزاب بضرورة مراجعة خطابها وطريقة تدبيرها للتنافس السياسي، حيث صرح المجلس الدستوري أن ” إلقاء كلمات وأوصاف قدحية ومشينة، واستعمال عبارات التحقير خلال الحملة الانتخابية، سُلوك يُجافي مهمة تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية “.

عبد الله النملي







تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.